Accessibility links

إعلان

عبدالباري طاهر *

رواية الفنان الكبير عبدالرحمن الغباري «بيت الزوقبي»، أول باكورة سردية للفنان المبدع عبدالرحمن الغابري. 

تقع الرواية في ١٣٣ صفحة، قطع صغير. طبعت الرواية في دار عناوين.

يتقدم الرواية إهداء لمريم – بطلة «بيت الزوقبي». وبيت الزوقبي سجن الخاطئات اللاتي قال عنهن السيد المسيح: “من كان منكم بلا خطيئة، فليرمها بجحر”، وقد وصلنا إلى زمن كل الخاطئين الذين يرمون البريئات، خصوصًا في هذا المكان – بيت الزوقبي.

ومريم المهدى إليها الرواية ليست من بطلات جان بول سارتر «المومس الفاضلة»، فهي فاضلة بدون الاسم المضاف.

الرواية سرد حكائي عادي بلغة التخاطب. الخيال فيه محدود، والوقائع حاضرة تكاد تلمسها. يورد قبل الولوج إلى الحكي ثلاثة أبيات شعرية للشاعر الكبير عبدالله البردوني:

هل خلت السبع هنا أو هنا

سل وردةَ عنهن أو سلْ هدى

أو ما يسمى سجنهن الذي

يزوج القوادة الأقودا

وكان بيت الزوقبي فارتقى 

للمركزي اليوم واسأل غدا

يبدأ السرد من منطقة قريبة من المدينة صنعاء تدعى «صياد». وصياد في «الحزاوي» الشعبية خرافة (فزّاعة) يروع بها الأطفال؛ لدفعهم للنوم، ومنعهم من الخروج ليلاً. يفند الخرافة منتقدًا «الخمسة الهلاميين» الذين أشاعوا الكذبة. من هم الخمسة الهلاميين الذين يورد التهم لهم في نشر التخلف والجهل، وينسب إليهم أنهم ذووا سطوة على القرية والقرى المجاورة؟ ويحدد بالاسم: مبخوت الحنش، ومعلم المعلامة، والتاجر غنام.

 الجنية – صياد، تتحول إلى امرأة جميلة تساعد الراعية الصغيرة، وتتحول إلى رمز لمساعدة الشباب والشابات في القرية، وجزء أساسي من بطولة الرواية، فهي من تشجع سام البطل الرئيسي على ترك التعليم التقليدي، وتقوم بتعليمه مبادئ الرياضة والعلوم الحديثة، وتدفعه للسفر لصنعاء والدراسة الحديثة، وتساعده، وتسمى «حارس العسل».

لغة السرد بسيطة، وواقعية، يبرز فيها وصف المكان – القرية (صياد)، والطريق إلى صنعاء، ويرسم صورة سلبية للهدهد، ولفقيه المعلامة.

في القرية صياد – يغتصب ابن الشيخ غنام الراعية؛ فيقوم أخوها منصور بقتله، ويقتل معه، يتمحور السرد حول سام ورحلته إلى صنعاء، والتحاقه أو وصوله إلى المنزلة. درس سام على يد أستاذين: عراقي ومصري، العلوم الحديثة، وجغرافية العالم، والتاريخ، والرياضيات.

 في المدرسة المتوسطة التي انتقل إليها برغبة منه، وبتشجيع الأستاذين: العراقي، والمصري – يقوم ببيع «الشوجم»، والكدم.

يبتهج برؤية شوارع ومباني صنعاء، ويتعرفها، ويدون أحوال سجن القلعة، وأحكام الإعدام الجائرة، وحالات التعزير (الدردحة)، ضد صانعي وشاربي النبيذ.

تعرف على السجينة مريم في بيت الزوقبي. مريم تلك الفتاة الجميلة التي أراد أن يخطبها مساعد الأمير فرفضت، فوشى بها إلى الأمير كخاطئة – سجنت في بيت الزوقبي، وتنشأ علاقة حب بين سام ومريم، ومن خلالها يتعرف على مأمورة السجن، وأحوال السجينات، والإساءات التي تلحق بهن من إيذاء السجانة القاسية، والوافدات الجدد، ومن أخذ الشابات الجميلات إلى خارج السجن ليلاً، وإعادتهن منهكات في الفجر.

سام ابن ريف تعز أو إب يتلاقى مع مريم ابنة قاع اليهود – الابنة البريئة السجينة، وهما بطلا رواية بيت الزوقبي.

 زمن الرواية، وإن كان مفتوحًا على جوانب تعود إلى سبعينيات القرن العشرين، إلا أن بيئته، ورموزه، وشخوصه، جلها تعيش أو عاشت في خمسينيات القرن الماضي.

يتجلى إبداع السارد في وصف المكان، والقيم، والعادات التي عاشتها المتوكلية اليمنية: المعلامة، والمنزلة، والمواد الدينية المحدودة، وسيدنا الفقيه، والدردحة التي عرفتها المتوكلية اليمنية في أواخر الخمسينيات في دولة الإمام أحمد حميد الدين على يد رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القاضي عبدالله الحجري، ومرة أخرى في حكومته بدفع من حكام السعودية في ملاحقة الشاربين، وصناع البلدي.

ورغم تخفف السارد من حمولة الصراع السياسي الذي عرفته اليمن يومها، وربط البواكير الأولى لحداثة التعليم، وربطه بالجنية صياد التي تحولت إلى حارسة العسل.

تستضيف صياد في منزلها العامر الراعية المعتدى عليها من ابن الشيخ، وتهتم بشأن القرية التي يسمونها صياد، وهي من يقف وراء البطل سام، ومن شجعته على ترك التعليم التقليدي، والالتحاق بصنعاء، ودراسة المناهج الحديثة.

السرد الحكائي في «بيت الزوقبي» بداية طيبة لفنان كبير، وهو بحاجة إلى مراجعة جوانب في البداية، خصوصًا فيما يتعلق بالرموز، وبالأخص «صياد» التي عمل على تحويلها من جنية مخيفة للأطفال الذين يهربون من مجرد ذكرها إلى النوم – تتحول إلى حارسة العسل، وزارعة الفواكه، وداعية حداثة وازدهار وتطور.

التكنيك، والبناء الدرامي، وضعف المتخيل، ورسم الشخوص، واللغة من المكونات الأساسية للسرد الروائي. وفي الرواية جهد طيب يستحق التحية، والإشادة، والتبريك.

 لـ «بيت الزوقبي» قصة طريفة ومأساوية في آن. والقصة واقعية يتداولها أبناء صنعاء. فقد كان مقر المجانين في جانب من المستشفى الجمهوري، وعندما تقرر نقل الخاطئات إلى الأمن المركزي، جرى الاتفاق على نقل المجانين إلى بيت الزوقبي.

تحرك الباص بالمجانين إلى السجن، ورأى المجنون الذي يعرف السجن (بيت الزوقبي) جيدًا؛ فصاح: “مجنون مجنون، لكن بيت الزوقبي! والله ما سبرت!  وقفز من الباص، وغاب في شوارع صنعاء، ولم يعثر عليه، وربما كان قد صحا من رؤية بيت الزوقبي”.

* نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق.

   
 
إعلان

تعليقات