Accessibility links

إعلان

عبدالباري طاهر*
الأستاذ الجليل عبدالحفيظ بهران علمٌ من أعلام اليمن فكرًا وأدبًا وثقافة وكفاحًا وطنيًّا. في مقالتي السابقة عنه في صحيفة (اليمن الأميركي) أشرتُ إلى دوره في فك الحصار عن صنعاء.

في مقابلة مع صحيفة (الرأي العام) أجراها الأستاذ والصحفي الكبير علي العلفي (رئيس التحرير) مع المناضل عبدالحفيظ بهران، وأعاد نشرها في كتابه التوثيقي “نصوص يمانية: حصار صنعاء” يتحدث حفيظ بتواضع عن دوره في الحصار… وهنا سوف أشير – فقط – إلى دوره ورفيقه الشيخ عبدالعزيز الحبيشي، وبالتالي دور المدينة إب وأهلها، وهو دور يؤكد على حتمية انتصار الثورة.

وقد أكد حفيظ على وجود اتجاهين حينها: اتجاه يرى أولوية الدفاع عن صنعاء وكسر الحصار. واتجاه يعطي الأولوية لمقاومة شعبية في عموم المدن اليمنية. اختار الخيار الأول، وقام بالدعوة والتحريض في مدينة إب وأريافها، وجرى تجنيد الشباب وإعدادهم. كان رفيقه في التحرك الشيخ الجليل عبدالعزيز الحبيشي، وقد انطلقوا إلى مدينة تعز، ثم إلى الحديدة بعد أن تعذر نقلهم جوًّا إلى صنعاء.

في الحديدة نصحوهم بالتريث، حيث كان يجري الإعداد لحملة عسكرية تكون قادرة على عبور الطريق لكسر الحصار. يذكر من القادة الذين كانوا في الحديدة الشيخ المناضل أحمد عبد ربه العواضي والنقيب نعمان قايد راجح مع مجموعة من المقاتلين من إب “جيش الفتح “، ومجموعة من إب بقيادة الشيخ الجليل مطيع دماج، ومجموعات الشيخ حمود أحمد الصبري، ومن الشعِر بقيادة عبدالكريم بادي، والشيخ علي الجمال من بني منصور بعدان وسعيد ردمان من العدين والنقيب فيصل حسان راجح من بني شداد وخولان، ويعتذر عمن نسي أسماءهم، فيما يشير إلى أن قائد الحملة القائد عبداللطيف ضيف الله، يتذكر بداية الاستعداد للمواجهة… للحيمة الخارجية كانت القوتان الأساسيتان: قوة العواضي، وقوة إب. رفض أهل الحيمة مقدم جماعة العواضي للعلاقة السيئة بينهما، وفضلوا تقدم جماعة إب المجموعة المقبولة من الجميع. ويشير إلى أنه اتصل ببعض الضباط من أبناء الحيمة، وتم اللقاء مع المشايخ هناك، وتحرك حفيظ والحبيشي معهم للالتقاء بقيادات ملكية في مغامرة خطرة… وقد عرف الأستاذ حفيظ طبيعة الوضع، وشاهد ورفيقه الآثار التدميرية لقطع الطريق… عادوا إلى مناخة، وبدأت الحملة العسكرية، وكانت المقاومة محدودة والخسائر أيضًا، وبالتأكيد للتفاهمات دورها.

كبار القادة الملكيين أخبروهم بما لديهم من ذخائر وأسلحة مشككين في ولاء الشعب للجمهورية، ولكن ذكاء الأستاذ عبدالحفيظ وانتقاله للمساومة أنقذ حياته ومن معه.

تقدمت الحملة، وقضت على البؤر المتمردة، وبخاصة منطقة العاقل جمعان الفاصلة بين منطقتي الشيخين حمود الصبري وأحمد علي المطري.

يشير إلى استيلاء قوات الثورة على جبل عيبان في حين وصلت قوات فك الحصار من الحديدة إلى متنة، وكانت ما تزال قذائف المدفعية المعادية تتساقط هنا وهناك، وقد تمكنت الحملة من إسكاتها.

يسرد الأستاذ عبدالحفيظ بهران دوره ورفاقه من إب ومن مناطق عديدة من اليمن.

وبقراءة مذكرات القائد السبتمبري، قائد حملة فك الحصار اللواء عبداللطيف ضيف الله في كتابه المهم “حصار صنعاء – خطة القوات المسلحة لفك الحصار”، وذكريات الشيخ عبدالعزيز الحبيشي، ندرك مدى الأمانة والموضوعية والصدق في سرد أهم ملحمة في هزيمة الملكية وانتصار الجمهورية والثورة… وفك حصار صنعاء كان الانتصار الحاسم ضد الحرب الملكية المدعومة بالمال والسلاح وعشرات المرتزقة من أميركا وبريطانيا وفرنسا وحتى إسرائيل. 

كان انتصار صنعاء ضد الحصار المطْبق وبدعم دولي استعماري مرده إلى وجود كل أبناء اليمن في صنعاء، فعبر تاريخ إمامي ممتد لمئات السنين كانت المدينة المستباحة دومًا للقبل السبع وللأئمة الطامعين في الحكم. 

الدرس العظيم المستخلص من صمود صنعاء وكسرها الحصار عائد إلى أن المدافعين عنها كل أبناء اليمن الموجودين في مختلف المرافق، وبالأخص في الجيش والأمن والمقاومة الشعبية.

بعد فك الحصار مباشرة جرى إقصاء أبطال الحصار وإقصاء الضباط الصغار وتقتيلهم، واعتقال الكثيرين منهم، وتشريد الوحدات المدافعة عن صنعاء وتفكيكها.

في قراءتنا للملاحم البطولية التي سجلها الشعب اليمني وشباب الثورة والجمهورية في الجيش والأمن والمقاومة الشعبية والتيارين اليساري والقومي ومستقلين، والدور الرائع في الكفاح الوطني في الجنوب لطرد الاستعمار… يتوجه نقدنا للقوى الرجعية والاستعمار، وهو نقد مستحق، ولكننا ننسى نقد أنفسنا والمراهقة والمغامرة اليسارية التي يسميها لينين مرض اليسارية الطفولي، أو ما يسميه انجلز مرض “مزاج نفاذ الصَّبر”، ومرض اليسار الطفولي، ومزاج نفاد الصّبر مساءل عن أحداث أغسطس 1968 وكارثة يناير 1986، وأيضًا انقلاب جبهة 13 يونيو ذات الولاء الناصري… وقد نجم عن هذه المغامرات كوارث ما يزال شعبنا يدفع ثمنها.
صحيح أن هناك مؤامرات وقوى معادية وطنية وإقليمية ودولية كانت تخطط وتعد لتدمير التيار الثوري… وهو سبب رئيس في كل جرائم الصراعات والحروب، ولكن كل ذلك لا يعفي المراهقة والمغامرة من تمكين القوى الأخرى من تنفيذ مخططها، وما يزال نقد الأخطاء دون المستوى.

*نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق

   
 
إعلان

تعليقات