Accessibility links

إعلان

عبدالباري طاهر*

الأستاذ الجليل والمناضل الكبير عبدالحفيظ بهران، المتعدد والكثير، نجم من نجوم الأدب والفكر والسياسة والكفاح الوطني.

للأستاذ عبدالحفيظ حضور كبير وكثير في تاريخ الحركة الوطنية، وفي الكفاح السري والعلني للنشاط الحزبي، فهو واحد من رموز الكفاح الوطني في خمسينيات القرن الماضي ضد الإمامة البائدة والاستعمار، وقد شارك الفقيد الكبير في كفاح الأحرار.

يشير رفيقه وابن منطقته أحمد منصور أبو أصبع في كتابه “تعايشي مع الحركة الوطنية في اليمن” إلى اشتراك بهران في مظاهرة لتأييد الوحدة بين مصر وسوريا، هتفت للوحدة، وسقوط الرجعية، وقد اعتُقل عقب المظاهرة، مع آخرين إلى جانب أخيه يحيى بهران – وزير الإعلام في عهد الثورة، والأمين العام للاتحاد الشعبي، كما يشير أبو أصبع إلى دورٍ مائز لعبدالحفيظ بهران إلى جانب أبو راس، ومطيع دماج للتحضير والتهيئة للثورة، وبعد قيام الثورة يوم الـ 26 من سبتمبر يذكر أبو أصبع أن أمين أبو راس، وعبدالحفيظ بهران هما مَن استوليا على بيت السلك، وأرسلا برقية تأييد للجمهورية، وكانت أول برقية تُذاع من إذاعة صنعاء.

تعرّض عبدالحفيظ بهران مع أخيه الأكبر يحيى للمضايقات والاعتقال المتكرر، وعقب غياب الإمام في روما تم الإفراج عن الأخوين بهران اللذين كانا في الاعتقال، ويؤكد أبو أصبع أن عبدالحفيظ قد استلم وظيفة أخيه في إب مسؤولاً عن الواجبات.. ويضيف: “وكان استقراراه في إب فرصة طيبة ليواصل عمله الوطني، لا سيما وأنه من أبناء المنطقة التي كانت تفتقر إلى عنصر قيادي مثله”. (ص 78- 79).

عادل محمد علوان، كاتب مقدمة سيرته العطرة، يؤكد: “عمل بصمت، لم يرجو من أحد شهادة أو مقابل، ولم يمُن برصيده على أحد، ضحى بكل الأشياء حتى أصبح ضحية للعوز، وشظف العيش، وجبروت المرض، حتى انتقل إلى جوار ربه بصمت ورفعة”‘ فهو – كما يقول بحق – المناضل الثائر، والمفكر ذو النبوءة، والشاعر الرقيق، والأديب اللامع، والسياسي المحنك، والدبلوماسي المتميز، والإداري المتمدن، والتعاوني الرائد، والوطني الغيور: كتاب جامع وعظيم لم نقرأ أولى صفحاته بعد.

سيرته العطرة والزاكية تشهد على فطنة ونبوغ مبكر، فهو ابن التعليم الماضي راح يتطلع للعصر ولثقافة العصر وتياراته الحديثة، تعلّم وأتقن اللغة الإنجليزية، ومبادئ الفرنسية، والتحق باكرًا بتيارات الحركة القومية (القوميين العرب) في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي، وعمل لصحيفة “الطليعة” التي أصدرها المفكر العربي الكبير عبدالله عبدالرزاق باذيب في تعز 1959، وهي أول صحيفة أهلية يسارية تصدر من تعز، وكان حفيظ وأخوه يحيى في طليعة الداعمين للأستاذ باذيب، ولعب يحيى بهران دورًا في تهريب باذيب إلى عدن بعد مضايقات الإمامة في تعز.

يؤكد مدونو سيرته أن عبدالحفيظ بهران، وأمين أبو راس، ومطيع دماج، وأحمد قاسم دماج، وأحمد منصور أبو أصبع، وعبدالعزيز الحبيشي هم “الكتيبة” الثورية التي تحركت في مدينة إب، وألقت القبض على أنصار الإمامة، مساندةً للثورة وإعلان الجمهورية.

حقيقة الأمر أن مدينة إب الثائرة التي شهدت ميلاد حركة الإصلاح في ثلاثينيات القرن الماضي، وضمت كبار الأسر من القضاة، والمشايخ النقايل، وعلماء الدين المتفتحين والمستنيرين، ظلت مع أختيها (تعز وعدن) مراكز الإشعاع والاستنارة، ودعوات التحرر والثورة في الجزيرة كلها.

تقلد الفقيد مناصب عديدة قبل الثورة السبتمبرية، أما بعد الثورة فقد أصبح واحدًا من أهم القيادات الثورية في المنطقة، واستطاع إلى جانب شباب المدينة وريفها حماية المدينة ومناطقها من مكائد الرجعية والاستعمار، وتصدى مع شباب المنطقة لإحباط عشرات المؤامرات لإسقاط إب بيد أنصار الملكية، وفي فترة لاحقة أصبح عضوًا في اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الثوري، فهو أيضًا عضو في قيادة إب، ومدير لمكتب الداخلية إلى جانب محمد أحمد صبرة، وإسماعيل باسلامة، والمناضل الكبير مطيع دماج، والشهيد القائد أحمد الكبسي.

منحته حكومة الثورة إلى جانب رفيقه الشيخ عبدالعزيز الحبيشي رُتبًا عسكرية تقديرًا لمواقفهما المساندة للثورة، كما عُيِّن ورفيقه الأستاذ محمد علي الربادي وكيلين للإعلام والتربية في العام 1963، وانتُخب عضوًا في مجلس الشورى، ولعب دورًا في تأسيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وعُيّن وكيلاً لرئاسة الجهاز.

المتعدد والكثير عبدالحفيظ بهران كان من واضعي اللبنات الأولى للحركة التعاونية في إب، وانتُخب أمينًا عامًّا للحركة التعاونية في المؤتمر العام في تعز 1975، وعمل في السلك الدبلوماسي سفيرًا في وزارة الخارجية، ووزيرًا مفوضًا في سفارة اليمن بفرنسا، وقائمًا بأعمال اليمن في تشيكوسلوفاكيا، وسفيرًا في الصومال وموريتانيا، ومواقع دبلوماسية عديدة.

أجدني عاجزًا عن التعبير عن فداحة الغبن الذي لحق بهذا العلم البارز والمناضل الكبير، فقد تعرض لمتاعب صحية كاثرة، وانزوى في منزله المتواضع بإب، ولم تقدَّم له أيّ معونة أو مساعدة من الدولة التي أسهم بدور كبير في تأسيسها.

عُرِضَ مسكنه المتواضع للرهن، ومات – يرحمه الله – فقيًرا إلا من رصيده الكفاحي، وقيمه العظيمة، ونبل مواقفه، ودفاعه عن وطنه، وعن الثورة والجمهورية.

تبنى الأستاذ الكبير عبدالحفيظ المواقف الثورية والمبدئية الصادقة والمخلصة دون ادّعاء أو مزايدة أو انتهازية، وكان له مواقف عديدة ومشهودة إلى جانب أخيه الكبير يحيى بهران، فهما من أسرة كريمة، ومن بيئة علمية ومدنية خدمت العلم والمعرفة، ودافعت عن قيم الحرية والعدالة الاجتماعية والتقدم.

بعد وفاته كتبتُ موضوعًا عنه غير مكتمل، وضاع في الأوراق والموضوعات، وللأسف لم أطّلع إلا لاحقًا على كتاب الأربعينية الذي زودتني به الأستاذة فتحية بهران، مشكورة.

بعد طردي من صحيفة الثورة لم أجد الملاذ والملجأ للعمل غير الاتحاد العام للتعاون، وكان الأستاذ الجليل عبدالحفيظ بهران، وحمود العودي، وعلي الحرازي، وعبدالوهاب المؤيد هم الملاذ الآمن بعد قطع الراتب.

عندما قرأت “حصار صنعاء” للقائد السبتمبري الكبير عبداللطيف ضيف الله، وأجريت مقارنة بين رصد الزعيم ضيف الله – أحد القادة العظام لثورة سبتمبر 1962 وتدوين الأستاذ عبدالحفيظ بهران عن دور إب، ودوره ورفيقه عبدالعزيز الحبيشي في فك الحصار عن صنعاء بالتحرك من الحديدة، أدركت مدى التطابق وصدق التوثيق.

 أبطال صمود السبعين يومًا، وقادة الجيش الوطني عبدالرقيب عبدالوهاب، ومحمد مهيوب الوحش، وعلي مثنى جبران، وعبدالرقيب الحربي، ومحمد صالح فرحان، وعشرات من الضباط الصغار، وقادة المقاومة الشعبية والأمن، تعرضوا للاضطهاد والتقتيل والإقصاء، وجُوزوا جزاء سنمار، وكان نصيب بطل فك الحصار عبداللطيف ضيف الله تخييره بين العمل في الخارج أو الانزواء، أما عبدالحفيظ بهران فكان نقله للسلك الدبلوماسي هو الإجراء المناسب للإبعاد. تلكم هي مقدمة أحداث أغسطس 1968 كتأكيد كتاب الرمز الوطني الكبير عبداللطيف ضيف الله، أما ذكريات الأستاذ عبدالحفيظ بهران، فبحاجة إلى قراءة أخرى.

نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق

   
 
إعلان

تعليقات