Accessibility links

عادات وطقوس صنعاء لاستقبال رمضان.. ماذا تبقى منها؟


إعلان

إلى أيّ مدى أثرت الحرب في طقوس استقبال شهر رمضان بصنعاء؟

صنعاء – “اليمني الأميركي” – محمد العلفي

لليمنيين مثل غيرهم من الشعوب عادات وتقاليد وطقوس في استقبال شهر رمضان المبارك، وهي تقاليد وطقوس على الرغم من تأثرها بالحرب، إلا أنها ما تزال لها حضورها، فيما اندثر واختفى بعضها.

ومن الطقوس التي ما تزال حاضرة نسبيًّا طقوس “يا نفس ما تشتهي” التي اشتهر بها أهالي مدينة صنعاء القديمة وضواحيها في استقبال شهر الصيام وتوديع أيام الفطر في الأيام الأخيرة لشهر شعبان.

 

يا نفس ما تشتهي

جرت العادة بين أهالي مدينة صنعاء القديمة على تسمية اليوم الأخير من شهر شعبان بهذا المسمى، حيث تجتمعُ العائلة في البيت الكبير لتناول طعام الغداء والمكوث في جلسة عائلية تسودها المحبة والألفة حتى الليل، فيعود كلٌّ إلى منزله استعدادًا لتناول طعام السحور قبيل الفجر، والبدء بأيام الصيام.

يقولُ الحاج أحمد، وهو من أهالي صنعاء القديمة «هي عادة قديمة ورثناها من آبائنا ونقلناها لأبنائنا، حيث كانت الأسرة تجتمعُ في الأيام الأخيرة من شهر شعبان في البيت الكبير للغداء”.

«بعد الغداء يجلسُ الرجال جلسة محبة وإخاء ومصافاة للقلوب، جلسة يسودها روح الفكاهة والنكتة، ونتبادلُ الأحاديث، والصلاة على رسول الله، ونردد الأناشيد والأهازيج التي كنا نرددها قديمًا ترحيبًا بقدوم شهر رمضان مثل (أهلاً أهلاً يا رمضان، يا شهر التوبة والغفران)، و(يا رمضان يا أبو الحماحم، ادي لنا قرعة دراهم) حتى الليل؛ فينصرف كلّ واحد مع أسرته إلى بيته لنبدأ الصيام بقلوبٍ صافية متراحمة»، يضيف.

تقول دعاء الواسعي – رئيس مؤسسة عرش بلقيس للثقافة والتنمية لـ”اليمني الأميركي”: «كان ربُّ البيت يقومُ بدعوة أهله وإخوته في هذا اليوم لتناول طعام الغداء، ولكن في الوقت الحالي تطورت وأصبحوا يعملوا جلسة بعد الغداء، وكلّ ربة بيت تحضر صحن من الحلويات، وأصبح البعض يخرجوا إلى أيّ مكان ويأكلوا في المطاعم لمن تيسّر له ذلك».

 

من أشهر طقوس استقبال شهر رمضان المبارك في صنعاء عادة “يا نفس ما تشتهي”، والتي ما تزال موجودة على الرغم من تأثرها بالحرب.

 

الحرب أفقدت العادة بريقها   

إنّ مما لا شك فيه أنّ الحرب أثرت بشكلٍ كبير في هذه العادة ما تسبب بتراجع طقوسها.. تقولُ الحاجّة نورية، وهي في العقد السادس من العمر، «”يا نفس ما تشتهي”، لم نعد قادرين على هذه العادة؛ لأنّ وضعنا لا يحتملُ مصاريف الأوضاع العادية ما بالك بالمناسبات».. «كان أبي – رحمة الله عليه – يعزمني مع إخواني وأخواتي، وأولادنا، في آخر شعبان للغداء، ونجلس نضحك إلى آخر الليل.. ما أحلاها من أيام!».

«أما اليوم لا عاد معاشات، وقد الغلاء جعلنا ننشغلُ بالقوت الضروري؛ لم يعد هناك فرق بين شعبان ورمضان لدى كثير من الناس في اليمن»، تضيف.

وتؤكد الواسعي أنّ الحرب وانعكاساتها أثرت سلبًا في هذه العادة «أصبح رب البيت غير قادر على دعوة بناته وأخواته المزوجات لتناول طعام الغداء نتيجة غلاء الأسعار، وأصبح الأمر يقتصر على التهنئة عبر الاتصالات الهاتفية».

 

عادات وطقوس اندثرت

لليمنيين طقوس وتقاليد وعادات متنوعة في استقبال رمضان، بل لكل منطقة طقوسها الخاصة، والتي للأسف كثير منها اندثر بفعل الظروف الاقتصادية التي تغيرت وتعسرت، وبخاصة في السنوات الأخيرة.

وينوه الباحث محمد عبدالعزيز يُسر، صاحب كتاب “الموروث الحضاري لصنعاء القديمة”، بتنوع العادات والطقوس التي يستقبلُ بها أهالي مدينة صنعاء القديمة شهر رمضان المبارك، لافتًا إلى اندثار العديد منها بفعل متغيرات المجتمع والعصر.

وأشار، في حديث لـ “اليمني الأميركي”، إلى اندثار عادة بناء المحاريس في ساحات الحارات بداية سبعينيات القرن الماضي، حيث كان يقومُ فتيان كل حارة أو حي من أحياء صنعاء القديمة بجمع الحجارة والطين وخلط الأخير بالماء لبناء المحراس، ويقوموا بتغطية سطحه بجذوع الأشجار وأوراقها.. و(المحراس عبارة عن غرفة صغيرة بمساحة متر ونصف في مترين)، والتي تصبح مقر تجمّعهم في ليالي رمضان.

«يتجمع الفتيان فيها من بعد صلاة العشاء، وحتى الساعة الواحدة عند التسبيحة الأولى يتبادلون الحكاوى التي يكونوا سمعوها من كبار السن ويرددوا الأناشيد والأهازيج»، يوضح.

ويذكر يُسر أنّ الفتيان كانوا يتجمعون ويذهبون يمسون (يلقون تحية المساء على أهل المنازل) في الحارات المجاورة؛ فيستقبلهم فتيان الحارة الأخرى، إلا أنّ الأمر لم يكن يسلم من الاشتباكات في بعض الحالات في ما بينهم، حسب يُسر.

 

المكحلة

 ومن العادات الرمضانية في صنعاء قديمًا عادة المكحلة، وهي عبارة عن وعاء أو قنينة يتم تعليقها في المسجد، ويوضع فيها الكحل، الذي يحرص الصبية والكبار على التكحّل منها، إلا أنّ هذه العادة اندثرت في الوقت الراهن.

يقول يسر «رغم أنّ عادة المكحلة، والتي كانت مرتبطة بشهر رمضان فيها من المخاطر الكثير، إلا أنّ الله كان يلطف بالناس نظرًا لاستخدام الأميال في التكحيل من قِبَل الجميع، وهو ما يؤدي إلى انتقال أمراض العين كالرمد وغيرها».

 

طقوس مختلفة تشتهرُ بها صنعاء القديمة بما فيها بناء المحاريس وسط الحارات وانتشار المكحلة في المساجد وغيرها من العادات.

 

الفوانيس

وكانت تشتهرُ بعض المناطق اليمنية، بما فيها صنعاء، بانتشار استخدام الفوانيس خلال رمضان… حيث كانوا يعملون مع قدوم شهر رمضان على توفير الفوانيس التي تضيء باستخدام مادة الجاز أو الزيت لاستخدامها في التنقل الليلي إلى المساجد والمنازل، ومن ثم جاءت فيما بعد ما عرفت بـ “الأتاريك”، وهي “مصابيح كهربائية ببطاريات”، وتكون محمولة باليد، بحسب يُسر، والتي كانت ضرورية جدًّا، خاصة في الليالي المظلمة، «لكن اليوم اندثرت عادة الفوانيس بسبب توفر الطاقة البديلة وإنارة المصابيح الكهربائية».

 

مدفع رمضان

ويضيفُ الباحث يُسر: «من الأشياء الجميلة التي ما زالت موجودة في صنعاء، تحديدًا مدفع رمضان، فعند أذان المغرب يضربُ المدفع من جبل نقم – شرق صنعاء، فيسمعُ أهالي المدينة صوته، ويبدأون بالإفطار، وكذلك عند (أذان الفجر) عند الإمساك، بالإضافة إلى استقبال عيد الفطر ببعض الطلقات النارية من تلك المدافع العثمانية، والتي ما زالت موجودة، وتستخدمُ مع استخدام مكبرات صوت الأذان».

كما يشير إلى تأثر عادات وطقوس رمضان لدى اليمنيين بما أسماه الاتصال الخارجي بشكلٍ كبير، حيث كانت اليمن في الماضي شبه معزولة، بينما الآن صار اتصالها بالعالم كبيرًا وواسعًا بفضل السفر ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والموبايل، والتي أثرت جميعها في بعض العادات والطقوس التي كانت تشهدها ليالي شهر رمضان في اليمن.

لقد اختفت كثير من طقوس استقبال شهر رمضان في صنعاء بفعل عوامل كثيرة من بينها الحرب التي كان لها تأثيرها في ما تبقى من طقوس يمنية في استقبال الشهر الفضيل.

وينوه يُسر بخصوصية مدينة صنعاء القديمة «في علاقتها بكلّ أبناء اليمن، وفي تعايشها مع ما تبقى من طقوسها، ولهذا تجدُ في رمضان أنّ أسواقها لا تنام، وتسمع مساجدها عامرة بالقرآن، وبخاصة في ليالي الشهر الفضيل، شهر رمضان المبارك».

   
 
إعلان

تعليقات