Accessibility links

طبّاخات الطاقة الشمسية.. هل تساهم في حل أزمة الغاز المنزلي في اليمن؟


إعلان

“اليمني الأميركي” – بلقيس محمد علوان:
أصبح توفير الغاز المنزلي من تحديات ومنغصات الحياة اليومية في اليمن، والحصول على أسطوانة غاز عملية معقدة وطويلة قد تصل لأكثر من شهر من الإجراءات متعددة الأطراف، ومَن لم يستطع فالسوق السوداء هي الخيار المتاح، ولكن بأسعار باهظة.

باتت طوابير الغاز لرجال ونساء وأطفال يفترشون الأرض تحت الشمس أو في البرد لساعات وأيام مشاهد مألوفة في اليمن. وكم شهدت هذه الطوابير تعاركًا ومواجهات سقطت على إثرها أنفس وضحايا.
والطوابير ليست أول المعاناة التي تبدأ منذ لحظة متابعة عاقل (شيخ) الحارة، والتسجيل، وتسلم كرْت الأسطوانة، وهي إجراءات تتطلب أيامًا من التذلل والذهاب والإياب إلى بيت العاقل.

مع الأزمة الراهنة التي تزداد حدة عاد عدد كبير من السكان لاستخدام مواقد الحطب على اختلاف أشكالها لتحضير الطعام والخبز، وتحولت عمليات الاحتطاب وصناعة الفحم إلى عملية تجارية واسعة في البلاد، ونتج عنها إزالة مساحات كبيرة من الغطاء النباتي.. وهكذا يظل توفير الغاز المنزلي أو استبداله بالحطب مشكلة كبيرة تؤرق المواطنين، ويصبح البحث عن البدائل خيارًا ضروريًّا.


بديل بمكونات متوفرة

تقوم فكرة طبّاخ الطاقة الشمسية على تركيز ضوء الشمس في منطقة طهي صغيرة باستخدام عاكس، وتحويل الطاقة الضوئية لطاقة حرارية، ويتم تكثيف هذا التحويل باستخدام المواد التي تنقل الحرارة وتحتفظ بها، ويجب أن تكون الأواني والمقالي المستخدمة في المواقد الشمسية ذات لون أسود غير لامع لزيادة الامتصاص، ويتم عزل الهواء باستخدام غطاء زجاجي مما يساعد على امتصاص الضوء والاحتفاظ بالحرارة، ويمكن القول إن طبّاخ أو فرن الطاقة الشمسية تقنية جديدة قديمة يمكن أن تشكل حلاًّ جزئيًّا يساهم في التخفيف من حدة أزمة الغاز المنزلي، وقد كان ذلك منطلق مشروع تدريبي طموح نفذته شركة لايت فور ميديا في مصر من خلال تدريب 21 شابًّا وشابة من الناشطين من مختلف محافظات اليمن تلقوا تدريبًا على تنفيذ أنموذج لطباخ الطاقة الشمسية، ليتولى كل واحد التدريب وتنفيذ الأنموذج في منطقته، كما سيتم إنتاج فيديو تعليمي بالخطوات التفصيلية المبسطة لتقنية إعداد وتنفيذ الطباخ أو الفرن تمكّن أيّ شخص من تنفيذ ومحاكاة الأنموذج من الأدوات المتوفرة والبدائل المتاحة في البيئة من حوله.

 

طبّاخ أو فرن الطاقة الشمسية تقنية جديدة قديمة يمكن أن تشكل حلاًّ جزئيًّا يساهم في التخفيف من حدة أزمة الغاز المنزلي.

ريان عباس: أعتبرُ الطباخ الشمسي أحد الحلول التي من الممكن أن تكون بديلاً مؤقتًا عن الغاز.


الفكرة

يعود أشرف السامعي، رئيس شركة لايت فور ميديا، التي تعمل في الإنتاج الإعلامي، بذاكرته إلى عشر سنوات مضت، عندما التقى صديقًا كنديًّا يعمل في تصنيع طباخ الطاقة الشمسية للقرى والأرياف في مناطق أفريقيا، وتذكر حينها مناظر طوابير الغاز في اليمن ومعاناة الناس، وخصوصًا النساء والأطفال. 

يقول السامعي: عادت لذهني فكرة طباخ الطاقة الشمسية، وبدأتُ البحث عن تصاميم متوفرة على الانترنت، ثم تواصلت مع صديق يعمل في التصميم والخشب، وعرضت عليه أحد التصاميم، وبدوره تحمّس وشرحت له أنني أريد أن أصنعه لليمن، وفكرنا مع بعض في البدائل المتوفرة في اليمن، وكانت الفكرة أن نعمل على التصميم الأقل كلفة مع التفكير بالبدائل، والحلول التي تساعد على الإنتاج من أقل المواد كلفة، والمتوفرة في البيت.

«من هنا بدأت الفكرة، بعدها بحثنا كيف نوصل للناس في اليمن؛ ففكرت بتدريب فريق مدربين، وشاركت أصدقائي في الفكرة، وبدأت في البحث عن مشاركين وداعمين، لتوفير تكلفة سفر وإقامة الفريق في مصر للتدريب، ووجدت تجاوبًا ومشاركة حتى من أفراد أسرتي، وقد كان التدريب خطوة أولى».

 

أثناء تطبيق النموذج بعد العودة


التجريب والتنفيذ

لم يكن السفر سهلاً ولا ميسرًا لأعضاء الفريق، وخصوصًا الذين اضطروا لقطع مسافات طويلة برًّا للوصول إلى مطار عدن/ جنوب، لكن خصوصية التجربة أنستهم التعب.

 وصل الفريق إلى مصر، وتلقوا التدريب لمدة أربعة أيام: الفكرة، النماذج وتطبيق الأنموذج، ثم التجريب والتنفيذ، الذي تكلل بالنجاح… وأعد الفريق مائدة مما لذ وطاب من أطباق طُبخت باستخدام الطباخ الشمسي، وبعد التدريب عاد الفريق إلى اليمن، وفي رأس كل منهم خطة وطموح.

نشر خليل جبارة في حسابه على “فيسبوك” تفاصيل تجربته وتطبيقه للأنموذج، ونجاحه في الطهي باستخدام طباخ الطاقة الشمسية… وبعدها نشر تفاصيل التدريب الذي أقامه في منطقته لمجموعة من المتدربين، الذين نفذوا بدورهم نماذج وصنعوا الكاب كيك وطبخوا السمك وخاضوا تجربة فريدة.. ويرى خليل أن الصعوبات تكمن في توفير الدعم لتوفير متطلبات تنفيذ النماذج لمزيد من التدريب ونشر التجربة. 

ويطرح ريان عباس، أحد المدربين، وجهة نظر فيها كثير من المبادرة: في الأزمة الخانقة التي تعاني منها مدينة تعز/ جنوب غرب، وانعدام مادة الغاز المنزلي أعتبر الطباخ الشمسي أحد الحلول التي من الممكن أن تكون بديلاً مؤقتًا عن الغاز، وعندي استعداد لأدرب أي شخص يحب أن يصنع طباخًا شمسيًّا، ويفيد نفسه وغيره، وعندي استعداد أصنع طباخًا لأي شخص على أن يوفر لي المواد، أما الذي يحب يوفر المواد لنصنع طباخات ونوزعها على الفقراء والمحتاجين والنازحين في المخيمات سيكون أفضل، وأجره عند الله كبير.

 

اثناء التدريب على الطبخ على الطباخ الشمسي


تكلفة المواد كعائق

«إنها تجربة مهمة جدًّا» تصف نجوى نديم، من فريق محافظة صنعاء/ شمال، تجربتها، وتقول، «إن فكرة المشروع شدتني وشوقتني لإثبات نجاح التجربة لي أنا شخصيًّا قبل غيري، فلو فاتتني لكنت أضعت الكثير».

لكن تبقى تكلفة شراء المواد عائقًا؛ لذلك تعتقد نجوى بأهمية البحث عن داعم وممول للمشروع لتحقيق أكبر فائدة، والوصول لأكبر عدد ممكن من المستهدفين المحتاجين لهذه الوسيلة المساعدة كحل جزئي لمشكلة الغاز. وتخطط نجوى لاستهداف طلاب المدارس ومساعدتهم في عمل الطباخة والاستفادة منها.  

ويشاطرها الرأي المدرب مبروك الفقيه، الذي يطمح لتدريب كل مَن حوله بحيث تصل الفائدة لأكبر عدد ممكن من المستهدفين، وبالفعل بعد عودته لمنطقة الحوبان في تعز، كوّن فريقًا، ودربهم بدقة، وتمكنوا من تطبيق وتنفيذ أنموذج للطباخ الشمسي، وينوي الاستمرار في التدريب لتعم الفائدة، ويساهم في التخفيف من معاناة الناس في الحصول على الغاز المنزلي.

فور عودتها بدأت رقية بلفقيه مع فريق محافظة حضرموت/ شرق، العمل من خلال شراء الأدوات وأفضل بدائل لما ليس متوفرًا من المتطلبات والبدء بصنع الأنموذج، وأضاف فريقها استخدام نوعين من العوازل، مما عزز أداء الفرن، وقلّص فترة الطبخ.

رقية متفائلة جدًّا بالفكرة، وتطمح لتعميمها وتوفير حل للأسر المتضررة، وتعتبرها خدمة إنسانية كبيرة، والأساس تعليم الآخرين كيفية صناعة الطبّاخ، وتوصيله لأكبر عدد ممكن.

منظر الأمهات والفتيات تحت الشمس في طوابير الغاز معاناة تهز أيّ إنسان بقوة، على حد تعبير الفنان فؤاد الشرجبي، مدير البيت اليمني للموسيقى والفنون، والذي تولى التنسيق واختيار الشباب المتدربين من مختلف محافظات صنعاء وحضرموت وتعز وعدن وغيرها. ويرى أنْ لا غرابة في أن تُقدِم مؤسستان فنيتان، هما مؤسسة لايت فور ميديا والبيت اليمني للموسيقى والفنون، على المشاركة في عمل الخير، ودعم المحتاجين وتخفيف معاناتهم، معتبرًا ذلك جزءًا أصيلاً في رسالتهما الإنسانية.

بدأ المدربون التطبيق والتنفيذ، وقاموا بصناعة نماذج من مواقد الطاقة الشمسية، ونجح الجميع في صناعة موقد شمسي بأقل التكاليف وأبسط الأدوات، وقاموا بطهي طبخات مختلفة، وكانت النتائج مذهلة، وهذا أعطى الجميع الثقة للبدء بالتدريب دون أيّ أخطاء أو تعثرات.

الجدير بالذكر أن أفران وطباخات الطاقة الشمسية مألوفة وواعدة في الهند وأفريقيا، وعديد من الدول التي تعاني من تبعات الصراع والأزمات، ويمكن أن تشكل حلاًّ واعدًا في اليمن… بالتأكيد لن يكون حلاًّ جذريًّا، ولكنه سيخفف بنسبة كبيرة من المعاناة المادية والإنسانية للمواطنين، وخصوصًا أن تنفيذ الأنموذج من السهولة والكلفة المنخفضة والاستدامة التي تمكّن الجميع من تنفيذه والاستفادة منه، خصوصًا أن كل محافظات اليمن تنعم بالشمس طوال العام، فهل يكون تعميم طباخ أو فرن الطاقة الشمسية الظاهرة الجديدة في اليمن بعد الاعتماد الكبير على الطاقة الشمسية في الإضاءة والزراعة؟، هذا ما سيجيب عنه المستقبل القريب.

   
 
إعلان

تعليقات