Accessibility links

إعلان

فكري قاسم
لعبت وتمرنت في ميدان الشهداء مع أشبال أهلي تعز أربع سنين سارين من عمري، ولا شميت الهدف ولا طعمته.

 

 

كل العيال الذي لعبت وتمرنت أنا وهم سوا في الفريق، وكل اللي جوا ولعبوا من بعدي هزوا شباك المرمى مرة بعد مرة، وألهبوا حماسة الجمهور، وجروا في الميدان بين اللاعبين وهم فرحين يصيحوا هيييييييه.. إلا إنا محروم من هيييه، ومن هز الشباك ومن إسعاد جماهير الكورة في المدرجات ولا قدرت أهدف، لا في المباريات ولا في التمارين ولا واحنا نشوت بلنتيات، ولا سجلت حتى هدف تسلل، ولا سبرت لي كرة داخل الجول، وكل شوتاتي أوت، أو سهلة في يد حارس المرمى، وما يوم روحت من الميدان وأنا محاط بإعجاب الجمهور، ولا مشيت مرة بين اللاعبين طيلة أربع سنوات من اللعب والتمارين، وبي نشوة وزهو اللاعب الهداف.
ومليت من السنبة جنب الجول دون جدوى وضجرت من الركض وراء اللاعبين في الميدان، وصوتي يصيح لهم:
– باصي يا فلان، باصي  يا زعطان
ومحد يباصيني!
وكيف يباصوني أصلاً؟ وأنا أكبر مضيع طريقه إلى الهدف.
وسئمت من البرطعة في المباريات وفي التمارين وراء كورة مش راضية تدخل الجول من أساسه.
وجالي إحباط بمرور الوقت وبطلت الكورة وانصرفت عنها، ولكن رأسي ما بطل يلعب الكورة في مباريات حلم الهدف الخائب المتكرر في رقادي دائمًا بعد كل إخفاق في عدم مقدرتي على وضع الكورة داخل الجول، وظليت لسنين من شبابي أشوفني بكل مباراة واقف في ميدان الشهداء أمام جول مفتوح والفرصة سانحة للتهديف بكل سهولة وأصوات الجمهور تصيح ملان المدرجات:
– شوووووت.
ويفترض بي أن أشوت الكورة إلى الجول وأسجل الهدف وأفرح وأصيح هيييييه.. ولكني لا أستطيع!
وفي كل مرة أحاول أجري وراء الكورة داخل خط الستة مقدرش احترك من بقعتي وأحس أرجلي ثقال وحركتهن لزجة في الأرض وكأنهن سابطات بلبانة مقيداني ومقدرش ألحق الكورة، ولا أقدر ألمسها حتى، وتسير مني دائمًا فرصة الهدف وانا حانب أمام الجول وانكز في العادة من نومي متوتر وبيني شد عضلي، وصوتي يصيح ملان الغرفة:
– مقدرش أشوووووت،
ولم اتمكن من دفن ذلك الحلم المحبط والخلاص النهائي من حنبة الوقوف أمام الجول وبي شد عضلي إلا بعد أن وجدتني ألعب الكورة بطريقتي الخاصة والساخرة في ميدان الصحافة، وعندما أصبح لي اسم وصِيت وجمهور وعلاقات كثيرة في ميدان المدينة أستعين بها وبضمارها الأخلاقي في مباريات المخارجة من حنبة ضمار الهدف.
وكان عمري سبعة وثلاثين سنة في هاذيك الأيام من مايو 2012 لما رحت ميدان الشهداء في العصر مدعوًا لحضور فعالية رياضية تكريمية يقيمها نادي راعي الشباب والرياضة لتكريم فِرق النادي الحائزة على بطولات وكوؤس محلية في الموسم  الفائت.
كان الجمهور يومها ملان مدرجات  الميدان وانا داخل من البوابة الرئيسية وإلى جواري خمسة أصحاب من الإدارة الأهلاوية المؤقتة يكلموني عن ظروف النادي الاهلي وهم  مضغوطين بموعد إجراء الانتخابات المرتقبة بعد أسبوع واحد من الآن.
وطلبوا مني مساعدتهم في البحث الطارئ عن أي شخص ثري من ضمار المدينة يتقدم مرشحًا لرئاسة الأهلي المتعثر والفقير والغائب عن الأضواء وعن منصات التكريم منذ أكثر من 10 سنين؛ متعشمين في طلب العون  بأهلاويتي، وبصِيت علاقتي الذائع في الميدان مع محافظ المحافظة راعي الشباب والرياضة.
وانت لو كنت صحفي مؤمن بأن الأندية الرياضية أفضل الأماكن المأمونة لتصريف طاقات الشبان ومؤمن في ذات الوقت بضمار المدينةالأخلاقي وشعارك العملي في الحياة “من يخارج الآخرين يخارجه الباري” كيف ستتصرف؟
هل ستأخذ الموضوع بعين الاعتبار وتهتم له، والا شتقول وانا مالي دخل؟
بالنسبة لي طبطبت الكورة في قلبي مجددًا يوم ذاك، بينما كنت واقفًا على أرضية المستطيل الأخضر داخل الميدان رفقة أعضاء الإدارة المؤقتة، وسمعت هدير أصوات جمهور الأهلي ملان أذني، وشفت كل شيء حولي أحمر في أحمر، وحسيت الشخطين حق رقم 11 في فنيلتي الأهلاوية القديمة يفخطين ظهري، بينما كان أعضاء الإدارة الأهلاوية المؤقتة يباصوني الكورة في الميدان، وشميت العرق القديم وشعرت بالحماس، واعتبرت الأمر مباراة طارئة ومهمة يتعين عليّ أن ألعبها لصالح الأهلي في سبيل العثور على رئيس ثري من ضمار المدينة يسجل هدف مخارجة النادي من كل حنبات الفقر التي عطلت نشاطه في الميدان، ولكن كيف؟
في المدينة بيوت تجارية كثيرة وعريقة تحرك عجلات الاقتصاد الوطني في عموم البلاد، وفي الميدان محافظ رياضي شاب مأمون على طاقات الشبان يشوت ويباصي، وينحدر من أثرى بيوت المال في المدينة، وله إسهام جيد في الميدان الرياضي يعرف بسببه في الأوساط الاجتماعية باسم راعي الشباب والرياضة، وتربطني به علاقة جيدة في  الميدان باصيته الكورة في شوط المباراة الأول لتسجيل هدف الترشح لرئاسة الأهلي، وقلت له:
– شووووت يا أستاذ.. الجول فاضي.
ولكنه لم يتحمس للأمر واعتذر بمنتهى اللطف عن تسديد الكورة ووضعها في الجول المفتوح، وقال:
– أنا الآن محافظ.. يعني رئيس لكل أندية المحافظة.. شوف أي واحد ثاني غيري وانا شدعم الموضوع.
وانت لما تكون مؤمن بشخص ما في الميدان، ومؤمن بكل شيء فيه غيب فإنك بكل تأكيد ستصدقه وستتفهم كل ما يقوله لك من دون أي نقاش.
وكذلك أنا تفهمت أسباب اعتذاره، وركضت أجري بالكورة في الميدان بذات الحماس إلى آخرين من رجالات ضمار المدينة.. باصيت الأول:
– شوت يا فلان
اعتذر، وباصيت الثاني:
– شوت يا فلان
واعتذر وباصيت الثالث والرابع والخامس:
– شوت يا فلان
– شوت يا زعطان
– شوت يا فلتان
كلهم اعتذروا عن تسجيل هدف الترشح لرئاسة الأهلي، وكلهم تهرّبوا مني بطرق مختلفة كما لو أني متحصل ضرائب واقف على بيبانهم دون أن يتحمل أحدهم فيهم  مسؤوليته الأخلاقية تجاه نادٍ فقير، وشعرت وانا اتبرطع بينهم في الميدان بغصة طبقية مريرة وهم يتهربون مني أثناء كل مباصاة ولكأني متحمل في بطني جنين غير شرعي، وانتهى شوط المباراة الأول من دون إحراز الهدف المأمول.
وخرجت من الملعب خائب وحزين أشرح لأعضاء الإدارة المؤقتة في استراحة ما بين الشوطين عن مشاعر النغص الطبقي الذي ضربت روحي في الميدان واشعرتني بالسأم، وأغلب الظن أن أعضاء الإدارة الأهلاوية المؤقتة شعروا مثلي بنفس الغصة الطبقية وهم يسمعوني أتكلم معاهم وقرح معاهم في الحال عرق الزعل على الأهلي، وقالوا لي بأصوات متفرقة:
– اسمع والله ما تسجل الهدف إلا أنت
– أنت ابن النادي وأنت أكثر حرصًا عليه من البرانيين
– أنت مرشحنا لرئاسة الأهلي
– خلاص لا عد نجلس ندور رئيس ثاني ماعدفيش وقت.
أنا مش مقتنع بالفكرة من أساسها، وخائف من التزاماتها، والموضوع مش سهل ويشتي له ضمار وقلت لهم:
– إذا كانوا أصحاب الضمار تهربوا من تحمل المسؤولية، وانا ما هو ضماري منسب أوافق؟
وتعالت الاصوات أثناء النقاش
– ضمارك راعي الشباب والرياضة بكله يا ضاك
– هو صاحبك ويحبك ويحترمك وما شيفلتك وشيدعمك
– مالك تستهين بنفسك أو كيف؟
قلبتها في رأسي شمال يمين وما فيش أصلاً ما يشجع لتسجيل هدف رئاسة نادٍ رياضي، كبير أيوه، وعريق أيوه، ولكنه نادٍ فقير في حقيقة الأمر، ويتركى في الميدان لتسيير نشاطه على عقار مؤجر يتحصل منه شهريًّا 900 ألف ريال + مليونيّ ريال دعم سنوي من صندوق النشء، وما دون ذلك فكل شيء في حالة سيئة.
فريق كرة القدم، واجهة النادي، هابط في الدرجة الثانية وألعاب الظل مغمى عليها، والمقر مهجور بلا أثاث، وكؤوس البطولات التي أحرزها الأهلي في كل الألعاب الرياضية خلال تاريخه الطويل كلهن مكشوحات داخل كراتين وشوالات مرجومات في الأرض بين الغبار!
وحتى باص النادي، وسيلة النقل الوحيدة لكل لاعبي الفرق الرياضية التي تتمرن في الأهلي  قدو باص خرده وقديم، وقد بيناقلوا به البر والغاز والدقيق والطحين والاسمنت، وكل شوية أشوفه مرجوم في شارع يشتي تصلوح.
وما فيش مع الأهلي حتى تلك اللحظة من مباراة البحث عن رئيس ثري من ضمار المدينة غير تاريخ عريق مطمور، ومخزن كبير للطاقات، وختم في جيب أمين عام الإدارة المؤقتة الذين كانوا ما يزالون مصرين  على موقفهم في الدفع بي لتسجيل هدف الرئاسة من دون أي نقاش، وقلت لهم وانا موافق على مضض:
– تمام لكن خلوني أزيد أطرح الفكرة على راعي الشباب والرياضة أشوف أيش با يقول، وبعدها نقرر، أما أشوت أو ندور من يشوت.
وبالنسبة لي في حالتي تلك فإن راعي الشباب والرياضة عندي مثل السعودية بالنسبة لليمن.
ولازم آخذ الأوكيه منه قبل الموافقة النهائية، وكيف يمكن لك أساسًا أن تقع رئيسًا لنادٍ رياضي فقير  من دون مباركة ودعم رب الضمار؟! المهمة صعبة وغير يسيرة على الإطلاق، وهذا تحديدًا هو ما كنت أقوله لفريق الإدارة الأهلاوية المؤقتة، بينما كنا في استراحة ما بين الشوطين.
وبمجرد ما أن صفر الحكم في بداية انطلاق شوط المباراة الثاني ركضت في الميدان أجري مسرعًا بالكورة إلى راعي الشباب والرياضة، شرحت له باقتضاب عن مشاعر الخيبة المريرة التي ضربت قلبي في الشوط الأول، بينما كنت أباصي كرة تسجيل هدف الرئاسة الأهلاوية لعدد من رجال ضمار المدينة ويتهربون، وقلت له:
– والآن ما يزال الجول حتى هذه اللحظة مفتوح، والهدف متاح لي بمنتهى السهولة، واشتيك تباصيني مباركتك لأشوت الكورة إلى الجول وانا مطمئن.
ولكنه لم يتحمس للفكرة مطلقًا، وقال لي ناصحًا بصريح العبارة:
– مش وقته الآن.
أعماني رده، ولخبط أفكاري، وأربك قراري، واحنبني تمامًا مع أعضاء الإدارة الأهلاوية المؤقتة اللي كانوا قد طرحوا اسمي في قوائم كثيرة كمرشح لرئاسة الأهلي بالانتخابات المقرر انعقادها بكرة، وقد كلهم يباصوني كرة الهدف بلا تراجع والجول مفتوح قدام عيوني، والهدف متاح أمامي، وأصوات جماهير الأهلي ملان المدرجات تصيح:
– شوووووت
وانت لو كنت أهلاوي صميم وناديك المتعثر بحاجة إليك كيف ستتصرف؟ هل ستلتزم بنصيحة راعي الشباب، ربّ الضمار، وتغادر الميدان من دون أن تشوت وتسجل الهدف وتسمح لمشاعر الخيبات القديمة في عدم مقدرتك على وضع الكورة داخل الجول بالعودة إلى أوقاتك مرة أخرى؟، أم أنك ستستجيب لأصوات الجماهير وتشووووت وكيف ما وقعه وقعه؟
بالنسبة لي واصلت اللعب في الميدان، وركضت بالكورة إلى الجول المفتوح قدامي وشت الكورة من خارج خط الثمنتاعش، وسجلت الهدف وحسمت مباراة رئاسة الأهلي لصالحي، وكان يفترض بي أن أفرح واصيح هييييييييه، ولكن كيف افرح واقول هييييه من قلبي؟ وكل رؤساء الأندية باركوا لي الفوز برئاسة الأهلي عدا راعي الشباب والرياضة، رئيس أكبر الأندية الرياضية في المحافظة، سار يومي كله ولا عبرني باتصال ولا رسالة مباركة، وحسسني أني سجلت هدف تسلل لم يحظَ بمباركته، وخلاني طول الليل سهران في هوجاس أضرب أخماس أسداس، واسأل نفسي وانا مهموم:
– كيف يمكنني النجاح في نادٍ رياضي كبير فقير بلا ضمار مأمون في اليد من دون مباركة رب الضمار والداعم الأكبر للشباب والرياضة.
وواسيت حالي في تلك الليلة المريبة بتصوراتي الحسنة عن الضمار الأخلاقي لراعي الشباب والرياضة، وبما أحمله في قلبي وفي عقلي من إيمان كبير به، وقلت لنفسي إنني ساجد الفرصة المناسبة في يوم قريب لإقناعه عمليًّا، في الميدان، بأن الهدف الذي سجلته من دون مباركته، مشهو تسلل.
وكان يتعين عليّ يومها أن أفكر جديًّا بأيّ إنجاز عملي وسريع في الميدان لمعالجة الموقف المهزوز من الهدف، ولكن كيف؟

*كاتب يمني ساخر.

   
 
إعلان

تعليقات