Accessibility links

صولات أجنحة الكلام وفضاء الأسئلة لـ أحمد الأغبري.. ندوة خاطبت العقل ولامست شغاف القلب..


إعلان

عبدالله الصعفاني*

هو حظنا ونصيبنا من الخيبة.. لا نعرف كم هو اليمني كبير ومبدع إلا عبر إعلام الغير أو شهادة الأبعد، بحسابات الجغرافيا… وسبحان الله..!

لم أعرف البردوني عملاقًا وأنا في بدايات تحسس المعرفة إلا بعد متابعتي له في لقاء تليفزيوني أذاعته قناة الشارقة.. وطالما ذكرت للأديب الشاعر محمد القعود – عافاه الله – الحكاية، متمنيًا لو يحصل المهتمون بإرث الشاعر والفيلسوف الرائي العظيم على نسخة من ذلك اللقاء.

وأدخل في الموضوع لأقول.. وصل بي الحال المستسلم لقوة العادة أنني لا أعرف أهمية ما يكتبه مبدعون يمنيون حتى وهم على مرمى وردة منِّي إلا عبر الآخرين، ومن وراء الحدود.

وعلى سبيل المثال.. قرأت باكورة الإنتاج الإعلامي والنقدي لصديقي أحمد الأغبري (أجنحة الكلام وفضاء الأسئلة) على عجلة من أمري، وظهرت من الشح، وكأنني أغادر إحدى صفحات البخلاء للجاحظ… مع ما وجدته من أهمية تَمثّلها الكتاب كمرجع مهم للمشهد الثقافي اليمني.

* وقبل أيام، استوقفتني ندوة للمنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح في باريس، شارك فيها نخبة من فرسان الأدب والنقد العرب واليمنيين، منهم: الناقد الأكاديمي المصري الدكتور عبدالسلام الشاذلي والناقد الأكاديمي العراقي الدكتور سعد التميمي، والناقد الأكاديمي التونسي الدكتور حمد حاجي والناقدان اليمنيان الدكتور أحمد الفلاحي والدكتور حاتم الشماع، والفنان المعروف صفوت الغشم والمخرج حميد عقبي.. كان موضوع الندوة كتاب (أجنحة الكلام وفضاء الأسئلة..)، واحترت وأنا أتابع شهادات هؤلاء المنصفة للزميل أحمد الأغبري والمحبة لليمن، هل أسجِّل ما قالوه مستعيدًا شيئًا من خبرتي في التغطية الخبرية، كأحد الفنون الصحفية أم أستثير مشاعري الملقاة على مخدة النوم، أم أختزل ما قالوه حتى لو وقعت في تهمة التلاص وليس التناص.

ومما قالوه بإنصاف وأضفت عليه من عندي بعد إعادة قراءة الأجنحة وفضائها.. أننا أمام كلمات حق يُراد بها إنصافًا.. فماذا قالوا وماذا أقول وما الذي ستقولونه عن (فارس أجنحة الكلام وفضاء الأسئلة أحمد الأغبري)..؟

* أهم ما لفت نظري هو حالة انبهار ضيوف الندوة وهم يحتارون.. هل يتكلمون عن الكتاب أم عن الكاتب.. أم عن تقنية الكتابة الاحترافية… وهنا أتدخل فأمتدح أحمد الأغبري عندما يكتب عن الأدب فينفذ إلى العقل والقلب بمهارة راقص الباليه..!

* الأغبري أحمد يكتب فتراه منصفًا غير أبوي في أحكامه، وخارج عادة إخضاع بعض النقاد للنصوص لقوالب جامدة، منطلقين من قوانينهم الخاصة المعلبة… منطلقًا من قناعة بأن دوره هو فتح فضاء يساعد على النبش في ذاكرة الزمان والمكان دونما استسلام لقيود المذاهب الأدبية التي تعمل بنظام المثل اليمني الشعبي (قلايتي وإلا الديك..). 

* والمعنى أن الكاتب أحمد الأغبري هنا اختار أن يترك بصمته، وهو يقدم رؤى نقدية بلغة صحفية نافذة، من موقع الناقد والصحفي الحصيف المستوعب للمشهد الثقافي اليمني، وبلغة اسمحوا لي أن أقول بأنها تذكِّر بحقيقة أن أجمل منافسة رياضية في العالم ستبقى تزأر داخل حدود الملعب أو الصالة دون حضور أضواء الإعلام وعدساته.

*ولا غرابة في حضور كل هذا التوفيق إذا علمنا بأن أحمد يمارس مهنته بالقلق الايجابي، وحماسة طالب الثانوية العامة المجتهد كلما داخله قرار إجراء مقابلة صحفية مع مبدع خارج قواعد الحفظ والتلقين، وداخل قناعة الحرص على توالد الأسئلة من رحم أجوبة الضيف.. والزاوية الثانية أنه يراعي في مقابلاته ألّا يكون المنتج حوارات صحفية استهلاكية، وإنما حوارات متجددة الصلاحية، وقابلة لأنْ تكون شاهدًا معلومًا، وقابلاً للبناء عليه.. وبالتالي تشكل حواراته إضافات حقيقية يُعتد بها، وشهادة له وعنه تكرس حقيقة الصحفي الذي يحترم مهنته ويخلص لها. 

* ومحاوِر بهذه الخصائص إنما يفسر لنا كقراء كيف يستجيب لطلباته إجراء حوارات أدباء عُرِفوا بعدم التفاعل مع المقابلات نهائيًّا أو جزئيًّا كما هو الحال مع عبدالودود سيف أو مطهر الإرياني..؟

ويبطل العجب إذا عرفنا أن ما يغريك لأن تكون في ضيافة الصحفي أحمد الأغبري أنه يحرص، كما قال أحد ضيوف الندوة بصريح العبارة: 

إنها حوارات قابلة للحياة، وذات قدرة على الاستمرارية.. وانطلاقًا من هذه الزاوية تصبح المهمة صعبة على المحاور، لكن أحمد استطاع أن يكون بمستواها… وهذا ما يلمسه قارئ الكتاب، وهو يكتشف من خلاله خصوصية اليمن ثقافيًّا، خصوصية وثق لها الكتاب، وأصبح من خلالها مرجعًا مهمًّا.  

 وتتجلى الصورة أكثر في حرصه على تناول الإصدارات الأدبية في زمن الحرب واستنطاق الشهادات الأدبية والتاريخية في زمن صعب… زمن طالما أقنع كثيرين بجدوى انكفائهم وعزلتهم وتعطيل لغة الكلام.

* ومن الأمور التي لا يمكنك تجاوزها، وأنت تتحدث عن كاتب (أجنحة الكلام وفضاء الأسئلة) أنه يؤمن بواجب الصحفي في أن يكون نقطة وصل بين المبدع وبين النوافذ الإعلامية، وأن معرفة كل شيء عن الضيف أحد مدخلات الحوار المثمر، وأن السؤال هو نصف الطريق إلى المعرفة.

* وأما وقد اعترفت بأنني كنت أحتاج لندوة تستفزني لأكتب عن أحمد الأغبري وأحبه أكثر، لم يبقَ لي سوى التأكيد على ملاحظات ربما أغفلها المتداخلون أو أنني سهوت، وهو أن الناقد أحمد الأغبري أكّد ضمنًا بمنطوق النتيجة أن على الناقد إذا تكلم عن نص أدبي، ووقف أمام نقاط الضعف فإن عليه عدم إغفال نقاط القوة، وهو سلوك محترم لا يجعل المبدع يخاف من النقد فيفرط في الخوف ويقع في ما يمكن وصفه بـ “فوبيا الخطأ”..!

* وفي الأمر تذكير لكل ناقد بالأبعاد الموضوعية والنفسية والفلسفية لِما قاله فولتير: أحبب الصح ولكن.. أصفح عن الخطأ، أو كما قال..!

* تحدث أحمد الأغبري خلال الندوة على بقية كتبه التي تحت الطبع… وكلنا أمل أن يستكمل إنجاز مشروعه وإخراج كتبه للنور.

* كاتب يمني

   
 
إعلان

تعليقات