Accessibility links

إعلان

عدنان بيضون*
أُتابِع المناظرات الرئاسية الأميركية منذ أكثر من ثلاثة عقود، لم أشهد مناظرة فيها هذا الكمّ من الفوضى والعُنف اللفظي والكراهية الشخصية التي ظهرت خلال مناظرة الليلة الماضية بين دونالد ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن.
ترامب تعاطى مع المناظرة كحَلَبة مصارعة، واستحضر ” كفاءاته” في عالم الترفيه الذي برَع في ميدانه قبْل أنْ يُقرّر الانخراط في السياسة، ويُصبِحَ رئيسًا لأميركا خلافًا لكلّ التوقعات، لكنه أثبت مرة أخرى أنه متفلّت من كلّ الضوابط، وارتكب المخالفة تلو الأخرى، وبدا كالثور الجامح في استهداف خصمه بطريقة عشوائية وفَظّة؛ ما اضطر بايدن لدعوته إلى “إقفال فمه”، وإلى القول: لم تشهد أميركا رئيسًا أسوأ من هذا الرجل..!
كذَب ترامب الكذبة تلو الأخرى بخصوص تهرّبه الضريبي، ومعدلات البطالة، والتأمين الصحي؛ ما اضطرّ بايدن إلى نعته بالكذاب.
تمرّد ترامب على قواعد المناظرة المرة تلو الأخرى؛ ما اضطر مدير المناظرة – الإعلامي كريس والاس – إلى تأنيبه وتذكيره بأنه يُديرُ المناظرة، وعليه الالتزام والكفّ عن المقاطعة.
تهرّبَ من الإجابة عن سؤال: ما إذا كان سيدعو أنصاره إلى الهدوء وعدم إعلان فوزه إذا تأخرت نتائج الانتخابات، وبعد إلحاحٍ قال: سأدعوهم إلى “الحفاظ على التأهُّب”.
هدّد ترامب بشكلٍ صريح أنه سيلجأ إلى المحكمة العليا إذا لم تكن النتائج لصالحه، وجزَمَ بأنّ التصويت الغيابي “مزوَّر”.
البارحة شهدنا عيّنة مما ستواجهه أميركا بعد الثالث من نوفمبر.. هذا رئيس يرفض الخروج من البيت الأبيض، ويظنّ أنّ الشعب الأميركي اصطفاه، ولا يرضى عنه بديلاً.
مهزوزًا ومشوَّشًا ووقِحًا، لم يتورع ترامب عن التجريح بكرامة خصمه، والتصويب على أفراد عائلته، وعلى ابنه “بو”، الذي مات قبل أربع سنوات جراء سرطان الدماغ، سائلاً بصلافة: ماذا عن ابنك الذي كان يتعاطى الكوكايين؛ ما اضطر بايدن إلى الردّ بعنف والتوجه إلى الكاميرا لمخاطبة الأميركيين بالقول: ابني مثل كلّ واحد من أبنائكم واجه مشكلة الإدمان، لكنه عمل على نفسه، وتخلَّص منها، وأنا فخور به.
لم تظهر على ترامب أيّ “أعراض رئاسية” خلال المقابلة، وأصرّ على الظهور بمظهر البلطجي والشبّيح الذي يعتمدُ على شعبية من الرعاع والميليشيات المسلحة.
ادّعى بوقاحة أنه أنقذَ أميركا من مليون ضحية بسبب إجراءات إغلاق الحدود، عِلمًا بأنه كان يُصرُّ حتى الأمس القريب على عدم ارتداء الكِمامة، ويزعمُ أنّ الفايروس القاتل سيزولُ بشكلٍ سحري وكأن شيئًا لم يكن، فيما ربيبه حاكم فلوريدا الجمهوري يلجأ قبل ساعات من المناظرة إلى رفع القيود كُليًّا عن المطاعم والحانات الليلية في ظلّ تفاقُم جائحة الكورونا؛ وذلك لاستمالة الأصوات لصالح ترامب بعدما بدا أنّ الولاية تتحول إلى ساحة صراع غير محسومة التوقعات.
وكان أكثر ما استفزّ ترامب وأخرجه عن طوره ظهور خصمه الديمقراطي بكامل لياقته الذهنية والجسدية، وهو الذي دأبَ على وصفه بـ”جو النعسان”، واقترح ساخرًا أكثر من مرة إخضاعه إلى تقييم ذهني وفحص الذاكرة.
الانطباع الأبرز الذي يخرجُ به المُشاهِد لِمناظَرة الليلة الماضية هو: كيف حلّ بأميركا هذا البلاء؟!
لكن لا مناص من الرهان على عُمق المؤسسات التي تتشكّل منها الدولة الأميركية، والتي لن تسمح لهذا الأرعن بأنْ يُزعزِعَ أُسُسها الراسخة.
*من صفحته على فيسبوك

   
 
إعلان

تعليقات