Accessibility links

سبعة خلال سنوات الحرب: هل بات اليمن مهددًا بكوارث الأعاصير؟


إعلان

صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي:

تصاعدت حوادث تشكل المنخفضات الجوية والأعاصير المدارية التي ضربت السواحل الشرقية لليمن خلال السنوات الماضية بشكل لافت، فمع حدوث إعصار “تيج” الأخير، تكون البلد قد وقعت تحت تأثير سابع إعصار مداري في فترة لا تتجاوز ثمانية أعوام.

وتشكل إعصار تيج الاستوائي القوي وسط جنوب بحر العرب، ووصل إلى محافظة المهرة خلال الأيام 23 و24 من أكتوبر الماضي، وقبلها جزيرة سقطرى، وامتد تأثيره إلى محافظة حضرموت، ونتج عنه خسائر بشرية ومادية عديدة.

ففي محافظة المهرة (مديريتي الغيضة وحصوين الأكثر تأثرًا)، تسبب الإعصار “بوفاة ما لا يقل عن 7 أشخاص، وإصابة 40 آخرين، ونزوح أكثر من 11,900 شخص، من بينهم 6,188 طفلًا”، “فيما سجلت إصابتان في سقطرى، واضطرت 1400 عائلة من سكان الجزيرة، ضمنها 628 طفلاً، إلى ترك منازلها” بحسب تقارير مكتب الأمم المتحدة وإحصائيات السلطات المحلية.

وتشير التقارير إلى تضرر 314 منزلاً بشكل كلي وجزئي في سقطرى، فيما طال الدمار 1204 منازل في المهرة، منها 219 كليًّا، و985 بشكل جزئي، في حين لم يتلقَّ سكان هذه المنازل أي تعويضات لإعادة بنائها حتى اللحظة.

ويوضح لـ”اليمني الأميركي”، نذير كلشات، أحد سكان مديرية حصوين، بالقول: “أكثر من 220 منزلاً تهدم بشكل كلي في مديريتنا، وانتقل سكانها إلى منازل أقاربهم وجيرانهم، وهم حتى اللحظة ينتظرون تدخل الجهات المعنية لتعويضهم ومساعدتهم في العودة إلى منازلهم”.

ويشير نذير إلى أن “المساعدات التي تلقاها الأهالي لا تعدو عن كونها عبارة عن إسعافات أولية بسيطة لا تلبي حجم الاحتياجات اللازمة للتخفيف من معاناتهم”.

 وحول إمكانية تعويض المواطنين وضمان عودتهم إلى منازلهم، تواصلت “اليمني الأميركي”، مع رئيس لجنة الطوارئ في محافظة المهرة، محمد الهارب، الذي أكد بدوره: “شكلنا لجنة لبحث إمكانية ذلك، ورفعنا تقريرًا إلى الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي لطلب الدعم اللازم، وما زلنا ننتظر ونأمل ردهم وتفاعلهم”.

 

تسبب إعصار تيج بخسائر بشرية ومادية عديدة وأضرار طالت  1518 منزلاً في المهرة وسقطرى.

 

إعصار تيج

ووفقًا لتقديرات مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، فإن أكثر من 18 ألف أسرة (126 ألف فرد) تأثروا بإعصار تيج في كل من محافظات المهرة، حضرموت، وسقطرى، حيث لحقت الأضرار منازلهم وممتلكاتهم الخاصة ومصادر رزقهم من مزارع وثروة حيوانية وقوارب صيد وغيرها، فيما أحدث “تيج” دمارًا كبيرًا في البنية التحتية العامة من شبكات الطرق ومرافق الرعاية الصحية وخدمات المياه والكهرباء والاتصالات، ومختلف الأصعدة.

على الصعيد البيئي، تسبب “تيج” بأضرار كبيرة على التنوع البيولوجي في جزيرة سقطرى، حيث اقتلع عددًا من أشجار دم الأخوين النادرة في منطقة “فرمهين”، وجرف الكثير من النباتات الفريدة في البر والشعاب المرجانية في البحر، وفقًا لموقع “أصوات خضراء”.

“تيج” هو الإعصار السابع ضمن سلسلة الأعاصير والمنخفضات الجوية التي واجهتها المناطق الشرقية للبلد خلال الفترة (2015 – 2023)، وهي على الترتيب: تشابالا، وميج (2015) بفارق زمني بينهما يوم واحد في ظاهرة تكررت مرة أخرى مع إعصاري ساجار وماكونو اللذين حدثا في (2018)، وتلاهما في نفس العام إعصار لوبان، وكيار (2019).

 

أكثر من 100 شخص بين قتيل ومفقود بسبب الأعاصير التي ضربت اليمن خلال سنوات الحرب.

 

تصاعد كوارث الأعاصير

وبلغ عدد الذين فقدوا حياتهم جراء تلك الأعاصير في مختلف المحافظات الشرقية، 56 شخصًا على الترتيب: 26 شابلا وميج، 14 لبان، 8 ماكونو، 7 تيج، وتوفيت امرأة نتيجة لإعصار ساجار، فيما لم تسجَّل خسائر في الأرواح جراء إعصار كيار، بالإضافة إلى العشرات من الجرحى، فيما تم تسجيل فقدان قرابة 50 شخصًا في إعصاري لبان وماكونو دون إيراد أي معلومات عن مصيرهم بعد ذلك، وفقًا لما توصل إليه معد التحقيق، استنادًا إلى إحصائيات رسمية ورصد وسائل الإعلام.

وكانت البلد قد شهدت، في عام 2008، واحدة من أكبر الكوارث الطبيعية في ما يتعلق بمجال الأعاصير والمنخفضات الجوية، والمتمثلة في العاصفة المدارية التي رافقها سيول اجتاحت مناطق واسعة في المحافظات الشرقية، وامتد تأثيرها إلى مختلف مناطق البلد، وأودت بحياة أكثر من 180 شخصًا، وبلغت تكلفة أضرارها المادية 874.8 مليون دولار أميركي، وفقًا لتقديرات السلطات حينها.

ويتفق معظم خبراء البيئة والمناخ الذين قابلتهم “اليمني الأميركي”، وبحثت معهم أسباب تصاعد تشكل الأعاصير المدارية التي تضرب اليمن، أن للتغيرات المناخية الحاصلة في العالم دورًا في ذلك.

 

رئيس لجنة الطوارئ في محافظة المهرة محمد الهارب: ننتظر تفاعل الحكومة والمجلس الرئاسي مع تقرير تعويض المواطنين.

مدير عام قطاع الأرصاد في الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد: البلد يحتاج لنظام إنذار مبكر لمواجهة كوارث التغيرات المناخية.

 

التغيرات المناخية 

ويؤكد الباحث في التغيرات المناخية والأكاديمي بكلية البترول والموارد الطبيعية بجامعة صنعاء، حاجب الحاجبي، لـ”اليمني الأميركي”، أن: “الارتفاع الملحوظ في درجات حرارة سطح المحيطات بسبب التغيرات المناخية، سيؤدي على الأرجح إلى زيادة في تكرار وحدة الأعاصير المدارية في منطقة شمال المحيط الهندي (بحر العرب وخليج البنغال) خلال السنوات القادمة، وكذلك زيادة ما يرافقها من فيضانات وأمطار وعواصف مدارية، نظرًا لتزايد كميات بخار الماء في الغلاف الجوي نتيجة ارتفاع درجات حرارة الكوكب”.

ويلفت إلى أن: “الموقع الذي تنشأ فيه الأعاصير المدارية بين دائرتي عرض من (5 – 20) درجة من خط الاستواء شمالاً وجنوبًا، واليمن تقع ضمن دائرتي عرض (12 – 19) شمالاً، لذا فإنه من المتوقع أن تزيد نسبة حدوث الأعاصير التي تضرب اليمن أو تؤثر فيها خلال السنوات القادمة طالما لم يتم وضع حلول ومعالجات تحد من الاحتباس الحراري”.

وتنشأ الأعاصير نتيجة توفر عاملين أساسيين من الظروف المناخية في منطقة تكوّن الإعصار في المحيطات والمسطحات المائية، هما: درجة حرارة تزيد عن 27 درجة مئوية مع وجود انخفاض شديد في الضغط الجوي، ويؤدي ذلك إلى تصاعد التيارات الهوائية وبداية تشكلها في دوامات إعصارية.

ويشدد الباحث الحاجبي أن “على البلد الاستعداد والتكيف لاستقبال هذه الموجات من الأعاصير المدارية عبر القيام بإجراءات وقائية مدروسة، منها ما هو قصير المدى يتعلق بتقوية قدرة الرصد والاستجابة في مختلف المجالات ونشر حالة الوعي المجتمعي لتفادي الكارثة كالبقاء في أماكن محصنة جيدًا وتقليل التحرك خلال فترة العاصفة، وتجنب مجاري السيول والوديان لتفادي أخطار السيول المصاحبة للعواصف، وغيرها”.

ويتابع: “فيما الجانب الأبعد من ذلك، يتمثل في إعادة النظر حول البنية التحتية، خاصة في المناطق الساحلية، ووضع اشتراطات ومعايير هندسية وبيئية لإقامة أي مشاريع تضمن تفادي مشكلات البناء في مجاري السيول وإيجاد ملاجئ آمنة ومحصنة في تلك المناطق”.

 

يتفق معظم خبراء البيئة والمناخ أن للتغيرات المناخية دورًا في تصاعد تشكّل الأعاصير المدارية التي تضرب السواحل الشرقية لليمن.

أكثر من 200 ألف شخص اضطروا للنزوح من منازلهم بسبب ظروف الطقس القاسية وفقًا لصندوق الأمم المتحدة للسكان.

 

نظام الإنذار المبكر

ويوكد مدير عام قطاع الأرصاد في الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد، محمد الحكيمي، لـ”اليمني الأميركي”، أن “ما يحتاج له البلد لمواجهة الأعاصير والكوارث الطبيعية هو نظام إنذار مبكر متكامل، ويغطي البلد”.

ويوضح أن نظام الإنذار المبكر الذي “يجب أن تسخر له كل إمكانيات البلد، يشمل أربعة عناصر، هي: معرفة المخاطر عبر وجود قاعدة بيانات على مستوى كل محافظة أو منطقة جغرافية، تمكننا من معرفة مكامن الهشاشة والقيام بمعالجتها ورسم سيناريوهات للمستقبل”.

ويضيف: “الجانبان الثاني والثالث في نظام الإنذار المبكر يتعلقان بالرصد والإبلاغ، وهي مسؤولية مشتركة بين الأرصاد ووسائل الاتصال والإعلام بمختلف أنواعها بشكل عام، فيما الجانب الأخير يتعلق بالاستجابة، وهي الإجراءات التي تتخذها الدولة بالتعاون بين كل قطاعاتها المعنية، وبمشاركة المجتمع لمواجهة الكارثة وتفادي الخسائر، قبل وأثناء وبعد وقوعها”.

ويلفت إلى أن “الحرب تعيق قدرة البلد على الاستجابة للكوارث الطبيعية الناتجة عن التغيرات المناخية التي تسببها أنشطة الدول الصناعية”، داعيًا تلك الدول والمجتمع الدولي بشكل عام إلى تحمل مسؤوليتهم تجاه اليمن ودعمه ليتمكن من التكيف مع الكوارث.

“منذ بداية العام، أدت ظروف الطقس القاسية إلى نزوح أكثر من 200 ألف شخص، العديد منهم كانوا قد نزحوا لأكثر من مرة، ومتوقع أن تهدد حياة ومعيشة العديد من التجمعات السكانية، لا سيما مع استمرار الصراع للعام التاسع، واستمرار تداعياته على حياة الناس المعيشية والصحية والتعليمية وكافة الجوانب الأخرى”، وفقًا لصندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) في اليمن، في مداخلة لـ”اليمني الأميركي”.

ويشدد الصندوق على “أهمية دعم اليمن الذي يشهد أزمة إنسانية، ويعد ضمن أفقر البلدان وأكثرها عرضة للخطر، لبناء قدرته على الصمود في وجه تغيرات المناخ والكوارث الطبيعية”.

تضاف ظاهرة تصاعد وتزايد المنخفضات الجوية والأعاصير إلى عدد من الكوارث الطبيعية التي باتت تضرب اليمن بفعل التغيرات المناخية، الأمر الذي يجعل مواجهتها خيارًا ضروريًّا لا رفاهية، ولتحقيق ذلك لا بد من وقف الحرب ليتمكن البلد من مواجهة تلك التحديات، فيما يبقى الأهم أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته في دعم اليمن، وبخاصة على صعيد معالجة العوامل التي تقف خلف هذه الكوارث، وتهدد مستقبل البشرية.

   
 
إعلان

تعليقات