Accessibility links

إعلان
إعلان

صنعاء –”اليمني الأميركي”:

لم يستطع محمود، وهو مُعلّم في مدرسة ثانوية بصنعاء، أن يشتري التمر لعائلته في رمضان هذا العام، وأمثاله عائلات كثيرة؛ لِأنّ سعر التمر لم يعد بمقدور نسبة كبيرة من اليمنيين الذين أنهكتهم الحرب، ونتيجة لذلك يفطر هو وعائلته على “سمبوسة”. 

«وصل سعر الكيلو التمر إلى نحو (1500)، وبعضه إلى (2000) ريال، ونحن ظروفنا صعبة، وبالكاد نعيش، ولهذا استغنينا عن التمر منذ العام الماضي»، يقول محمود، وهو يعمل في وزارة التربية والتعليم منذ 28 سنة، مؤكدًا «أنّ الحرب قد عوّدت اليمنيين على الاستغناء عن أشياء كثيرة كانوا يعتقدون أنهم لن يستطيعوا العيش بدونها، وإذا بهم يتركونها؛ لأنهم لا يستطيعون شراءها».

طارق ابن محمود، عمره 12 سنة، صار يعمل منذ بدء الإجازة الصيفية في سوبر ماركت، مقابل (30) ألف ريال في الشهر… يوضّح محمود في حديث غير رسمي: «لم يكن أمامي خيار؛ فصاحب السوبر ماركت عرَض هذا العمل ليساعدني، وابني وافق، ومن خلال ما يحصل عليه ابني، وما أحصل عليه أنا من نصف راتب كلّ شهرين، وما أحصل عليه من عمل في مكتب أحد الأصدقاء صرنا نعيش».

في السوبر ماركت يعمل (طارق) لساعات طويلة، وهو يجدُ أمامه كميات من التمر معروضة للبيع، بينما هو غير قادر على شراء أيّ منه؛ لأن ثمة احتياجات ضرورية ترى عائلته أنها أهم كالقمح والزيت والسكر وغيرها من متطلبات المعيشة.

(أبو محمد) صاحب السوبر ماركت، الذي يعمل فيه طارق، تحدّث عن تراجع مبيعات التمر سنويًّا: «ففي كل رمضان منذ بدء الحرب تتراجع مبيعات التمر لتكون أقل من السنة الماضية، لدرجة أنه يبقى لدينا من التمر إلى ما بعد رمضان، على الرغم من أننا صرنا – سنويًّا – نشتري كمية أقلّ مما اشتريناه في السنة الماضية».

ويُشيرُ إلى أنّ الكثير من الزبائن الذين كانوا يشترون التمر واحتياجات رمضان لم يعد يفعلون ذلك، بل صاروا يشترون احتياجات يومية، وكأنهم في أيام عادية؛ بسبب توقف صرف الرواتب وارتفاع الأسعار. 

وبقدر ما تعكس محلات السوبر ماركت ما آلت إليه علاقة الناس بالإنفاق، تعكس أيضًا ما صار إليه الوضع الإنساني للمجتمع؛ فظهرت ظواهر جديدة للتسول، ومن أبرزها ما يصادفك في بعض محلات السوبر ماركت… فبمجرد دخول السوبر ماركت، وبينما أنت تأخذ حاجتك من أيّ رِف؛ إذا بصوتٍ خفيض خلفك يناديك بضعف، وعندما تلتفتُ تجدها امرأة تطلبُ منك أن تشتري لها علبة زبادي أو كيس خبز… فهؤلاء لا يريدون مالاً، هُم، فقط، يريدون ما يسدّون به رمق جوعهم، وربما اعتادوا على ذلك؛ لأنهم لم يجدوا حلاً لإنقاذهم من الجوع في ظل كثرة المتسولين.

الجوع أصبح حالة يمنيّة تتضخم كلّ يوم، وهو ما يُمكن قراءته في مَن تجدهم يفقدون وعيهم على الرصيف، فيلتف حولهم الناس ليكتشفوا أنهم جوعى، ويكونون أحيانًا رجالًا أو نساءً أو أطفالًا.

قصص كثيرة يرويها لك الرصيف عن معاناة الناس الناجمة عن الحرب والحصار الذي تفرضه الشقيقة الكبرى (السعودية) على اليمن، في سياق حرب عدوانية أدت إلى تدمير الكثير من مقدرات البلاد الفقير. 

وتبرز هذه القصص كثيرًا في رمضان لخصوصية هذا الشهر، وما يُمثّله في حياة اليمنيين الذين اعتادوا فيه التيسير على أنفسهم مع ممارسة طقوسهم الإيمانية وتقاليدهم المتوارثة، لكن الظروف الناجمة عن الحرب والحصار أدت إلى تغيير الكثير من أحوالهم… وعلى الرغم من ذلك تجدهم يبدون حريصين على عيش أجواء هذا الشهر الفضيل، ولو بالقليل.

الجدير بالإشارة أنّ مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان وثّقت قتل وجرح أكثر من 200 ألف مدني في القتال الدائر هناك منذ مارس/ آذار 2015. وحسب تقرير حديث لمنظمة العفو الدولية فقد اشتدت أزمة إنسانية من صُنع الإنسان في اليمن مع ما يقرب من 16 مليون شخص يستيقظون جوعى كلّ يوم.

   
 
إعلان

تعليقات