Accessibility links

رمضان شبوة.. تنوع في العادات والتقاليد يعكس خصوصية التراث اليمني


إعلان

صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي:

يتمتع رمضان في اليمن بعادات وتقاليد تتنوع من محافظة إلى أخرى، ويعكس هذا التنوع خصوصية ما يزخر به التراث اليمني، ما يؤكد جمال العلاقة بين اليمنيين وهذا الشهر الفضيل، على الرغم من الظروف الصعبة التي فرضتها الحرب.

ففي محافظة شبوة/ جنوب شرقي البلاد، يتميز استقبال وإحياء شهر رمضان الفضيل بالعديد من التقاليد والطقوس الفريدة التي يحافظ عليها الأهالي منذ القدم، حيث تبدأ مراسيم استقبال الشهر الكريم قبيل أسابيع من حلوله، ليحل رمضان في أجواء من البهجة تتجلى بوضوح في الألفة العائلية والمجتمعية، والأصالة الثقافية التي يعبّر عنها  الإنسان اليمني في شبوة.

تيس رمضان

«كل شيء في شهر رمضان له نكهته الخاصة في شبوة، تعيشها الأسر، وتقدّر قيمة تمايزها عن باقي أيام السنة، لذا تبدأ بالاستعداد والتجهيزات لاستقباله منذ بداية شهر شعبان، كالتسوق وشراء متطلبات رمضان، وتنظيف المنازل وتزيينها وإعادة ترميمها في حال لزم الأمر، بالإضافة إلى انطلاق الأهازيج والتهاليل الترحيبية التي يصدح بها الناس من المساجد بعد أداء كل صلاة، ويرددها الأطفال وهم يجوبون الأحياء والقرى، بصوت فرائحي يردد: “أرحب أرحب يا رمضان يا شهر محمد عليك السلام”، بحسب المواطن عيضة حسن صالح، من سكان مديرية الطلح (شرق عتق – مركز المحافظة)، متحدثًا لـ”اليمني الأميركي”.

طقوس رمضان

علاوة على خصوصية تقاليد رمضان في شبوة، فإن هذه التقاليد تتنوع من منطقة إلى أخرى داخل المحافظة.

يشير عيضة إلى أن هناك الكثير من مظاهر الاحتفالات باستقبال الشهر الفضيل في شبوة، تختلف من منطقة إلى أخرى، ومنها على سبيل المثال (تيس رمضان)، وهي عادة تقوم خلالها كل أسرة في المناطق الريفية، كمديرية الطلح التي يعمل معظم قاطنيها بالزراعة وتربية الحيوانات، بتخصيص واحدة أو اثنتين من المواشي التي تمتلكها، لإقامة مأدبة إفطار جماعي في رمضان.

يقول عيضة: «يُدعى لهذه المآدب الرمضانية كل أفراد القرية، والمتواجدون من الضيوف أو المسافرين وعابري السبيل، ليجتمعوا على مأدبة إفطار واحدة، تتجدد فيها أواصر الود، كما تحضر فيها البركة، ويجري ذلك على كافة الأسر التي تتبادل إقامة العزائم (المآدب) طوال أيام الشهر الفضيل».

فعاليات الإفطار الجماعي لا تقتصر على مناطق الريف في شبوة، وإنما تمتد إلى المدن مثل عتق والصعيد وقوبان وغيرها، حيث يقيم غالبية سكان تلك المدن كل عام فعاليات إفطار جماعي، أصبحت مؤخرًا علامة فارقة لرمضانات شبوة، تتصدر صورها تفاعلات اليمنيين على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعكس صورة لقيم التكافل والتآخي التي يمتاز بها اليمنيون، ويحافظون عليها رغم الحرب والصراعات التي يشهدها البلد خلال السنوات الماضية.

مائدة الإفطار

إلى جانب الطقوس الفريدة التي يستقبل بها أبناء شبوة الشهر الفضيل، تتميز مائدة الإفطار في شبوة بالعديد من الأكلات والأطباق الشعبية الخاصة بسكان المحافظة كـ”المسيبلي”، وهو نوع من أنواع الخبز، مكوّن من حبوب الدخن، وطبق “المندي”، الأكلة المشهورة في المناطق الجنوبية الشرقية من البلد، بالإضافة إلى الأصناف التي تُعرف بها المائدة اليمنية في رمضان، كالشفوت، والسمبوسة، والباجية، والعصيد، والفتة بأنواعها، وغير ذلك.

 

حبة الدجدج 

ومن العادات المجتمعية التي تتميز بها بعض مناطق شبوة في رمضان، هي عادة الاحتفال بليلة منتصف شهر رمضان، أو ما يطلق عليه أهالي المحافظة بـ”حبة الدجدج”، وفيها يقوم الأطفال عشية اليوم الخامس عشر من الشهر، بتشكيل مجموعات صغيرة ومتوسطة، وتلفُّ تلك المجموعات حول منازل القرية، مرددين أهازيج “حبة الدجدج يا حبة، والبعير يهدر، والرحى تطحن” وأدعية بالحفظ والتوفيق والسعادة لأهالي البيوت، الذين يبادرونهم بتقديم الحلوى والهدايا الرمزية، بحسب هناء عبد ربه – صحافية من أهالي مدينة عتق، متحدثة لـ”اليمني الأميركي”.

وتلفت هناء إلى أن تقليد الاحتفال بـ”حبة الدجدج”، يُعد موروثًا شعبيًّا شديد الأهمية لدى الأسر الشبوانية، ويحتل مكانة خاصة في قلوب الصغار والكبار، لِما يبثه من روح الألفة بين قلوب العائلات وجيرانهم، حيث تزرع البهجة في قلوب الأطفال، وتعيد الكبار إلى ذكريات الطفولة، لذا «لا تستغرب أنه يبدأ التجهيز لها أحيانًا منذ بداية رمضان أو حتى قبل حلوله، بشراء الهدايا والثياب الجديدة، ونستعد لهذه الليلة منذ وقت مبكر كأنها عيد».

عادات اندثرت 

الاحتفال بيوم الخامس عشر من شهر رمضان تقليد موجود في العديد من بلدان العالم الإسلامي، وإن اختلفت المسميات التي تطلق على تلك المناسبة من منطقة إلى أخرى، حيث يُطلق عليها في بعض البلدان “قريقعان”، فيما اشتهرت في شبوة باسم “حبة الدجدج”، كما تختلف طقوس الاحتفال بها من بلد إلى آخر.

تكتسب عادة الاحتفال بـ”حبة الدجدج” زخمًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة، لحرص أهالي شبوة على المحافظة عليها كعادة من الموروث الثقافي والاجتماعي، وعدم تركها للاندثار كغيرها من العادات التي تعرضت لذلك بفعل الزمن، كعادة إشعال النار على رؤوس الجبال، لإعلام الناس بحلول رمضان، والتي تم العزوف عنها مع التطور التكنولوجي واعتماد الناس على وسائل الإعلام والاتصال، بحسب الناشط المهتم بالموروث الشعبي، علي بن عفا، في حديثه لـ”اليمني الأميركي”.

ويتذكر بن عفا تقليدًا رمضانيًّا آخر طواه النسيان في بعض مناطق شبوة، كمديرية الصعيد التي ينحدر منها، وهو« تقليد المسحراتي أو ما نطلق عليه (با شعفل)، وهو شخص كان يقوم بمهمة إيقاظ الناس عبر القرْع بالطبول طيلة ليالي الشهر الفضيل، لتناول وجبة السحور»، وكمكافأة له تقام طقوس خاصة لتكريمه في الأيام الأخيرة من رمضان.

ويوضح بن عفا: «يستمر المسحراتي في القيام بمهمته إلى الأيام الأخيرة في الشهر، تحديدًا منذ يوم الـ27، بعدها يجوب ومعه مجموعة من الأطفال القرى والمنازل، ولكن هذه المرة في النهار أيضًا، مرددين أهازيج “با شعفل عيّد عيدهم.. با شعفل من السالمين، يا الله بعيدك سالمين.. بجاه رب العالمين” كتوديع لرمضان، فيبادر الأهالي إلى تقديم الهدايا لهم كالحبوب والنقود، ويكون للمسحراتي النصيب الأوفر منها».

مبادرة اجتماعية لتوثيق طقوس رمضان

اندثار بعض التقاليد التي كانت تزخر بها شبوة قديمًا، أيقظ حسّ الاهتمام لدى الكثير من شبابها، فانطلقت مبادرات رسمية وشعبية للحفاظ على الموروث الثقافي والاجتماعي التي تزخر به شبوة، من ضمنها مبادرة ذاتية قامت بها الناشطة الاجتماعية انتصار صالح، لتوثيق طقوس الاحتفالات والفعاليات والعادات اليومية للناس في رمضان، من خلال إطلاق “مسابقة طقوس شبوة الرمضانية”، يشارك فيها الناس بصور عن يومياتهم وعاداتهم في رمضان.

وحول الدافع لإعلانها المبادرة بشكل ذاتي، تؤكد انتصار صالح، في حديثها لـ”اليمني الأميركي”: «إيماني بالمسؤولية الفردية والمجتمعية تجاه الحفاظ على الموروث الذي تمتاز به محافظة شبوة كان دافعي لإعلان المسابقة التي لاقت تفاعلاً واسعًا من الناس في العام الماضي، وهذا الموسم».

الطقوس والتقاليد الخاصة التي يُعرف بها أهالي شبوة في استقبال رمضان، هي نموذج للثراء والتنوع الذي يمتاز به الموروث الثقافي والاجتماعي للمجتمع اليمني، ففي كل محافظة أو منطقة في البلد لها ما يميّزها من عادات وتقاليد عن باقي المناطق الأخرى، الأمر الذي يجعل اليمن بلدًا فريدًا وغنيًّا بأصالته وتاريخه الإنساني والحضاري، عن باقي بلدان العالم، وهو ما يؤكد أهمية توثيق هذا التراث كأولوية عقب توقف الحرب.

* الصور: أحمد لجهر

   
 
إعلان

تعليقات