Accessibility links

رمضان اليمن وأوضاع اقتصادية هي الأسوأ منذ بدء الحرب


إعلان

صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي:
بلغ الحال الاقتصادي السيئ باليمنيين، والحرب في بلادهم تدخل عامها الثامن، أن غالبيتهم بات عاجزًا عن شراء الاحتياجات الأساسية.. تقول نوال (ربة منزل): «لم أستطع هذا العام شراء متطلبات رمضان كما في الأعوام السابقة، بسبب الارتفاع الهستيري في الأسعار، بل أواجه صعوبة في شراء المواد الأساسية كـ(الدقيق، الأرز، السكر، الزيت)، بالإضافة إلى انعدام الغاز المنزلي، فما بالك بمتطلبات المائدة الرمضانية، التي حُرمنا منها»، متحدثة لـ”اليمني الأميركي”.

وتشير نوال، وهي معلمة في مدرسة أهلية براتب لا يتجاوز الـ30 ألف ريال يمني (50$)، إلى أن افتقاد متطلبات رمضان «يفقدنا البهجة بقدوم الشهر الكريم».

 

أوضاع بالغة السوء

يستقبل اليمنيون شهر رمضان الفضيل، هذا العام، بأوضاع اقتصادية هي الأسوأ منذ بدء الحرب نتيجة الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية الذي تشهده الأسواق اليمنية في ظل أزمات مختلفة يعيشها البلد، أبرزها أزمة المشتقات النفطية التي أسهمت في ارتفاع أسعار السلع بنسبة كبيرة، ما زاد من تعقيد حياة الناس في بلد تقول الأمم المتحدة إن أكثر من 17 مليون نسمة بحاجة للمساعدات الغذائية.

يتذكر معظم اليمنيين عاداتهم في الاستعداد لشهر رمضان الكريم بحسرة؛ إذ صار غالبيتهم غير قادر على شراء احتياجات هذا الشهر في ظل توقف رواتب معظم الموظفين والارتفاع الجنوني في الأسعار، الأمر الذي بات معه هذا الشهر يضاعف من معاناتهم؛ وهم لا يجدون ما يسعدون به أطفالهم في هذه المناسبة الدينية.

وكانت الأسواق اليمنية تشهد ازدهارًا لافتًا في النشاط التجاري خلال الأسابيع القليلة التي تسبق حلول الشهر الكريم، حيث كانت تحرص معظم الأسر اليمنية على التزود بكافة احتياجاتها التموينية قبل دخول شهر الصيام.

خلال سنوات الحرب، انخفضت الحركة التجارية في المواسم الرمضانية تدريجيًّا بفعل تصاعد مؤشرات الفقر والبطالة، جراء انقطاع المرتبات على قطاع واسع من موظفي الدولة وانهيار العملة المحلية إلى جانب الكثير من ظروف الحرب التي عصفت بالبلد، لدرجة يمكن القول إن إقبال معظم اليمنيين على شراء احتياجاتهم الرمضانية تراجع كثيرًا خلال هذا العام.

 

انفلات سعري

ارتفعت أسعار السلع الغذائية والمواد الأساسية في الأسواق اليمنية بمعدلات قياسية بالمقارنة بما كانت عليه في العام الماضي، حيث وصل سعر كيس دقيق القمح (50 كيلو) في العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة “أنصار الله” (الحوثيين)، إلى 21 ألف ريال يمني (قيمة الدولار في صنعاء 600 ريال)، فيما كان سعره، العام الماضي، لا يتعدى الـ14 ألف ريال، بينما بلغ سعر الكيس الأرز العادي (10 كجم) 4200 ريال بعد أن كان سعره 2800 ريال، بينما قفز سعر علبة الزيت (4 لترات) من 4000 آلاف ريال إلى 6300 ريال، وسجلت علبة السمن النباتي الصغيرة عبوة (0.9 كجم) ارتفاعًا في السعر من 1400 ريال إلى 2100 ريال، كذلك المواد الخاصة برمضان كالتمور التي يتراوح سعر (علبة 10 كجم، نوع متوفر بالسوق) ما بين 9 إلى 10 آلاف ريال، بزيادة ألفي ريال عن العام الماضي، والعلبة الزبادي حجم صغير من 100 إلى 150 ريالًا.

 أزمات المعيشة وارتفاع الأسعار وانعدام الغاز والمشتقات النفطية، يكتوي بنارها جميع المواطنين في مختلف محافظات اليمن الواقعة تحت سلطات متعددة ومتنازعة، ففي مدينة عدن الخاضعة لسيطرة (الحكومة المعترف بها دوليًّا) بلغ سعر كيس دقيق القمح (50 كيلو) 44 ألف ريال، بزيادة الضعف على سعره في العام الماضي، البالغ  22 ألف ريال (قيمة الدولار في عدن 1200 ريال)، كذلك كيس السكر (10 كجم)، الذي كانت قيمته لا تتجاوز 4900 ريال، وصل سعره حاليًّا إلى 10500 ريال، أما العلبة الزبادي حجم صغير فقفز سعرها من 250 إلى 300 ريال، والأمر ذاته، وبنسب متفاوتة على مختلف السلع.

وارتفعت أسعار المشتقات النفطية في المحطات (في حال توفرها) إلى 16 ألف ريال (26.5 دولار) للجالون (20 لترًا) في صنعاء، فيما ارتفع سعر الجالون في عدن إلى 20800 ريال (17 دولارًا) مقارنة بسعر صرف الدولار في كلتا المدينتين… وبذلك عدت وكالة رويترز سعر البنزين في اليمن الأعلى على مستوى العالم.

وارتفعت أسعار السلع الغذائية بنسب متفاوتة معظمها ارتفع ما بين 100% و50%، وبعضها أقل خلال أقل من عام فقط.

علاء فضل، يعمل سائق باص أجرة، ويعيل أسرة مكونة من عشرة أفراد تسكن مدينة عدن، يقول لـ”اليمني الأميركي”، إنه «بسبب شحة الدخل والالتزامات المفروضة علينا، سأستقبل وأسرتي رمضان كأيّ أيام عادية، سنكتفي بأخذ الأشياء اليومية الضرورية… اليوم العلبة الزبادي الصغير بـ300 ريال، فما بالك بباقي المتطلبات، كما أن رمضان يأتي مع ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع الكهرباء».

الزيادة الحاصلة في الأسعار أدت لانخفاض الطلب على السلع الاستهلاكية، بحسب فارس الجبرتي، مالك محل بهارات ومواد غذائية في صنعاء.

يقول الجبرتي لـ”اليمني الأميركي”: «عندما تكون أسعار السلع رخيصة يكون الإقبال عليها كبيرًا، فمثلاً أبيع 100 علبة زيت أسبوعيًّا، مكسبي من 150 إلى 200 ريال، لكن عندما ترتفع الأسعار، كما هو حالًّيا، لا أستطيع بيع حتى 40 علبة، بينما المكسب يبقى نفسه»، ويشير إلى أن كبار التجار المستوردين هم الذين يتحكمون في السوق، ويتسببون بالركود الحاصل هذا الموسم.

 

القدرة الشرائية

ويوضح الصحافي الاقتصادي اليمني، رشيد الحداد، لـ “اليمني الأميركي”، أن «القدرة الشرائية للمواطنين تراجعت بتراجع معدلات الدخل من جانب، وبتدهور سعر صرف العملة المحلية… وفي ظل استمرار العقاب الجماعي على قطاع واسع من موظفي الدولة، المتمثل بوقف صرف مرتباتهم منذ ست سنوات، فإن معاناة المواطن ارتفعت إلى أعلى مستوياتها».

ولفت إلى أن الأزمات التي يعيشها البلد نتيجة لاستمرار الحرب وما يرافقها من حصار بالذات على دخول سفن المشتقات النفطية، باتت اليوم تفوق قدرات معظم اليمنيين على تأمين احتياجاتهم الأساسية في شهر رمضان.

لماذا؟

أزمة المشتقات النفطية، وإن كانت السبب الأبرز في ارتفاع الأسعار باليمن، مؤخرًا، مع زيادة تكلفة النقل، إلا أنها تعد عاملًا ضمن عدة عوامل داخلية وخارجية تسببت في ارتفاع الأسعار، منها ما هو مرتبط بتطورات الأحداث العالمية في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، التي حذر برنامج الأغذية العالمي، في بيان نهاية شهر فبراير/ شباط الماضي، من تداعياتها على زيادة أسعار الوقود والغذاء في اليمن، خاصة الحبوب.

بالإضافة إلى انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية على ارتفاع أسعار الغذاء والوقود والنقل عالميًّا، فإن تشديد الحصار على الموانئ اليمنية، وحصر الاستيراد من ميناء عدن فقط، ورفع الحكومة (المعترف بها دوليًّا) التعرفة الجمركية من (250 إلى 500 ريال للدولار الواحد) بنسبة 100%، إلى جانب الضرائب والجبايات المفروضة على شاحنات النقل من قِبل النقاط العسكرية التابعة للفصائل والأطراف المتصارعة في البلد، وهو ما ينعكس زيادة في سعر السلعة… تعد هذه أبرز أسباب موجة الارتفاع الجنوني في الأسعار، حسب تصريحات أحد المستوردين لـ”اليمني الأميركي”، فضّل عدم ذكر اسمه.

ويوضح هذا المستورد، أن «كل تلك التكاليف المفروضة على السلعة، يتحملها المواطن اليمني».

حرب منسية

الحرب المنسية والمفروضة على البلد منذ أكثر من سبعة أعوام، تسببت بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، حسب الأمم المتحدة التي حذرت من أن «اليمن يوشك على السقوط في براثن أزمة جوع كارثية، حيث يصل عدد الأشخاص الذين يحتاجون، حاليًّا، إلى مساعدات غذائية إلى 17.4 مليون شخص، وتواجه نسبة متزايدة من السكان مستويات طارئة من الجوع».

وتوقعت كلٌّ من منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي واليونيسف، بعد إصدار تحليل جديد للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) عن اليمن، في الـ 14 من مارس/ آذار الجاري، «تفاقم الوضع الإنساني في البلاد خلال الفترة من يونيو/ حزيران إلى ديسمبر/ كانون الأول 2022، حيث من المحتمل أن يصل عدد الأشخاص غير القادرين على تلبية

الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية في اليمن إلى رقم قياسي يبلغ 19 مليون شخص».

ورقة في الحرب

وحول المعالجات الطارئة والحلول الضرورية للتخفيف من معاناة المواطنين في ظل ارتفاع أسعار الغذاء، يشير الخبير الاقتصادي اليمني، عبده حسن الصديعي، في حديث لـ”اليمني الأميركي”، إلى أن على الجهات المعنية بوزارة التجارة والصناعة مسؤولية القيام بدورها في تحديث تسعيرة نموذجية لأسعار السلع الاستهلاكية، والاعتماد على آلية رقابة تضمن استقرار سعر السلعة منذ ما قبل وصولها إلى الأسواق، أي مراقبة المصانع والشركات وكبار المستوردين، وحتى وصولها إلى يد المستهلك.

ويوضح الصديعي، أن الأزمات التي تعصف بالاقتصاد اليمني حاليًّا، هي انعكاس لاستخدام الاقتصاد كورقة في الحرب بالدرجة الأولى قبل أن تكون أزمات اقتصادية.

ويؤكد أن «إنهاءها يأتي عبر تحييد الاقتصاد ورفع الحصار والقيود المفروضة عليه، والسماح بدخول سفن المشتقات النفطية إلى البلد، وصرف مرتبات الموظفين في جميع المحافظات، وتوفير مساحة آمنة لتنقّل السلع والبضائع… فيما يُمثل إنهاء الحرب الأمل الوحيد لإنعاش الحياة في روح الاقتصاد اليمني والخروج من دائرة الركود والأزمات».

في الأخير…

أمام واقع الظروف الاقتصادية الصعبة والأزمات المختلفة التي تكالبت على اليمنيين وأثقلت كاهلهم، يأمل المواطن اليمني البسيط أن يكون شهر رمضان محطة لأطراف النزاع لمراجعة النفس والعمل على إنهاء الحرب في اليمن وإحلال السلام، الذي يُمثل المخرج الذي يشع منه الضوء في نهاية النفق الطويل من الصراعات والأزمات.

   
 
إعلان

تعليقات