Accessibility links

إعلان

بقلم شاكر الأشول

والدي العزيز: تسابقني الدموع اليوم في ذكرى رحيلك الثانية وأحمد الله عليك وعلى ذكراك وعلى كل سنينك معنا وابتهل لله دائما أن يغدق عليك برحمته وان يجمعنا بك في حال أفضل.

والدي العزيز أيها الأمي المعلم، يا من افتقدت نعمة العلم فكنت حريصا على أن نتعلم وكنت مؤمنا أكثر من غيرك بقيمة العلم، والدي، أيها اليتيم الذي حرم حنان الأب والأم فكنت نبعا خالصا من الحب والحنان، والدي أيها الفقير الذي لم يهتم ولم يجمع المال أو يكتنزه، أيها الوحيد القادم من أسرة صغيرة لا أخ فيها يسانده ولا عم فجعل الناس كلهم أسرته، والدي أيها المسافر الذي حملته الأمواج الي الشاطئ فاقدا للوعي وحملته سفن الدنيا إلى شواطئ العالم مكتشفا لها. والدي أيها القروي الذي خرج من قرية السناحي ليبحر إلى قرى العالم الآخر ويكتشف أن العالم أكبر وأن الإنسان هو الأصغر وأن الحياة للأصدق والأكرم والأجدر.

والدي الحبيب لأن العلم فقط كان جل استثمارك أبشرك بأن حفيدتك ساره ترتقي اليوم خشبة مدرستها لتلقي خطاب الخريجات وتبقى وصيتك في حياتنا جميعا “علموا البنات” وهي على خطى حفيداتك الأخريات نور وحنين. أيها الأمي القروي الذي مزجت بين القبيلة والمدنية فاخترت الأفضل منهما وعشت عليه وعلمتنا أن الاختيار لنا.

والدي الحبيب درست في فصول المعلمين والبروفسورات لأكثر من 22 سنه لكنك تظل المعلم الأكبر وتظل دروسك لي هي الأعمق أثر، وذلك ما أحمد الله عليه. لقد علموني الحساب وعلمتني المسؤولية علموني الخط وعلمتني الكتابة وانت الأمي الذي لم يتعلم بمدرسة، علموني القراءة وعلمتني التفكير، علموني التبعية وعلمتني الاستقلالية، علموني السكوت وعلمتني الكلام، علموني الجدية وعلمتني الهزل والسخرية، علموني أن الحياة مفصلية وعلمتني أن الحياة مسرحية.

أيها اليمني الإنسان الذي لم يهرب من صفاته فوصفت نفسك باليتيم والفقير والأمي والمغترب والعامل وانت كنت قد تعديتها كلها ومع ذلك فلم تتنكر ابدا لحالك ولحكايتك وبهذا علمتنا المصداقية مع الذات ومع الآخرين.

والدي الحبيب لا ننكر أن الحياة تستمر حتى بعد رحيلك ولكن فراغك لا يمل، وصوتك لا يتكرر وحكمتك مفتقده، ونكتتك وضحكتك التي ملأت عالمنا نتلهف بحثا عنها فلا نجدها.

والدي يامن أخذت الدنيا بالسخرية وكنت الأكثر جدية ويامن كانت دروسك في الحكاية والحزاوى. والدي الحبيب افتقد صوتك وضحكتك العفوية.

ولدك المحب الداعي لك بالرحمة والمغفرة،

 
   
 
إعلان

تعليقات