Accessibility links

رجلُ دولةٍ يرحلُ بصمْت: عبدالكريم الأرحبي بعيونٍ يمنية


إعلان

مَن هو عبدالكريم الأرحبي؟، ولماذا كان لِموته ردود فعلٍ يمنية كبيرة؟

صنعاء – “اليمني الأميركي”

غيّب الموتُ، يوم أمس الاثنين – الموافق 19 كانون الثاني (يناير)، السياسي والاقتصادي اليمني عبدالكريم الأرحبي – نائب رئيس الوزراء – وزير التخطيط والتعاون الدولي الأسبق، بعد حياةٍ حافلةٍ بالإنجاز في ميدان الاقتصاد، ليُشكِّلَ رحيله خسارةً كبيرة؛ وهو ما تجلّى بوضوحٍ في ردود فعل اليمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي إزاء وفاته؛ إذ نوَّهَ الكثير بتجربته في تأسيس وإدارة وتطوير الصندوق الاجتماعي للتنمية، وإدارته للمشاريع باقتدارٍ ونزاهةٍ، بدليلِ حرصه على البقاء بعيدًا عن الأضواء حتى عقِبَ استقالته من عمله الحكومي عام 2011م؛ إذ اعتزلَ الأضواء، واكتفى بعمله مستشارًا للصندوق العربي للتنمية في الكويت، حتى تُوفِّيَ في القاهرة – يرحمه الله.

عبدالكريم إسماعيل الأرحبي سياسيٌّ وإداريٌّ يمنيٌّ، من مواليد محافظة إب عام 1952م.. كان عضوًا في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، وعضوًا في المجلس الأعلى لتخطيط التعليم، ومديرًا تنفيذيًّا للصندوق الاجتماعي للتنمية 1998 – 2001م، ثم وزيرًا للشؤون الاجتماعية والعمل (2001 – 2005)، ثم وزيرًا للتخطيط والتعاون الدولي 11 فبراير 2006م، ثم نائبًا لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، ووزيرًا للتخطيط والتعاون الدولي في 5 أبريل 2007 – 2011.

                                           رجُل دولة

نائب رئيس الوزراء في حكومة صنعاء، جلال الرويشان، في رسالة نعْيٍ مذيَّلة باسمه، وبعض أسماء من آل الرويشان، نشرها على صفحته في “فيسبوك”، أشاد فيها بتجربة الراحل، باعتباره «أحد المسؤولين ورجال الدولة القلائل الذين تقلّدوا مناصب عُليا وغادروها، والجميع يشهدُ بنزاهتهم، نظافة أيديهم، رجاحة عقولهم، حكمتهم، معرفتهم كيف تُدارُ الدولة.. رجلُ دولة من الطراز الرفيع… ورجلُ إدارة من النوع النادر.. وصاحب إرادة لا تتزعزع، وضمير لا تُغيِّرهُ الأحداث والعلاقات».. «شهدَ له الداخل والخارج… المحلي والإقليمي والدولي… شهدوا له – جميعًا – بالكفاءة والنزاهة… وهما صفتان لا يحوزهما معًا، وبنسبةٍ عالية، إلَا النادر من القادة الإداريين في العالم الثالث».

 

آل الرويشان: هو أحد المسؤولين ورجال الدولة القلائل الذين تقلّدوا مناصب عليا وغادروها، والجميع يشهدُ بنزاهتهم، نظافة أيديهم، رجاحة عقولهم، وحكمتهم

وهيبة فارع: تركَ الفقيد بصمةً إنسانيةً رائعةً لا ينساها كلُّ مَن عمِل معه أو تحت إدارته

مصطفى نصر: من «الاقتصاديين القلائل الذين تركوا بصمات تنموية مشهودة في مسيرته العملية».. «تأتي وفاته بعيدًا عن وطنه كحالِ الكثير من الخبراء الذين لم تتسع لهم بيئة العبث التي تحكُمُ البلد!»

أحمد غراب: أنموذجٌ استثنائيٌّ للمسؤولية والمِهنية والنزاهة والوطنية المتجرِّدة من بريق المناصب وإغراء المكاسب

 

                                              التنمية

خالد الرويشان – وزير الثقافة الأسبق – عضو مجلس الشورى، اعتبر الراحل رجل التنمية الأول في اليمن، وقال: «للبلاد أنْ تحزنَ، وأنْ تُعلِنَ الحِداد على رجُلٍ أنشأ وأنجزَ مشروعًا في كلّ قريةٍ ومدينةٍ يمنية.. للأطفال الفقراء المرتعشين من البرد الآن، في هذه الساعة، أنْ يحزنوا؛ فلو كان ما يزالُ هنا لوزّعَ ملايين البطانيات.. للنساء في ريفنا المحروم أنْ تحزن؛ فلو كان ما يزال هنا لاستمر في توزيع مكائن الخياطة في كلّ قريةٍ وبيت.. كان رجلًا نادرًا في شخصيته وإدارته وإخلاصه وإنجازاته وصمْته وهدوئه وتواضعه».

وأضاف في منشورٍ على “فيسبوك”: «هذا هو الرجل الوحيد في اليمن الذي كان يستمرُّ دوامه من السابعة صباحًا حتى السادسة مساءً.. نائب رئيس وزراء لم يرافقه جندي واحد طوال حياته!.. قدّمَ استقالته في 2011 بعد ضغوطٍ من مراكز قوى حاولت جرّ الصندوق لغير أهدافه!.. قدّم استقالته فعيّنته دولة الكويت مستشارًا في الصندوق الأضخم في العالم العربي “الصندوق العربي للتنمية”، حتى وفاته – رحمة الله عليه».

«كان المؤسِّس والمدير التنفيذي للصندوق الاجتماعي للتنمية في اليمن لِعقدَين، ولنجاحه الكاسح أضافوا إليه وزارة التخطيط كنائبٍ لرئيس مجلس الوزراء، لكنه جعلَ من مشاريع الصندوق دولةً تنمويةً موازيةً في اليمن كله، حتى أنّ البنك الدولي منحه جائزة الأداء المتميِّز في الخدمة العامة على مستوى العالم كله.. جائزة “جيل جيت”»، يقول الرويشان.

                                       بصمةٌ إنسانية

وزير الدولة لحقوق الانسان الأسبق، وهيبة فارع، نَعَت الراحل قائلةً: «كان لي شرف زمالته ضمن أول مجلس وزراء بداية الألفية، وفي تأسيس الصندوق الاجتماعي للتنمية، وقد تركَ الفقيد بصمة إنسانية رائعة لا ينساها كلُّ من عملَ معه، أو تحت إدارته.. نسأل الله العلي القدير أنْ يتغمده بواسع الرحمة والمغفرة، وأنْ يُلهم أهله الكرام الصبر والسلوان، “إنّا لله وإنّا إليه راجعون”».

                                           رجُلٌ مِهنِيٌّ

فيما أشارت لمياء يحيى الإرياني إلى خصوصية تجربة الراحل المهنِيّة، موضحة: «عرفته للمرة الأولى في العام 2003 عندما كان وزيرًا للشؤون الاجتماعية والعمل.. رجُلًا مِهنيًّا بامتياز.. خلوقًا وراقيًا في تعامله مع الآخرين.. متواضعًا وبشوشًا، رجل دولة من الطراز الرفيع.. أذكُرُ أنه كان في كلِّ الاجتماعات والفعاليات أول الحاضرين لشعوره العالي بالمسؤولية والالتزام.. كلُّ مَن عرفه لا يمكنُ أنْ ينساه.. سيبقى في الذاكرة مثالًا للرُّقي والأخلاق العالية».

                                    دعْم المشاريع النوعية

وأشارت أمَة الباري العاضي إلى دور الراحل في دعم المشاريع النوعية، بما فيها مشروع مسح وتوثيق الحِرَف اليدوية التقليدية في جزيرة سقطرى، والذي كان أول مشروع لها تعملُ فيه كاستشارية، ورئيسة الفريق الوطني لهذا المشروع 2004: «حيث قدَّمَ التوجيه والدعم اللازمَين لتنفيذ هذا المشروع الوطني الكبير، كما شاركَ في دعم المشروع من ممتلكاته الخاصة من خلال (كاميرا توثيقية)…. وإنْ دلَّ ذلك على شيءٍ فإنما يدلُّ على حبه وصدقه وتفانيه ورؤيته الثاقبة لعملية التنمية في اليمن (كلّ اليمن)».

                                       بصمات تنموية

فيما نوَّهَ رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، بتجربة الراحل باعتباره كان من «الاقتصاديين القلائل الذين تركوا بصمات تنموية مشهودة في مسيرته العملية».. «تأتي وفاته بعيدًا عن وطنه كحالِ الكثير من الخبراء الذين لم تتسع لهم بيئة العبث التي تحكمُ البلد!».

                                     المشارَكة المجتمعية

فارس العلي تحدَّث عن تجربة كانت له وجمعية المستقبل – Yemen Hajjah- NGO، والتي هي، كما يقول، أكبر منظمة محلية كان لها أعمال مشتركة مع الصندوق الاجتماعي للتنمية… «كُنا الوحيدين تقريبًا منذ 2002 قبل طفرة المنظمات الدولية والمحلية نُحاول مراكمة تجربة تستندُ بشكلٍ أساس إلى التنفيذ المباشر، أو توسيع المشاركة المجتمعية، ونالت تجربة جمعية المستقبل إعجاب عبدالكريم الأرحبي، والصندوق الاجتماعي للتنمية؛ إذ كنا ننفِّذُ برامج حصاد المياه بتكلفة أقلّ، وبمشاركة مجتمعية كبيرة تصلُ إلى 70%».

وأضاف: «عبدالكريم الأرحبي علّمنا وتعلّمنا منه الكثير تجاه العمل التنموي الطوعي، وكان على صِلة بنا أولاً بأول ليتأكد أننا في جمعية المستقبل ما زلنا باقين ومستمرين. خسارة أنْ يرحلَ عظماء هذا البلد في هذه اللحظة الفارقة، والتي نحن بحاجة فيها إلى رجال تنمية حقيقيين، وإنْ كانوا – للأسف – مُبعَدين من أيّ تمكينٍ لائقٍ بهم».

                                            يعملُ بصمت

هنا ينوِّه الكاتب أحمد غراب بتجربة الراحل مع الصمت، فقد عاش بصمتٍ، وكان يعملُ من أجل بلاده بصمت، وغادر منصبه بصمت، ورحل عن عالمنا بصمت، معتبرًا إياه «أنموذجًا استثنائيًّا للمسؤولية والمِهنية والنزاهة والوطنية المتجرِّدة من بريق المناصب وإغراء المكاسب، رجُل إنجازات لا تصريحات، عمل بصمتٍ من أجل الوطن (كلّ الوطن)، بعيدًا عن الرِّياء والشهرة والأضواء، وترك أعماله شاهدة عليه في عشرات الطُّرق والمدارس والمعاهد والمشاريع، فهو مؤسِّس الصندوق الاجتماعي للتنمية، عمل بجدٍّ واجتهادٍ، ونفع بلده بعلمه وخبرته، وغادر منصبه بنزاهة مشهود لها من الجميع، تاركًا وراءه بصمات تجربة ناجحة ستظلُّ محفورة في الذاكرة».

خالص العزاء لليمن برحيله.. العزاء موصول لكافة أهله، نسألُ الله أنْ يتغشاه بواسع رحمته، ويسكنه الفردوس الأعلى.

   
 
إعلان

تعليقات