Accessibility links

دُمية تعكسُ الهُوية: نجود الوزير تروي الحكاية


إعلان

كيف انتصرت نجود على ظروفها وحققتْ بالدُّمى حضورًا ونجاحًا تجاوزَ الحدود؟

 

صنعاء – “اليمني الأميركي” – مُحمّد العلفي:

«تعلقتُ منذ طفولتي بالدُّمى، وعندما كبرتُ تعلّمتُ كيف أصنع دُمايَ بنفسي، وصِرتُ أبحثُ عمّا يُميِّزها، عندها فكرتُ أنْ تعكسَ دُميتي الزيّ الشعبي لليمن، وبذلك تُصبحُ تحفة فنية يتهادى بها الناس كتذكارٍ يُمثِّلُ هُوية»، تتحدثُ نجود الوزير لـ “اليمني الأميركي” عن تجربتها في صناعة الدُّمى، وكيف تحولت إلى حكاية للنجاح في مرحلةٍ حرجةٍ من تاريخ بلدها؛ فتجاوزتْ ظروف الحرب والحصار، حتى صارت دُماها تُسافر إلى دولٍ مختلفة.

 

استطاعت نجود الوزير أنْ تنتصر للدُّمى وتتجاوز معوقات تجربتها حتى غادرت دُماها الحدود، وصار لنجاحها قصة ترويها (حراوي جودي)

 

                                          الحياكة

تعلّمتْ نجود الحياكة من والدتها، التي كانت تُحيك الجوارب، وغيرها من المشغولات، وهي طالبة في المرحلة الثانوية، حتى تمكنتْ من التعامل مع مهارات حياكة الجوارب، ومن ثم توقفت؛ لانشغالها بإكمال دراستها في المرحلة الثانوية، لتتمكن من تحقيق حُلمها في الالتحاق بالسلك الدبلوماسي؛ الأمر الذي دفعها لدراسة العلوم السياسية؛ حيث نالتْ درجة البكالوريوس بامتياز من جامعة صنعاء عام 2014.

 

                                       إرهاصات الفكرة

تمثلتْ إرهاصات فكرة صناعة الدُّمى لدى نجود في عدم تمكنها من الالتحاق بالعمل الذي كانت تُحلُم به، لا سيما بعد دخول البلاد في أتون الحرب في آذار (مارس) 2015؛ لكنها وبعد أنْ ألِفت الحرب ودويَّ انفجارات الصواريخ، كما هو حال بقيّة اليمنيين، عاودت البحث عن عمل، حينها كان حُلمها بالالتحاق بالسلك الدبلوماسي قد بدأ يتلاشى.

لكن، ونتيجةً لتخصصها، لم يتم قبولها حتى كمعلّمة في المعاهد والمدارس الخاصة، التي طرقت أبوابها، فدخلت – حينها – في حالة من الإحباط، وفي يومٍ من الأيام، وهي شاردةٌ ببصرها تُقلِّبُ صفحات ماضيها، تمنت لو أنّ الزمن يعودُ بها إلى الوراء، وتعود لها طفولتها الجميلة، وهي تلعبُ مع دُماها… وفجأة انتفضتْ واقفة، وهي تقول بصوتٍ مرتفع: لِمَ لا أتعلّمُ صناعة الدُّمى؟!

                                       بلْورة الفكرة

هرعتْ نجود لهاتفها المحمول تتصفحُ موقع “يوتيوب”؛ بحثًا عن فيديوهات لتعليم صناعة الدُّمى… «أخذتُ أتصفحُ اليوتيوب، ولم يكن الأمر سهلاً، فقد وجدتُ عدة مقاطع، لكنها تعتمدُ على البترون (مخطط لجسم الدُّمية) الذي بحثتُ عنه ولم أجده؛ فعاودتُ البحث في يوتيوب، حتى وجدتُ طريقة بسيطة عبارة عن قاعدة ورأس، فبدأتُ تطبيقها».

كانت نجود ـ قبل ذلك ـ قد شاهدتْ خلال تصفحها اليوتيوب، كيف أنّ دُمًى وتُحفًا فنية تعكسُ تراث عددٍ من الدول.

«صارت الدُّمية الخشبية المعروفة باسم الأمّ القروية رمزًا للتراث الروسي، ومجسمات الأهرامات، والزيّ الفرعوني تذكاراً لمصر، ودُمى الساري (زيّ المرأة الهندية)، والفيل رمزًا للهند، وغيرها»، تقول.

حينها تبلورتْ الفكرة: «سأصنعُ دميةً تكون تذكارًا يتهادى به الناس، يعكسُ تراث اليمن»؛ فقررتْ أنْ تصنعَ دُماها بيدها، وهي مرتدية الزيّ الشعبي الذي ستخيطهُ بيديها أيضًا؛ لتُصبِحَ تذكارًا يعكسُ هُويّة التراث الشعبي اليمني.

 

لم تكن تعرف أنها ستُحقِّقُ هذا النجاح لكنها لم تنكسر ولم تيأس فعملتْ بجدٍّ وإصرارٍ حتى جاءتها الفرصة وسجلتْ حضورًا لافتًا من خلال دُمًى تعكسُ الهُوية اليمنية

                                      خيبة أمل

انكفأتْ (نجود) على خيوطها وإبرتها، يحدوها الأمل بنجاحها ومستقبلها المشرق.

«بدأتُ أُطبِّقُ ما تعلمتُ ظنًّا مني بسهولته، وبأني سأصنعُ دُميتي من الألف للياء، وتخيلتُ نفسي وقد صنعتُ العديد منها، والطلبات تتهافتُ عليها من كلِّ مكان»، «ما إنْ أتممْتها، حتى أصابتني خيبة أمل، وقررتُ التوقف عن صناعة الحراوي (اسم لدُمى العرائس باللهجة اليمنية)، والالتفات لدراستي – تحضير الماجستير».

                                        عودة الأمل

مرتْ الأيام وسمعتْ نجود بتنظيم معرَضٍ للمشغولات اليدوية، وأنّ الباب مفتوح لمن يريد المشاركة… «لِمَ لا أشاركُ؛ فصنعتُ أربع دمًى أُخريات غير الأولى، وحجزتُ لي طاولة في المعرض الذي استمر 3 أيام».

شاركتْ نجود في المعرض، ومرّ يومان دون أنْ تبيع أيّ دُمية: «كان الناس يدخلون المعرض، ويمرون على الطاولات، ويشترون منها، لكنهم بمجرد أنْ يصلوا لطاولتي لا يمرون ولا يهتمون، وإذا وقف أحدهم أخذَ دُمية، وقال بتعجب: ما هذا؟، ثم يضعها ويمضي».

«في اليوم الأخير، مرتْ عليّ إحداهن، وسألت: كم سعر الواحدة؟، فأجبتُ: بـ 300 ريال (الدولار يساوي 600 ريال).. كنتُ أريد أخلصُ منهنّ ـ فاشترت واحدة؛ وقالت إنّ الفكرة جيدة، لكن لو أنكِ طورتها ستكون أفضل»، تضيف، «كانت هذه الكلمات بمثابة الأمل الذي دفعَ بي لتحسين دُميتي، ولو بنسبة بسيطة».

                                           أول صفقة

سعتْ نجود جاهدةً لتحسين جودة دُميتها… وفي أحد الأيام زارتها اثنتان من صديقاتها، واشتريتا مجموعة من دُماها بـ 6 آلاف ريال، تقول: «رغم بساطة الدُّمى، إلا أنّ صديقاتي اشترَين؛ لأنَّ الدُّمى شيء جديد… ودارت الأيام وعزمتني إحدى صديقاتي في عُرسها؛ وكانت المفاجأة عندما شاهدتْ حقي الدُّمى معروضات في الكوشة».

غمرتْ نجود الفرحة لمشاهدتها دُماها هناك، وزادت فرحتها عندما كانت تسمعُ النساء يتساءلن عن صاحبة الفكرة… «زادتْ حماستي، وقررتُ أن أتقن صناعة الحريوة (الدُّمية)؛ فاشتريتُ أنواعًا من الأقمشة الغالية مع اكسسوارات، وشَعْر مستعار (باروكة)؛ حتى أتقنها، وتصبح أجمل».

                                       تطوير الدُّمية

أخذتْ نجود تُطور من مهاراتها، وتبحثُ عن أقمشة الزيّ الشعبي اليمني، وبدأتْ في تطبيقه على دُماها حتى صنعتْ لكلّ محافظة يمنية دُمية تعكسُ الزيّ الخاص بها.

«تراثنا الشعبي غنيّ؛ فكلّ منطقة تشتهرُ بزيّها، وبدأتُ أُطبّق تلك الأزياء، ومنها القمباعي، وهو زيّ تلبسهُ العروس في صنعاء بعد زفافها في يوم الشكمة (حفلة ما بعد الزفاف بأيام)، حيث تظهر المرأة وعلى رأسها قمبع وفستان وذهب واكسسوارات؛ وحاولتُ أنْ أطبّقه لتكون الدُّمية جميلة، وكان صعبًا، لكني حاولت حتى أتقنته».

                                         سرقة الفكرة

تُشير نجود إلى ما تعرضتْ له من سرقة لفكرتها، «الطعنة الأكبر كانت عندما تم سرقة فكرتي من قِبل أحد زبائني؛ ما جعلني أفكّر كيف أحمي فكرتي عن طريق تسجيلها لدى وزارة الثقافة؛ للحفاظ عليها».

                                        أول طلبٍ خارجي

تُعربُ نجود عن شكرها لإحدى قريباتها، والتي كان لها فضل في انتشار دُماها، حيث كانت تشتري منها الدُّمى وتُهديها لرفيقاتها اللواتي كنّ يُسافرن للخارج، ويهدين صديقاتهن هناك.

«كانت أول صفقة إلى خارج اليمن لإحدى قريباتي التي طلبتْ دُمًى لابنتها التي تعيشُ في فرنسا، وكانت هنا في زيارة لأهلها».

وتُشير إلى أنها عمدت لاحقًا للترويج لمشغولاتها عبْر مواقع التواصل الاجتماعي، لتبدأ الطلبات تتزايدُ على الدُّمى من خارج البلد.

لكن كانت الصعوبة في الشحن إلى الخارج؛ نتيجة للحالة التي تعيشها البلاد عقب إغلاق مطار صنعاء الدولي، والحصار؛ جراء الحرب، لذا فقد استغرقت سبعة أشهر حتى وصلتْ أول شحنة إلى الخارج.

«كما كانت فرحتي عندما أرسلت لي الزبونة صورة لتلك الدُّمى، وقد صرن لديها في لندن»، «الآن صنعتُ 300 دُمية خلال سنة، والحمد لله وصلنَ إلى الهند وأميركا ومصر وفرنسا ولندن، بفضله تعالى»، «صحيح أنا لم أسافر، لكن الهُوية اليمينة والزيّ اليمني سافر مع الدُّمى، وهذا أفرحني؛ لأني أريدُ أنْ يعرف العالم تراثنا وزيّنا الشعبي، خصوصًا وأنّ تراثنا غنيّ ومتعدد ومتنوع وأصيل»، تقول.

                                              وبعد،

تدعو نجود الشباب والشابات في اليمن إلى إبراز مواهبهم وإبداعاتهم، والعمل عليها، والاستمرار حتى وإنْ باءت محاولاتهم بالفشل.

«عليهم أنْ يتمسكوا بالإصرار ليتمكنوا من النجاح»، تقول: «ها أنا ذا حققتُ جزءًا من حلمي، وقد وصلتْ الدُّمى التي صنعتها إلى خمس أو ست دول، وأطمحُ أنْ أستمر لِأصل إلى العالمية، بتوفيقٍ من الله».

   
 
إعلان

تعليقات