Accessibility links

إعلان

عبدالباري طاهر*

خير الدين حسيب مفكر قومي وعالم جسّد معارفه وولاءه لشعبه العراق وأمته العربية في نشر الثقافة ودراسة أحوالها ومجمل أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية أثناء عمله في العراق كحاكم للبنك المركزي في عهد الرئيس عبدالرحمن عارف.

قام خير الدين بدعم الخزينة المصرية عقب هزيمة 1967، وكان لهذه الخطوة أثر كبير في الوضع الاقتصادي للبلد المهزوم والمحاصر، والحياة المعيشية.

عمل محاضرًا في جامعة بغداد بعد التخرج من جامعة “كامبردج”، وعمل رئيسًا للمؤسسة الاقتصادية في مرحلة تأميم النفط. ووظف خبرته الاقتصادية وانتماءه القومي لدراسة بناء الأسس للتأميم وتجنب الآثار الناجمة عن التأميم فكانت دراسته هي المدماك الأساس الذي قام عليه قرار التأميم.

كان خيرًا من الرجال الأفذاذ ومن الطاقات والقدرات العلمية الكبيرة التي تُفاخر بها الأمة.

إنه أحد الضمائر القومية والإنسانية التي تركت بصماتها في حياتنا الفكرية والكفاحية طوال عقود السبعينيات من القرن الماضي وما بعدها حتى اليوم، وهي بصمات لن تمحى مدى الدهر فإرثه الفكري وتراثه ومواقفه تملأ الذاكرة، وهي خالدة خلود عشرات الكتب والمجلدات المكرسة لدراسة حال الأمة، ومجمل وأهم أوضاعها العامة.

إصدارات مركز دراسات الوحدة العربية الكاثرة ومجلة المستقبل العربي منارات علمية سامقة وزادٌ معرفي لكل أبناء الأمة في حاضرها ومستقبلها.

دافع عن ثقافة الأمة وتاريخها ونضالها القومي ومستقبلها الديمقراطي وكانت قضية فلسطين وتحررها في أولويات مهام المركز الذي أداره، والدراسات والأبحاث التي أنتجها.

قومية خير الدين الناصرية تميزت بعمقها الإنساني والحضاري بعيدة عن أمراض الطائفية والقطرية وعلل ما قبل عصر الدولة والوطنية.

خير الدين مفكر من طراز نادر المثال فهو على جانب من المعرفة والالتزام بما يعتقد. أفنى حياته دفاعًا عن قضايا الأمة وسيادتها واستقلالها. بالقدر الذي التزم الدفاع عن قضايا التحديث والتنمية والبناء ونشر المعرفة. والتزام نهج الحرية والديمقراطية الغائب.

الكاتب السياسي عبدالله السناوي يرى فيه ظاهرة لا مثيل لها. ويطلق عليه وهو محق، وليس في الأمر مبالغة لقب “أبو القومية العربية المعاصرة ورئيس جمهورية المثقفين العرب”.

للفقيد الكبير ميزتان عظيمتان: المقدرة الفائقة على التسامح والترفع عن صغائر الصراعات الحزبية والقطرية التي دفعت الكثير من مفكري التيارات الحزبية. ووظفتها الأنظمة القطرية والزعامات الحزبية في القمع وإذكاء الصراعات والتكسب منها.

فرغم اعتقاله في العراق وفراره منها إلا أنه قدم أهم دراسة لتأميم النفط بخبرة ومعرفة. وهي الدراسة التي استرشدت بها حكومة البعث، كما أنه إبان الحرب ضد العراق وقف ضد العدوان الثلاثيني.

الأمر الثاني تبنّى نهج وفكر ثورة الـ 22 من يوليو مع الانفتاح على النهج الديمقراطي  واحترام حقوق الإنسان. والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان كعب أخيل في تجربة الثورة العربية وفي التجربة الحزبية يمينية أو يسارية، قومية أو ماركسية. والسؤال المؤرق كيف يمكن الحفاظ على الإرث العظيم الذي تركه الراحل: مركز دراسات الوحدة العربية، ومجلة “المستقبل العربي”، واستمرار النهج العلمي والديمقراطي الذي أرساه؟.

نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق

   
 
إعلان

تعليقات