Accessibility links

إعلان
إعلان

بلقيس محمد علوان*

ككل نهايات الأعوام يجد الأفراد أنفسهم في لحظة مراجعة لمجريات وتفاصيل العام: أفراحهم، وأتراحهم، إنجازاتهم، وإخفاقاتهم، خيباتهم، وآمالهم، ماذا أنجزوا خلال اثني عشر شهرًا مضت؟ وماذا ينوون فعله خلال اثني عشر شهرًا قادمة؟

في اليمن لا يبدو الأمر بهذه السهولة، والقاعدة في ما يتعلق بالماضي، “ليس في الإمكان أحسن مما كان”، وبالنسبة للقادم: “ما بدي بدينا عليه”، وبالفعل تبدو هاتين الجملتين خلاصة تعاملنا مع الواقع: ماضٍ وحاضر ومستقبل، فمن ناحية قليلون أولئك الذين اعتادوا عمل حساب ختامي لعامهم الذي مضى يراجعون ويقيّمون، ويضعون خطة لعامهم الذي سيبدأ، يحددون فيها أهدافًا يسعون لتحقيقها، ومن ناحية أخرى – تعتبر مفروضة على الجميع – أنه لا توجد معطيات واضحة تمكننا من وضع خطة، فضلًا عن أن عمل حساب ختامي للعام الذي مضى أقرب ما يكون للبكاء على اللبن المسكوب والعمر المهدور.

 تنطوي السنوات بسرعة مذهلة وكأن أمنية الفنان الكبير أحمد السنيدار قد تحققت في تفاصيل حياتنا عندما صدح بأغنيته: “ليت والله والأيام ثواني والسنة يوم والشهر ساعة”، لكن السنيدار رأى أن طيّ الأيام بالسرعة التي تمناها سيجعله يصبر على من جفاه أملًا في لقاء قريب، بينما نحن تتسارع أنفاسنا خوفًا من مضي الأيام والأعوام متسارعة لنجد أعمارنا انقضت في ظل أيام ومرحلة أخذت منا ولم تعطنا، أخذت من صحتنا ونفسيتنا ومزاجنا، لدرجة لا نبالغ إن قلنا أن الأعوام من 2011: “ما تنحسبش من أعمارنا” بصوت كوكب الشرق، ولا أدري لماذا أتقمص شخصية أستاذنا صاحب القلم الرشيق والمحترم عبدالله الصعفاني في استدعاء الأمثلة على طريقته.

مع نهاية كل عام نعتقد أن هذا العام كان الأثقل علينا، فهل هي طاقاتنا نفدت؟ أو أن الوضع كذلك فعلًا.

وعلى أعتاب عام جديد نضع آمالًا أن يكون العام الذي يبدأ أحن علينا من سابقه، ونحن نعي جميعًا أن الزمن يمر في كل الأحوال، وأن البشر من يرسمون تفاصيله، ولا يد للزمن في ما يحدث.

حِكم الفلاسفة وكل كلمات الشعراء لم يعد لوقعها ذلك الأثر المحفز، وكل فرد يقف أمام تجربته الشخصية وينظر لتفاصيلها ويستخلص منها، أو قد يتجاهل كل التفاصيل ويعيش كمسافر على سفينة تمضي به حيثما كان.

شخصيًّا ومنذ سنوات كنت قد أقلعت عن عادة التخطيط للعام القادم، وقررت التعامل مع الأمر الواقع والعيش تحت بند ما يستجد من أعمال وتكييف نفسي مع معطيات الواقع، لكنني هذه المرة متحمسة لوضع خطوط ومجموعة أهداف ليس بالضرورة أن تكون معلنة، وقد أصبح عدم إعلان الأهداف أحد نصائح مدربي التنمية البشرية، كما لا يهم أن تكون خارقة وعظيمة، وها أنا أقف من 2022 وقد خرجت بخبرة أحببت أن أشاركها، فقد تعلمت منها الكثير، وها هي تنتهي وأنا أكثر رضا وتصالحًا مع نفسي من أي وقت مضى، فماذا علمتني 2022؟ 

علمتني أن الوقت المناسب قد لا يأتي، علمتني أن الوقت المناسب للبدء هو فورًا وأن قليلًا من العمل المستمر مهما كان بسيطًا بمرور الوقت يصبح إنجازًا ويُحدث الفرق، عملتني ألّا أتوقف، أنْ أفعل شيئًا دائمًا، علمتني أن أكون أكثر رفقًا بنفسي، فإذا كان الله عز وجل لا يكلفنا إلا وسعنا فلماذا أكلف نفسي فوق طاقتها، وخصوصًا في ظل ظروف أقل ما يقال عنها إنها غير مواتية، علمتني ألا أنسى نفسي، ولا بد أن أمنحها شيئًا من فرح مهما كان بسيطًا ويكاد لا يُذكر، أشياء بسيطة قد تمنحنا سعادة لو لم تكن إلا الجلوس بهدوء والاسترخاء والاستماع للذات، نعم نحتاج أن نستمع لأنفسنا، ونطبطب على أرواحنا ونواسيها فما علينا هو أن نسعى ونحاول، نطرق بابًا آخر، أو نسلك سبلًا أخرى، فدائمًا هناك أمل وهناك ضوء وفرْق يحدث، والاستمرار بحدّ ذاته نجاح، علمتني أنه برغم كل الصعوبات وشحة الإمكانيات، وضيق الأفق هناك أشياء نستطيع أن نعملها في كل الأحوال كأن نقرأ ونقرأ ونقرأ، أن نتعلم أشياء جديدة نتدرب ونكتسب مهارات جديدة، وخبرات قد تفتح لنا طريق.

علمتني 2022 ألا أركن أو أعتمد على أحد، لا أنتظر من دولة مختطفة شيئًا، لا أتوقع من أحد أن يكون أكثر حرصًا عليّ أو على مصلحتي أكثر مني، وما لن أفعله لنفسي لن يقوم به أحد عني أو لي، وأعرف في هذه اللحظة أن هناك من يقول ما أسهل الكلام، لكن في الحقيقة لا يجب أن نتجاهل الكلام فهو أساس ومقدمة كل ما نقوم به وكل ما نقرر عدم القيام به، وشخصيًّا يعلم الله وحده كم كانت 2022 صعبة وثقيلة وكم من الألم فيها، ولكن بالمقابل بالنسبة لي كانت مثالية في الإنجاز والتصالح مع الذات قياسًا على أعوام كانت معطياتها مواتية أكثر لإنجازات وأعمال، ولكنها مضت بأقل القليل، وإن كان من جملة أقولها قبل دخول 2023 لنفسي وللآخرين:

في غياب الدولة وفي ظل وطن مختطف كن أنت لنفسك الدولة والوطن، بما تستطيع، فالله وحده من يسيّر الكون على كل حال، ومن هذا الكون البقعة الصغيرة التي كتبها لنا وطنًا، لا تجعل العام يمر دون أن تفعل شيئًا، ولم لوم يكن إلا الحفاظ على صحتك النفسية والعضوية وتماسك أخلاقك وقيمك التي عشت بها مرفوع الرأس بلا تنازلات، لكن الأروع أن تقرر إلا ينقضي 2023 إلا بإضافات جديدة، من تأهيل وتدريب وبناء قدرات قد لا نستفيد منها الآن، لكننا سنحتاجها اليوم أو غدًا، والتغيير والتحول سنة الله في كونه، والعالم لا يتوقف فلا ينبغي أن نتوقف، والتغيير يبدأ من ذواتنا، وكل شخص هو الأقدر على تغيير نفسه والإقلاع عن عاداته وسلوكياته السيئة، سلبياته، هفواته، ترميم علاقاته مع نفسه ومع الله ومع من حوله، أما البكائيات فقد جربناها ولم يتغير شيء، ونحن أمام خيار إما أن نتغير وعنده سنغير واقعنا، أو أن نستمر في البكاء!

* أكاديمية وكاتبة يمنية.

   
 
إعلان

تعليقات