Accessibility links

تجارة الملابس المستعملة في اليمن: من أين تأتي وكيف تُدار سوقها؟


إعلان
إعلان

صنعاء – “اليمني الأميركي” – محمد الصباحي:

«أيّ قطعة بـ 500 ريال فقط  يا بلاشاااااه» عبارة ترددها أصوات بائعي أكوام الملابس المستعملة المتراكمة على رصيف شارع عبدالمغني في منطقة التحرير، وسط صنعاء (شمال اليمن).

لم يعد الفقراء وأصحاب الدخل المحدود وحدهم من ينبش في تلك الأكوام من الجاكيتات والقمصان والبناطيل، فبجانبهم صار آخرون تبدو عليهم الراحة المادية، وتستغرب من تواجدهم أمام تلك الأكوام من الملابس المستعملة.

حاجة بألف عذر

علي السنباني، موظف في شركة خاصة، يرتدي ملابس أنيقة، يقول: «بعد أن أنهي عملي اعتدت أن أقوم بمرور خاطف لهذه  البسطات علّني أجد ما يستهويني».

يفسر السنباني لـ “اليمني الأميركي” سر مروره أمام أكوام الملابس المستعملة قائلاً: «كما ترى أرتدي بنطلون جينز وقميصًا يحملان ماركات عالمية اشتريتهما وبسعر زهيد جدًّا لا يتعدى 1500 ريال، ما يعادل 2.5  دولار».

أصبحت أكوام الملابس المستعملة المنتشرة في بعض مناطق صنعاء متنفسًا للكثير من الأسر اليمنية، خاصة في مثل هذه الظروف المادية القاسية جراء الحرب، وما نتج عنها من انقطاع الرواتب وفقدان الوظائف.

أم محمد (ربة منزل)، تقول: «أحرص على اقتناء القطع السليمة والنظيفة من ملابس الأطفال الشتوية، جاكيتات وبجامات، حيث أوزعها على الفقراء والمساكين». 

 

شتاء لا يرحم

النساء والأطفال في الأحياء ذات الكثافة السكانية العالية هم أكثر الفئات شراء للملابس الشتوية منذ بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول، هكذا اتفق غالبية من استطلعت “اليمني الأميركي” آراءهم من أصحاب محلات بيع الملابس المستعملة.

مجاهد الذماري (42 سنة) صاحب محل في شميلة (حي شعبي بكثافة سكانية عالية) جنوب صنعاء، يقول: «نبيع الملابس المستعملة على مدار السنة، وبضاعتنا مطلوبة من جميع الأعمار خاصة في الشتاء».

وأضاف الذماري: «الملابس القطنية تناسب الأطفال، وتُقبل النساء على الأرواب والعباءات الخليجية؛ لأنها بضاعة جيدة ونظيفة، وأيضًا هروبًا من غلاء المولات والمراكز الكبيرة».

 

تجارة البالة

تُعد البسطات المنتشرة في أرصفة الشوارع ومداخل الأحياء الشعبية وجِهات أخرى لشراء الملابس المستعملة بأسعار تبدأ من 200 ريال حتى 1500 ريال يمني (الدولار الأميركي يساوي في صنعاء 530 ريالاً).

رداد عبدالله (15 سنة) أحد البساطين يقول: «تأتينا هذه البضاعة داخل أكياس مضغوطة نسميها (بالة)، ونعمل على إخراجها وتوزيع كل قطعة حسب نظافتها وجودتها، ثم نضع السعر المناسب لها».

يتم جلب الملابس المستعملة عن طريق تُجار يطلق عليهم (تُجار البالة)، وهي ملابس من ماركات متنوعة ومشهورة عالميًّا، وتتفاوت درجة جودتها، فمنها ما يُعرف بالكريمة (مصطلح يطلق على أعلاها جودة)، وهي ملابس تم ارتداؤها مرة أو مرتين قبل التخلص منها أو بيعها.

آلية شراء الملابس يوضحها الذماري لـ”اليمني الاميركي”: «نقوم نحن أصحاب المحلات والبسطات بجمع المال، حيث نتعامل مع مستوردين (تُجار البالة) لديهم تراخيص، ونشتري منهم البضاعة التي نبيعها».

«البضاعة التي تأتينا لا نعلم شيئًا عن حالتها، نحن وحظنا، فبعضها تأتي بحالة جيدة جدًّا، وبعضها تأتي رثة ومقطعة، ثم نقوم بكيّها وترتيبها وتبخيرها قبل عرضها للبيع»، وفق أحد أصحاب المحلات متحدثًا لـ “اليمني الأميركي”.

 

أصلي ونظيف

تجارة الملابس المستعملة ليست وليدة اللحظة أو أتت بدواعي الحرب الراهنة، بل هي تجارة قائمة منذ عقود في اليمن، إلا أن الإقبال عليها زاد خلال الحرب، ولهذه التجارة أماكن للعرض والبيع تُعرف بـ(الحراج). 

عابد منصور، مستورد ملابس مستعملة، ومدير حراج الحصبة (شمال صنعاء)، يقول: «أغلب ما نستورده جديد، أو ما يعرف بـ (ستوكات)، وهي ملابس جديدة في الأصل، وماركات عالمية، لكنها تصفية محلات ومولات ومصانع».

ويضيف عابد: «ما يتم استيراده من الملابس يأتي إلينا على شكل بالات (أكياس كبيرة مضغوطة) نظيفة ومعقمة وبعضها في كراتين ذات أوزان مختلفة وأسعار مناسبة».

الجهات الرسمية في المناطق التي تسيطر عليها جماعة “أنصار الله” الحوثيين (شمال ووسط اليمن) ممثلة بوزارة الصناعة والتجارة، ألزمت تُجار البالة بضوابط قبل منحهم تراخيص دخول بضاعتهم البلد، مما أثار ثورة غضب لديهم، ومنهم عابد منصور.. موضحًا: «أغلب هذه الإجراءات تعسفية، حيث تُحجز قاطراتنا في المنافذ الجمركية بحجة عدم وصول أوراق الترخيص مما يسبب انبعاث روائح جراء الحرارة». 

«نظام البالة عالمي تأتي فيه البضاعة نظيفة ومعقمة ومراقبة صحيًّا بشهادات معتمدة من بلد المنشأ، كما أن هناك مغاسل معتمدة ومعترفًا بها في دبي والسعودية»، يضيف تاجر آخر متحدثًا لـ “اليمني الأميركي”.

 

إجراءات وضوابط

فؤاد هويدي، الوكيل المساعد لقطاع التجارة الخارجية بوزارة الصناعة والتجارة قال: «تراجعنا عن قرار منع استيراد الملابس المستعملة بعد اعتراضات داخلية من التجار وخارجية من البنك الدولي وصندوق النقد، فأصبحت تجارتها عالمية لا يمكن منعها ما دامت تخضع للنظافة والتعقيم».

ويضيف هويدي: «مع ذلك وضعنا غرامات تصل إلى 30% على المخالفين من الموردين، مؤكدين ضرورة توفر شروط السلامة الصحية مدعمة بشهادات معتمدة».

ويوضح هويدي لـ”اليمني الأميركي” الآلية التي يتبعها قِطاع التجارة الخارجية، «نقوم بالنزول الميداني المفاجئ للمخازن، ونفتح عينات للتأكد من نظافتها وتعقيمها، وعدم انبعاث روائح، كما نمنع توريد الملابس الداخلية والجوارب والأحذية؛ لأنها أكثر عرضة للأمراض».

«بضاعتنا تأثرت ماديًّا نتيجة هذا الوضع، حيث ندفع مبالغ مضاعفة، مما اضطرنا لرفع أسعار القطع من الملابس» هكذا برر أحد تُجار الملابس المستعملة لـ “اليمني الأميركي” سبب ارتفاع أسعارها في السوق اليمنية خلال السنوات الأخيرة.

 

التهريب مستمر

يتم إدخال الملابس المستعملة إلى اليمن عبر أساليب وطرق تهريب بعيدًا عن المنافذ الجمركية البرية، التي تتشدد في الحصول على التراخيص والشهادات الصحية، ما يضاعف من الأعباء المالية، ويرى التجار أنها (تعسفية) يضاف إليها تكلفة النقل والمواصلات.

فيما يوضح هويدي: «يعمدُ بعض التجار إلى إدخال بضاعتهم عن طريق سائقي القاطرات، ولذا نقوم بفرض غرامات على المحلات التي ليس لديها سجل تجاري، ونلزمهم بتحديد مكان ومخازن بضاعتهم». 

 

ملابس بدرجة “ستوك”

صاحب أحد محلات ملابس (ستوك) كتب على دفتي بابه (كل قطة بـ 2500 ريال)، وهي ظاهرة انتشرت في صنعاء، ويتوفر من هذه الملابس مقاسات واحدة وألوان واحدة، وذات أسعار مخفضة عن الجديد، ويصفها كثير من التجار بأنها تأتي نتيجة التصفيات النهائية للمولات والمجمعات التجارية أو بقايا منتجات المصانع والمخازن والمحلات والتوكيلات في الخارج.

محمد عرفات (25 سنة) بائع لهذا النوع من الملابس يقول: «المراكز الكبيرة هي التي تستفيد من بضاعة ستوك أكثر من المحلات الصغيرة، وهي بضاعة جديدة عليها تكيت، ومن دون قراطيس (غلاف بلاستيك) وماركات عالمية».

ويضيف عرفات: «تلجأ بعض المحلات إلى بيع ما تبقى من ملابس بضاعة الموسم الماضي بسعر أقل، وتعرف بملابس (الأوتليت)، وهي أقرب لملابس ستوك».

من الأسواق العالمية التي تستورد منها السوق اليمنية هي الدول الأوروبية وتركيا وبنغلاديش ودول الخليج، وهذه الدول بضاعتها بجودة عالية، ثم تأتي الصين وكوريا والهند في المرتبة الثانية، وفق مصادر في سوق صنعاء. 

 

مرض جلدي!!

الملابس المستعملة في اليمن يراها البعض خطرًا يهدد الصحة والبيئة.. يقول دكتور ماهر المريش، عضو الجمعية العالمية والأوروبية لأمراض الأطفال الجلدية، موضحًا لـ”اليمني الأميركي” إن «البكتيريا الموجودة على هذه الملابس تكون شديدة المقاومة للمضادات الحيوية، وبالتالي إذا لم يتم معالجتها ستبقى الجراثيم، وتسبب الأمراض الجلدية، وتبعث أبخرة سامة في حالة تعرضها للحريق».

ويضيف المريش: «يجب تخزين الملابس المستعملة في مكان بارد لمدة 48 ساعة ثم غسلها بالمطهر والماء الدافئ واستخدام مكواة ساخنة على الجانبين، كما تسبب الملابس المستعملة التي عُقمت بمواد كيميائية في تفاقم الأكزيما (حالة مزمنة من جفاف الجلد تسبب حكة واحمرارًا للبشرة) للأشخاص المصابين بها». 

 

أخيرًا

حسب وزارة الصناعة والتجارة في صنعاء، فإن قيمة ما كان يتم استيراده من الملابس المستعملة قبل الحرب لا يتجاوز مليونيّ دولار في السنة، بينما ارتفع بشكل ملحوظ خلال الحرب إلى أربعة ملايين دولار.

   
 
إعلان

تعليقات