Accessibility links

إعلان

وجدي الأهدل*
مُنح البنغلاديشي محمد يونس جائزة نوبل للسلام عام 2006 لدوره المؤثر في محاربة الفقر في بلاده.

فكرة محمد يونس بسيطة وعملية في الوقت نفسه: أسس عام 1979 بنك غرامين – القرية – الذي يُقدم قروضًا صغيرة للفقراء دون فوائد، ويتم تسديد تلك القروض على دفعات أسبوعية متواضعة.

لقد تنبّه محمد يونس إلى أنّ المعدمين الذين يعيشون تحت خط الفقر، بحاجة إلى مبلغ زهيد، لكي يبدؤوا مشروعًا ما يُدِر عليهم دخلاً ثابتًا ينتشلهم من دائرة العوز الجهنمية. وهذه التجربة التي نجحت في بنغلاديش، وحسَّنت أوضاع الفقراء هناك، نحن في اليمن أحوج إليها من غيرنا، فبسبب الحرب انتشر الفقر في اليمن إلى حدٍّ مفجع، وليس خافيًا أنّ الملايين من الموظفين اليمنيين في القطاعين العام والخاص قد فقدوا وظائفهم أو انقطعت رواتبهم، فوجدوا أنفسهم ينحدرون إلى الطبقة الفقيرة، أو حتى تحت خط الفقر.

علينا أنْ نكون مهمومين بالعائلات اليمنية التي فقدت مُعيلها بسبب الحرب، وأنْ نفكر بأوضاع الأرامل والأطفال الذين فقدوا سندهم المادي.

تذكُر الإحصائيات أنّ عدد قتلى الحرب في اليمن تجاوز رقم ثلاثمائة ألف قتيل، ونحن نُقدِّر أنّ هناك عددًا مماثلاً من المصابين الذين أصيبوا بعاهات تُقعدهم عن العمل، ولن نتطرق إلى الذين أصيبوا بأضرار نفسية متفاوتة، تجعلهم غير قادرين على الاستقرار في عملٍ ما، وهم كُثر، وما من إحصائيات تذكرهم.

نحن أمام وضعٍ إنساني يتطلبُ تحركًا عاجلاً لمساعدة هؤلاء المتضررين من الحرب، الذين يشكّلون تقريبًا نسبة 80% من السكان، والعمل ليل نهار لمحاصرة رقعة البؤس حتى القضاء عليها.

ما تقوم به المنظمات الدولية من توزيع للمساعدات العينية أمر جيد، ولكنه لا يحل مشكلة العوز من أساسها، كما أنها لن تستمر إلى ما لا نهاية في تقديم المساعدات، وسيأتي يوم وتتوقف فيه عن تقديم العون لأولئك المحتاجين.

الحل الصحيح الذي سيحفظ لـ 80% من الشعب اليمني كرامته هو إنشاء بنك غير ربوي، يُقدّم القروض للفقراء دون فوائد، ويمكن في المرحلة الأولى الاقتصار على إقراض النساء الفقيرات، كون المرأة اليمنية أكثر جدّيةً والتزامًا من شقيقها الرجل، الذي قد يصرف أموال القرض على شراء القات. وحتى محمد يونس عندما أنشأ بنك غرامين حصر القروض على النساء في البداية، وكان قراره صائبًا كما اتضح لاحقًا، ربما لأنّ المرأة تشعر أكثر بالمسؤولية، ومستعدة للكفاح بأقصى طاقتها لإطعام أطفالها.

ويمكنُ للنساء الفقيرات الحصول على القروض بإحضار البطاقة الشخصية فقط لا غير، فإذا تعذّر ذلك، وهذا شائع، حيث معظم النساء اليمنيات في الأرياف ليست معهن بطاقات هوية، يمكن الاستغناء عن البطاقة الشخصية، وقيام عدد من سكان القرية أو الحارة بالتعريف بالمرأة التي تطلبُ القرض، وأنْ يكون تسديد القرض بضمانة جماعية.

وهي طريقة تكافلية، حيث يمكن لعشر نساء في قرية واحدة، الحصول كلهن على قروض، وفي الوقت نفسه يشكّلن مجموعة ضامنة تلتزمُ بتسديد القروض.

يمكنُ أنْ يكون المبلغ النموذجي للقرض يتراوح ما بين 50 – 70 دولارًا، أي ما يُؤمِّنُ شراء ماكينة خياطة مثلاً.

وأنْ يستهدف البنك في عامه الأول إقراض عشرة آلاف امرأة فقيرة، في عموم مدن وأرياف اليمن، وهذا يعني مبدئيًّا أنّ البنك سوف يصرف حوالى سبعمائة ألف دولار في السنة الأولى، وبالإضافة إلى نفقات تشغيلية وأرصدة احتياطية، فإنّ البنك يمكن أن يبدأ برأسمالٍ قدره مليون دولار أمريكي، مع التوسع التدريجي في عدد القروض المقدمة، ورفع مبالغ القروض بحسب احتياجات النساء الفقيرات، بحيث تكون هناك مرونة في نظام القروض.

كذلك يمكنُ للمرأة التي أخذت قرضًا وسددته بالكامل، أنْ تُقدّم للحصول على قرضٍ مرةً أخرى، ويمكن أنْ تُعطى قرضًا أعلى من سابقه، بنسبة 50% مثلاً، لمساعدتها على تطوير مشروعها.

هناك العشرات من المهن التي يمكن للمرأة اليمنية أنْ تُتقنها، ولكنها تحتاج إلى دورات تدريبية مجانية لكي تتمكن من ممارسة العمل بإتقان. لذلك إقراض المال وحده لا يكفي.. وهنا يمكن لجهات أخرى أنْ تساهم في إقامة الدورات التدريبية، مثل الصندوق الاجتماعي للتنمية، وفتح مجالات جديدة للعمل أمامهن، مثل إصلاح الهواتف المحمولة واللابتوبات، وهي مجالات حصرية على الرجال حتى الآن.

نحن نمتلك التعليم النظامي المدرسي، الذي يتراجعُ مستواه منذ سنوات بسبب الحرب، وبالإضافة إليه نحن بحاجة إلى شبكة واسعة من التعليم الجديد، يتمثلُ بدورات تدريبية تشمل معظم المجالات العملية، بما في ذلك كيفية العناية بالأبقار والماشية وبيطرتها، وتربية النحل، وصُنع الحلويات والمعجنات، وتركيب العطور، وصناعة البخور.

ونأتي إلى السؤال المهم: من أين يحصلُ بنك الفقراء على رأسماله؟ لقد أقامت الدولة اليمنية عدة صناديق تعتمد في مواردها على فرض ضرائب بنسبة بسيطة على الجمارك والسجائر والإسمنت ونحو ذلك، ورغم الإيرادات المالية العالية التي تحصل عليها هذه الصناديق، فإنّ مردودها على المعنيين يكادُ لا يُذكر.. ولذا فإنه يجبُ الحذر من تولّي أيّ جهة حكومية الإشراف أو التدخل في عمليات بنك الفقراء. والصواب هو أنْ يحصل البنك على تبرعات من رجال الأعمال اليمنيين، ومن البنوك اليمنية، ومن الشركات الكبيرة والمتوسطة، ليُكوِّنَ رأسماله ويبدأ نشاطه.

ويُفترض أنْ يتم افتتاح الفروع الأولى للبنك في مخيمات النازحين. وكم سيكون مضحكًا للغاية أن تجدَ فروعًا لهذا البنك في الأحياء الراقية! يجبُ أنْ يذهب هذا البنك إلى الأحياء الأكثر بؤسًا في المدن اليمنية، ويجبُ أنْ يرحل موظفو البنك إلى القرى والأرياف للبحث عن النساء المحتاجات لمبلغٍ بسيطٍ يبدأن به مشروعًا ما. بالإضافة إلى تنظيم دورات في تربية النحل والعناية البيطرية بالأبقار والماشية وصُنع الجبن… إلخ.

يُفترض أنْ يساعد رجال الأعمال اليمنيين في هندسة الأسواق، بحيث يتم استيعاب منتجات الفقراء ضمن آلية تجارية مربحة، فلا يتوقفون عن الإنتاج نتيجة لاكتظاظ السوق بالمنتجات أو ركودها، ومن ذلك على سبيل المثال شراء تلك المنتجات بأسعارٍ معقولة وتسويقها في المدن والمحافظات، وتصدير الفائض إلى الخارج.

هكذا نصلُ إلى ثلاث نقاط يجبُ على الطبقة اليمنية المقتدِرة ماليًّا أنْ تسعى إلى تحقيقها لكي يتوازن المجتمع وينهض البلد ككل، وهي: تقديم قروضٍ صغيرة للفقراء دون فوائد، التدريب المجاني، شراء منتجات الفقراء وتسويقها.

يعتز اليمني بكرامته وشموخه، ولا يقبل الذل والحط من شأنه، وهذه الصفات الإيجابية المتوارثة جيلاً بعد جيل منذ آلاف السنين يجبُ ألّا نفقدها بسبب الحرب التي نشرت الفقر وشبه المجاعة، ولعلّ تأسيس بنك يقرض الفقراء دون فوائد، هو السند والسبب الذي سيوفّر لملايين اليمنيين واليمنيات العيش الكريم والاحتفاظ بكرامتهم.

*روائي وكاتب يمني.

   
 
إعلان

تعليقات