Accessibility links

إعلان

فكري قاسم*

إنها لمكافأة رديئة للثورة وللجمهورية وللوحدة أن نعيش حياتنا كلها، ونحن نتقاتل من أجل الثورة والجمهورية والوحدة !

ما الذي جنيناه خلال الـ60 سنة الفائتة من ميلاد الجمهوريتين، شمالاً وجنوبًا، غير أننا منذ أحداث أغسطس الدموية 1967 صرنا أصحاب «مطلع» وأصحاب «منزل».

ومن بعد أحداث 13 يناير 1986 صرنا “طٌغمة” وزمرة، ومن بعد 7 يوليو البائس سنة 1994 صرنا “دحابشة” و”انفصاليين”.

وخلال حروب صعدة الطاحنة وما تلاها حتى الآن خلال سنوات الحرب الثمان، خربنا البلاد وعدنا «مُعردسين» بها إلى خانة المذهبية، وخسرنا الوعي الوحدوي شمالاً وجنوبًا، يا للأسف.

قادة المعسكرات المنتصرة في فك حصار السبعين يومًا، تم تصفيتهم سريعًا، وقيل لنا إن ذلك تم من أجل المصلحة العليا، وحفاظًا على وحدة الصف..!

المواجهات الدموية بين جبهة التحرير والجبهة القومية بعد الاستقلال مباشرة، هي الأخرى قيل إنها تمت من أجل المصلحة العليا وحماية وحدة الصف.

60 سنة من عمر الثورة والجمهورية وشوية، وثلاثة عقود من عمر الوحدة، وعقدين واحنا نتحارب، ويقال لنا بأن ذلك يتم من أجل المصلحة العليا للبلد، بغض النظر عن الأذى الذي ألحقته بنا الحروب.

أسألكم بالله، نتضارب ونتقاتل ونتحارب على أيش طيب؟

اقتصاد البلد تعبان والوضع منيل بستين نيلة، وأصبحنا بين الأمم مجتمعًا مليئًا بالضغائن !

نتحارب على أيش؟ وعجلة التنمية تسير بأقدام سلحفاة، ومعدل سنوات الهدوء والسلم تبدو ضئيلة جدًّا، مقارنة بمعدل سنوات الحروب.. الحروب التي تقرح دائمًا تحت مسميات حماية الثورة والجمهورية والوحدة، والحفاظ على وحدة الصف!

تلك هي ألاعيب الصبيان التي خسرت البلد طاقتها وخيرة أبنائها، ولا أعرف متى ستهدأ هذه البلد؟!

بين فرنسا وألمانيا سفكت أثناء الحرب العالمية دماء للركَب، وبين البلدين الآن من الشراكة والحب ما يكفي لأن نخجل من أنفسنا كأبناء بلد واحد.

علينا جميعًا أن نخوض حروبًا أخرى وبطريقة معينة، نحن إلى الآن لم نخض حربًا واحدة من أجل الحب والبناء والتنمية والسلام.

لدينا مخزون سيئ من الذكريات عمومًا، وكل جماعة هنا تصل إلى السلطة تتفرعن، ويصير في اعتقادهم أنهم أسياد هذا الكون، في حين أنهم – أصلاً – مخلوقات ناقصة ولا تتمتع ببعد النظر والحكمة الكافيين ليروا عواقب ما فعلوه بنا كشعب.

لدينا جرحى حرب بالآلاف، وشهداء حرب بالآلاف، ولدينا مقابر كلها مزدحمة بجثث وبجماجم اليمنيين أنفسهم! امتلأت السجون والمعتقلات بأنين اليمنيين أنفسهم.

لدينا رصيد حافل لمجانين يمنيين فقدوا عقولهم في معتقلات تعذيب يمنية صرفة، وأصبح لدينا الآن شعب محبط وبلا حلم، وقيل لنا إن ذلك كله حدث ويحدث حفاظًا على وحدة الصف..!

قيادة وشعب وعسكر ومسؤولون وتجار حرب ورجال دين، تعالوا جميعًا لنخجل من أنفسنا قليلاً.. حروب الحفاظ على المصلحة العليا دمرت قلوب الناس، وتقود البلد دائمًا إلى أسفل سافلين.

وإنه لجدير بنا أن نحمي الجمهورية والثورة والوحدة بالمواطنة المتساوية، مُش بـ«العيفطة» أو بخرافة القوة وبالحنين إلى لحظات سيئة من التاريخ.

وإنه لمن المعيب علينا، كشعب له حضارة وإرث، أن نقضي بقية حياتنا على هذه الحالة القصوى من الاستنفار، البنادق مصوبة إلى رؤوس بعضنا بعض، والأصابع ترتجف على الزناد.

*كاتب يمني ساخر.

   
 
إعلان

تعليقات