Accessibility links

النساء ذوي الإعاقة في اليمن: معاناة قاسية خلف الأسوار


إعلان

صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي:
تكابد النساء من ذوي الإعاقة في اليمن (بالإضافة لكونهنّ نساء) معاناة مركّبة من التمييز والإهمال، وغياب حقوقهن في الرعاية الصحية والتعليم والزواج والميراث والعمل، وغيرها من الحقوق الأساسية للعيش الكريم، فيما ضاعفت الحرب من واقع تلك المعاناة بما ألقته من تحديات وأعباء على كاهلهن في ظل محدودية مراكز الرعاية والتأهيل الخاصة بهن، إلى جانب تدني الوعي المجتمعي في التعامل معهن كشريكات فاعلات في المجتمع، لا عالة.  

بسبب عدم تقبّل الزوج وأهله لإعاقتها الحركية، لم يدم زواج مرام، اسم مستعار، (27 عامًا)، أكثر من عامين، تعرضت خلالهما لمعاملة قاسية من تعنيف لفظي وتعذيب نفسي، بما في ذلك نظرات الانتقاص.
قبل أن تستوعب محنة طلاقها، وجدت (مرام) نفسها منطوية ومنكسرة في منزل والدها مع طفلتها رويدا (6 أعوام)، التي تنصل والدها عن حقوقها، ومحملة بذكريات مريرة، وأحلام مقيدة بمواصلة التعليم والعودة للاندماج بالمجتمع بفعل الوضع المعيشي الصعب، وغياب الدعم، وانسداد الأفق.

 «ليس من السهل على المعاق أن يجد شريكًا حياتيًّا، بالذات المرأة، حيث تظل نظرة المجتمع القاصرة بأنها غير صالحة للزواج، تحاصرها، وإذا تزوجت يكون من نصيبها إما شخص فاشل، أو رجل طاعن في السّن، أو رجل رفضته كل النساء، وكأنها ليست بشرًا، ولا يحق لها العيش مع شريك مناسب»، تقول مرام لـ”اليمني الأميركي”.

احدى صالات التأهيل في جمعية التجدي -صنعاء

 

تقديرات منظمة العفو الدولية تؤكد أن نسبة المعاقين في اليمن تصل إلى 15 % من إجمالي السكان المقدر عددهم بنحو 30 مليون نسمة، أي ما يقارب أربعة ملايين ونصف المليون معاق.

 

التعليم

لا توجد إحصائية رسمية لعدد اليمنيات اللاتي يعانين إعاقة سواء حركية أو ذهنية أو غيرها، لدى الجهات المختصة، إلا أنّ تقديرات منظمة العفو الدولية تؤكد أن نسبة المعاقين بشكل عام في البلد تصل إلى 15 % من إجمالي السكان في اليمن، المقدر عددهم بنحو 30 مليون نسمة، أي ما يقارب أربعة ملايين ونصف المليون معاق، الأمر الذي يجعل حرمان المعاقين، وبالأخص النساء، من التعليم إهدارًا لطاقات شريحة واسعة من المجتمع وإغلاقًا لبوابة رئيسية لعبور المعاقات أسوار العزلة والتفاعل مع المجتمع من منطلق القدرة.

عوضًا عن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه عائلات أغلب المعاقات، تُرجع الجمعيات والمراكز العاملة في مجال رعاية وتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة حرمان معظم المعاقات اليمنيات من حقهن في التعليم بمراحله المختلفة، لكثير من الأسباب، أبرزها: محدودية المدارس والمراكز التعليمية الخاصة بالمعاقات في البلد، وتوقف بعضها بسبب الحرب، وضعف الإمكانيات، فيما يُمثل تنفيذ التعميم الصادر، مؤخرًا، من صندوق رعاية وتأهيل المعاقين بصنعاء لتلك الجمعيات، والذي ينص على دمج طلاب تلك المراكز (المرحلة الأساسية من فئات إعاقات مختلفة)، بالمدارس الحكومية والأهلية للعام الدراسي 2020/ 2021، دون تطبيق برنامج لتهيئة تلك المدارس لاستقبال المعاقين، خطوة غير مدروسة، وتهربًا من المسؤولية، حسب المختص الفني والأكاديمي لجمعية التحدي لرعاية المعاقات، د. تميم الباشا لـ”اليمني الأميركي”.

ويوضح الباشا، «أنّ قرار الدمج حسب التعميم، لم يستند إلى أسس علمية تُراعي خصوصيات الإعاقات وما تستلزمه من تقديم برامج رعاية وتأهيل متنوعة مصاحبة لبرامج التعلم، ولا لدراسة منطقية تأخذ بالاعتبار إمكانيات تقبّل الأطفال المعاقين في تلك المدارس، التي تفتقر لأبسط مقومات التأهيل كإمكانية الوصول، والمعلمين المتخصصين، والمرشدين النفسيين على سبيل المثال».

إزاء ذلك يعلّق المسؤول الإعلامي لصندوق رعاية وتأهيل المعاقين بصنعاء حسن عردوم، قائلاً لـ«اليمني الأميركي»: إن «التعميم ما زال في إطار التشاور بين الصندوق والجمعيات، ولن يتم العمل به إلا بعد استيعاب الملاحظات وأخذ المعالجات»، مؤكدًا أن الصندوق لن يقْدم على أيّ خطوة إلا وفقًا لمصلحة المعاقين، وبتوافق ممثليهم في الجمعيات والمراكز المتخصصة.

 

جمعية التحدي لرعاية المعاقات: يُمثل تنفيذ التعميم الصادر، مؤخرًا، من صندوق رعاية وتأهيل المعاقين في صنعاء، والذي ينص على دمج الطلاب المعاقين بالمدارس الحكومية والخاصة دون تطبيق برنامج لتهيئة تلك المدارس، تهربًا من المسؤولية.


التمييز والحرمان

التمييز ضد النساء من ذوي الإعاقة لا يقتصر على حرمانهن من التعليم فقط، فحتى العاملات منهن يتعرضن للتمييز وعدم تقدير ما يبذلنه من جهد، بحسب فاطمة الشرفي (مكفوفة جزئيًّا)، تعمل في الهيئة العامة للبريد، والتي تشكو من بقائها طيلة سنوات العمل في نفس درجتها الوظيفية لكونها مكفوفة، بينما تم ترقية زملائها على الرغم من أنها تمتلك مؤهل (بكالوريوس لغة إنكليزية)، وأسبقية في سنوات العمل.

«مهما بذلنا من جهد سنظل بنظر الجميع أشخاصًا غير مؤهلين»، تقول فاطمة لـ “اليمني الأميركي”.. مشيرة إلى عدم توفر أيّ تقنيات تساعدها في العمل كالبرامج الحاسوبية الخاصة بالقراءة للمكفوفين.

فيما تؤكد مسؤول التدريب والتأهيل في المركز الثقافي للمكفوفين التابع لـجمعية الأمان للكفيفات، مروى الحباري، أن القوانين واللوائح تنص على أن إيجاد فرص عمل مناسبة للمعاقات سواء في القطاع العام أو الخاص مسؤولية الدولة، موضحة أن مبادرات القطاع العام بشأن عمل المرأة المعاقة ما تزال متواضعة وغير مشجعة، بينما تختفي تمامًا مبادرات القطاع الخاص، حد تعبيرها.

 

مروى الحباري: مبادرات القطاع العام بشأن عمل المرأة المعاقة ما تزال متواضعة وغير مشجعة، بينما تختفي تمامًا مبادرات القطاع الخاص


معاقات ونازحات

تسببت الحرب الدائرة في البلاد بإدراج أكثر من 92 ألف شخص في سجلات الاتحاد الوطني لجمعيات المعاقين اليمنيين، وإغلاق وتعطيل أكثر من ثلاثمائة مؤسسة من مؤسسات ذوي الإعاقة تأثرت مباشرةً بالقصف الجوي والصاروخي أو الاعتداء والحرق والنهب من قِبل بعض الجماعات المسلحة، بحسب تقرير للمركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة، وهو الأمر الذي أكده تقرير لمنظمة العفو الدولية عام 2018، حول حياة الأشخاص ذوي الإعاقة وسط النزاع في اليمن، حمل عنوان “مستبعدون”، مشيرًا إلى أنّ النزوح من أبرز المشكلات والصعوبات التي واجهت النساء المعاقات.

شيماء (16 عامًا)، معاقة حركيًّا، اضطرت الحرب أسرتها للنزوح من مدينة الحديدة/ غرب البلاد إلى العاصمة صنعاء/ شمال، مع وصول المعارك إلى مدينتها، وواجهت في تجربة النزوح عديدًا من المخاطر والصعوبات، منها نقص الأدوية وحاجتها الماسة لكرسي كهربائي متحرك، يمكّنها من الذهاب للمدرسة.

 لم تتلقَ أسرة شيماء، التي تعيش وضعًا معيشيًّا صعبًا، وتسكن منزلًا بالإيجار، أيّ معونات من منظمات إغاثة النازحين، أو تلك المسؤولة عن المعاقين، على الرغم من كونها (معاقة ونازحة).. لكن يبقى حال شيماء أفضل مقارنة بغيرها من المعاقات في مخيمات النازحين، اللاتي يعشْن ظروفًا غير ملائمة. 

تعميم صندوق المعاقين

فُرص لا شفقة

لم تلقَ أصوات معاناة النساء المعاقات أيّ صدى لدى الجهات المعنية، وبالذات المنظمات المختصة بشؤون المرأة. وتبقى النماذج الناجحة للمرأة المعاقة تجارب يتيمة دون تشجيع يُسهم في إشراكهن في الميدان، ويؤكد على حقهن في ممارسة حياتهن بشكل طبيعي، حيث إن تجارب الكثير من النساء المتحديات للإعاقة أثبتت أنهن بحاجة إلى فرص فقط، لا إلى شفقة، حسب الناشطة في مجال الهمم العالية عُلا عمار.

معاناة الإعاقة في اليمن، التي تشمل الجنسين بمختلف الإعاقات، هي نتيجة لغياب التخطيط الاستراتيجي الشامل لتأهيل المعاقين وإدماجهم في المجتمع، بدءًا من توفير الرعاية الصحية والتعليم وتحسين المعيشة من خلال محاربة الفقر، والتدريب والتأهيل والعمل، وتطويع التكنولوجيا لخدمتهم، وصولًا إلى إشراكهم في مراكز صنْع القرار، وقبل ذلك وبعده يبدأ التغيير من وعي المعاقين أنفسهم، بالذات النساء، بحقوقهم.

   
 
إعلان

تعليقات