Accessibility links

المِلياردير الغامض: وضْعٌ بائسٌ في ميزان داعمي الرياضة اليمنية..!


إعلان
إعلان

عبدالله الصعفاني*

استفهاميّات عامة في رحيل الرجل الأكثر غُموضًا..!

في المسافة الممتدة من الراحل عبدالقادر باجمّال وما قبله، إلى الملياردير الراحل شاهِر عبدالحق، ومَنْ قبْلهما، ومَنْ سيأتي بعْدهما من رِجَال دولة ورجال مالٍ وأعمالٍ وقادة أحزاب.. أرى أنّ الجميع إمّا تحدّثوا، أو سيتحدّثُ الأحياء منهم بِاسْم الناس وبِاسْم الحقيقة والمصلحة العامة… ادّعاءً، أو ما يُشبِه الصِّدْق، أو يُشبِه الكذب.
جميع من توفاهم الله من كبار القوم اليمنيين تركوا للناس ما يقولونه، سواء عن معرفةٍ حقيقيةٍ أم شظايا معلومات، إلا الملياردير الراحل شاهر عبدالحق لم يترك عند اليمنيين من انطباعات وافية سوى أنه رجُلُ مالٍ وأعمال من العيار الثقيل، لكن الغموض اكتنف مشواره بصورة صدمتني شخصيًّا في صميم مشواري المِهَني الطويل.
يا ساتر!، أكثرُ من ثُلْث قرْن بميدان الصحافة والكتابة، في مطبوعات محلية وعربية، (أخبار، وأعمدة يومية، ومقالات أسبوعية)، ورغم ذلك لم أشاهد صورة شخصية واحدة لشاهر عبدالحق إلا بعد أنْ مات.
ليس مهمًّا أنّك لم تتعرّف على شكله إلّا الآن، لكن الأهمّ عدم تذكُّرنا أنه ظَهَرَ في مواقف تنتصرُ لِمَا نُسمّيه الدور الاجتماعي لِرأس المال في أيّ بلد؛ ما يثيرُ دوافع جَمّة للأسئلة.
وبحكْم العلاقة القديمة المتجددة بالحوارات الصحفية، وددتُ لو أنني التقيتُ بالملياردير الغامض لِأسْأله: ماذا قدّمْتَ لِأندية محافظة تعز التي تنتمي إليها؟، أو ماذا يُمكِنُ أنْ تُقدّمه لِأندية وناشئة بلدك اليمن من دعْمٍ رياضي في زمنٍ صارت الرياضة فيه عنوانَ حضَارة، وصار النجم الرياضي الواحد أكثرُ أهميةً من خَمْس سفارات وعَشْر قنصليات، حتى أنّ لاعبًا مثل ميسي أو كريستيانو رونالدو، وغيرهم كثيرون، صاروا أشهَر مِن رؤساء وملوك بلدانهم؟.. مَنْ منكم يعرفُ اسم رئيس الأرجنتين أو البرتغال دون أنْ يستعينَ بالشبكة العنكبوتية وخدماتها المعلوماتية؟.
وحيثُ مِن الخطأ المقارنة بين المُلاكم الأميركي كلاي ولاعب كرة القدم البرازيلي بيليه، وسأستدعي المقارنة بين رجلين ينتسبان إلى ذات الوصف (رجال مال وأعمال)، ومِن ذات الحالمة تعز، فخْر المحافظات اليمنية في تَمثُّل رُوح العِلم والثقافة والعمل والمثابَرة.

مسؤولون ورجال مال وأعمال وسياسيون: اُذكُروا محاسِن وأخطاء موتاكم

 

شاهر عبدالحق بعدسة عبدالرحمن الغابري في التسعينيات

شاهر عبدالحق بعدسة عبدالرحمن الغابري في التسعينيات

 

استطاع شوقي أحمد هائل أنْ يجعلَ من نادي الصقر مَضْربًا للمثل في سخاء مَن يدعمه بمنهجية إدارية، تبنّى طموحات الشباب، اهتمّ بنادي صقر تعز (مبنىً ومعنى)، ولاعبين.
وسبقه إلى ذلك آخرون من ذات مجموعة بيت هائل التي كانت عائلية ثم توسعتْ وصارت شركات عائلية مفتوحة.
محمد عبده سعيد في شَعب صنعاء، وعبدالجبار هائل في اليرموك، وشباب مِن ذات العائلة في عدن.
ومثلهم، وإن اختلف مستوى الدعم ودرجة تأثيره… أمين جُمعان في وَحدة صنعاء، وأحمد العيسي في هلال الحديدة، وإخوان ثابت في الجيل الساحلي.
وفيما انشغل حميد الأحمر عن دعم الرياضة بالسياسة على الطريقة إياها سجّلَ أخواه (حسين وحاشد) حضورًا في الأهلي صنعاء، واتحاد الفروسية، وأضافَ حسَن الكبوس، ويحيى الحباري الكثير إلى محفّزات الحضور الجيّد لِأهلي صنعاء.
ويحتاجُ الإلمام الكامل بداعمي الرياضة إلى رصْدٍ ليس مكانه هذه المساحة، حيث إنه حتى متوسّطي الحال قدّموا شيئًا مستمرًّا، مثلاً عارف المنصوب وما يُقدّمه من دعمٍ لتنظيم مسابقات في المحافظة الخضراء إب… ولا يُمكِن إغفال دور المواطن البسيط ابن الرياضة، ولاعب تنس الطاولة أنور الشميري الذي اشتغل في ثلاثة أعمال متواضعة لِيُوفِّرَ منها ما يساعده على دعم أنشطة رياضية في مدينة تعز بيْن وقتٍ وآخر، ومثْل هذا فإنّ القليلَ منه كثيرٌ جدًّا… والقائمة تطولُ في أندية عدن وحضرموت تمامًا، كما أنَّ موظّفًا حكوميًّا مثل صالح شعبان لم يتردد في إهداء شباب منطقة عراس حافلةً تُساعِدُ نادي المنطقة على التنقل، وحتى لاعب شَعْب إب الذي هاجر إلى الولايات المتحدة لتطوير ذاته المعرفية والمادية، كابتن رشيد النزيلي، يُفاجِئُنا بين وقتٍ وآخر بدعمٍ بسيطٍ لبطولة ناشئين في ناديه (شَعب إب)، أو دعمه لِلاعِبٍ جارَ عليه الزمن ولم يحسن أهمية الموازنة بين الرياضة والتحصيل العلمي، فوقَع في أسْر الحاجة والفَقْر المُدْقع، لكنه وجَدَ يدَ لاعبٍ زميل تمتدُّ إليه..!
وهُنا أسأل: ما الذي قدّمه شاهر عبدالحق من الدعم الرياضي لِأعْرَق نادي في تعز (النادي الأهلي)؟، ولِماذا اضطرّ هذا النادي العريق للاستعانة بأشخاص على رأس هرمه يمتلكون المعرفة والقلم والحلم، لكنهم ليسوا رجال مال يستطيعون انتشال النادي إلى المصاف الذي يستحقه؟، ما الذي قدّمه من دعمٍ ورعاية لِشباب منطقته في الحجرية؟.
كم أتمنى لو أنّ كلّ صاحب مال اهتم بشباب منطقته، وسيصلُ الحصاد والتطور إلى الوطن الكبير في نهاية المطاف.
وهنا يستطيعُ كلٌّ منكم أنْ يسألَ معي عن دور رجال المال والأعمال اليمنيين في دعم الفقراء وتسجيل دور يمتد من الرغيف إلى دعم الموهبة.
مهمّ أنْ يكون هناك اهتمام من أصحاب المال بشباب الثقافة والفنّ وناشئي الرياضة الذين هم بِحَقّ مواهب تنقصهم الرعاية، خاصة بعد ما شهده ويشهده اليمن من التدمير بأيدي الغرباء وحماقات كلّ أبنائه البلداء.
يقولُ لي أحد الرياضيين الذين استوحيتُ من كلامٍ له فكرة هذه الوقفة، بأنه وهو صغير محدود القدرة على إقناع والده بأهمية الرياضة، نامَ مَرّة وهو يحتضنُ أول حِذاء رياضي حصلَ عليه من خاله الرياضي المعروف، وأنه لا زال يحتفظُ بدفق الامتنان لتلك الهدية، ويراها أحد أبرز ما شجّعه على مواصلة نجوميته الرياضية في ملاعب كرة القدم.
قد يكون هناك مِن تساؤلٍ حول سبب استهلالي للحديث بذكْر الراحلَيْن عبدالقادر باجمال وشاهر عبدالحق، وهنا أقول: كلّ الذي حدَثَ هو تذَكُّر كيف أننا نحتاجُ في حياتِنا لتقييم أداء مَن يرحل عن دنيانا إيجابًا وسِلبًا، نجاحًا وإخفاقًا، وليس فقط بنظام اذكروا محاسن موتاكم.
إنّ الحديث عن أخطاء المسؤولين ورجال المال والسياسة صار ضروريًّا؛ لِأنه يلفتُ نظر الأحياء إلى التاريخ.
بوضوحٍ أكثر، لا زلتُ أحتفظُ بعبارة قالها لنا الدكتور الراحل فرج بن غانم، في حوار أجرته معه هيئة تحرير صحيفة الثورة، قال: نحن نستهلكُ حصص الأجيال القادمة من النفط والغاز والماء وكلّ شيء… وأتذكّرُ أننا طلبنا منه توضيح الصورة حتى وكلامه واضحًا.
بالمقابل لا يزال الناس يحسبون على الراحل باجمّال، وهو داهية الكلمة وموسوعة المعرفة حتى في مواقف الارتجال، ما اعتبره الكثيرون تنظيرًا للفساد على نحو (مَن لم يغْتنِ في زمن علي عبدالله صالح سيصاحبه عدم الغنى.. أو أنّ الفساد هو مِلْح التنمية).. أو أنّ مفكّرًا ألمانيًّا قال ذات مرة: قليلٌ من الفساد تسلك معه التنمية… وهذا ما سمعتُه شخصيًّا منه..!!
الخُلاصة:
كما أنّ علينا تذكُّر محاسِن موتانا، علينا أنْ نذكُرَ أخطاءهم حتى يعرفَ كلّ حيٍّ واجبه تجاه شعبه، ويعْلَمُ القاصي والداني من اليمنيين أنَّ التاريخ لا يَرحم، وأنَّ مِن العقل الأخذ بالحيطة والحذَر.
ورحم الله كلّ مَن مات، ورحمنا مِن بعدهم حتى نراعي الله في عباده، كلٌّ مِن موقعه على خارطة القرار والمال والوظيفة العامة.

*كاتب وصحافي يمني – صنعاء

   
 
إعلان

تعليقات