Accessibility links

المُدرب مُحمّد الرياشي.. القصة أكبر من كرة قدم وتدريب رياضي


إعلان
تعكس نسبة التطوع في الخدمات العامة، في أي مجتمع، مستوى تطوره الحضاري.. فالتطوع هو أحد ثمار التطور في الوعي الثقافي العام؛ ونتيجة لذلك تعكس منظمات المجتمع المدني والحقوقي أبرز نماذج العمل التطوعي، وإن كانت – أيضًا هذه المنظمات- هي أهم الاختبارات التي يقاس من خلالها، مدى صدق تطور المجتمع.

ديربورن – «اليمني الأميركي»:

وبموازاة التطوع الجمعي الذي تمثّله المنظمات والمؤسسات هناك تطوع فردي يبادر له الفرد في سبيل خدمة للمجتمع في أي مجال.. والمهاجر اليمني الأميركي محمد الرياشي يُعد أنموذجًا من المتطوعين في خدمة المجتمع. ونحرص، من خلال عرض قصته هنا، على تشجيع ثقافة التطوع في المجتمع؛ فالاحتفاء بهذه التجربة التطوعية هو احتفاء بثقافة التطوع، ودعوة للآخرين لِأنْ يقتدوا به، حيث يسهم كل في مجاله متطوعًا لخدمة وسطه الاجتماعي؛ فالفرد يحيى في مجتمع، لكن المجتمع ينهض بنا جميعا.

يعمل مُحمّد مدرسًا للعلوم في إحدى مدارس مدينة منفنديل، وعلاوة على اهتمامه بالتربية والتعليم هو مهتم بالرياضة، وفي هذا السياق يعمل، بجانب عمله في المدرسة، مدربًا متطوعًا لكرة القدم في منظمة “ميسا”، حيث يدرب أطفال وشباب المنظمة في منطقة دكس/ جنوب ديربورن. وتمتد تجربة مُحمّد في هذا التدريب لنحو 12 سنة.

صحيفة (اليمني الأميركي) زارت محمد في موقع التدريب، وكان الملعب المخصص للتدريب على كرة القدم هو ملعب كرة سلة؛ إلا أن ذلك لم يمثل عائقًا أمام مُحمّد، الذي استطاع أن يتعامل مع المكان للتدريب على كرم القدم.

وكان محمد لاعب كرة قدم في هذه المنظمة منذ هجرته من اليمن؛ وانطلاقًا مما اكتسبه من تجربته كلاعب وحصوله على شهادة تدريب تُمكنه أن تدريب متدربين تتراوح أعمارهم من 6 سنوات إلى 18 سنة…قرر أن يخدم مجتمعه من خلال التطوع لتدريب الأطفال والشباب في المنظمة.

عن عدد المتدربين في البرنامج (خلال إنجاز هذا التقرير) يقول مُحمّد لـ”اليمني الأميركي»:لا أستطيع أن أعطيكم رقمًا معيّنًا عن عدد المشاركين في برنامجنا التدريبي، إلا أن عددهم هو أن بين 100 و 300 شخص، هُم مجموع مَن نقوم بتدريبهم لمدة ستة أيام في الأسبوع، وأمارس التدريب خلالها يوميًّا بواقع ساعتين.

رياضة وأخلاق

يؤمن مُحمّد أن الرياضة مرتبطة قيميًّا بالأخلاق، وبالتالي لابد على المدرب أن يواكب تدريبه بالتزام نهج سلوكي وتوجيه قيمي يعزز من الوعي والالتزام الأخلاقي لدى المتدربين… يقول: القضية ليست كرة قدم وتدريب فقط… الأطفال ينظرون لي كمثال، وليس فقط مدربًا، لذا أنا أبذل كل جهدي لمراقبة درجات الأطفال في المدارس، وأيضًا نتابع معاملتهم لأسرتهم… هم هنا ليسوا فقط للتدريب وممارسة الرياضة، لكن هم هنا، أيضًا، لاكتساب مزيد من الأدب والأخلاق والتعامل القيمي الإيجابي؛ لأننا، هنا، جميعًا، نتطوع للخدمة ونعمل بدون مقابل، وبالتالي لابد أن يكون عملنا واعيًا بأهدافه الكبيرة.

وأضاف: الآباء يستخدمون كرة القدم والتدريب الرياضي كوسيلة ضغط على الأبناء عندما لا يتقيدون بالضوابط والالتزامات الضرورية مثل التعليم، حيث يتم حرمانهم من التدريب، وهذا شيء جيد، ونحن بدورنا نعي جيداً أهمية استفادة المتدربين من برنامج التدريب الرياضي في تعزيز الإيجابية القيمية والسلوكية.

ملعب مغلق

يُمارس المدرب مُحمّد التدريب في ملعب كرة سلة مغلق، كما سبقت الإشارة، بسبب البرد الشديد والثلوج التي تحول دون استخدام ملعب مدرسة سلينا ومركز أكسس… وفيما يُعرب المدرب عن الشكر للقائمين على ذلك الملعب والمركز، يقول: هذا ما هو متوفر لدينا في الوقت الحاضر، ونحن هنا نتحدى الظروف ونمارس التدريبات الجيدة، ولن تعيقنا الظروف مهما كانت.

ويستطرد ردًّا على سؤال الصحيفة عما تقدمه بلدية المدينة في هذا الجانب: عدد الأطفال هنا كاف لإثبات أن هناك ضرورة مهمة لإنشاء ملعب داخلي مغلق في المدينة، وسوف تستفيد المدينة من ذلك في تربية النشء، بالإضافة إلى ما سيعود عليها من مكاسب مادية.. وتبقى تربية الأطفال أهم من المال بالتأكيد.

المستقبل

وعما حققته تجربته في التطوع للتدريب خلال السنوات الماضية يتحدث مُحمّد عن لاعبين في المنظمة حصلوا على منح دراسية أمثال: خالد موسي، همام ناصر، وإبراهيم الصوفي وآخرين حصلوا على منح دراسية وعملية إلى جامعات وكليات، كما أن الحصول المتدربين لدينا على منح دراسية وعملية ما زال مستمراً.. يقول: عملنا هنا ليس فقط كرة قدم وتدريب رياضي، القضية مرتبطة بتأهيل قيادات مجتمعية، وهذه القضية تبدأ بالرياضة وتنتهي بالتأهيل الأكبر، وصولاً إلى الحياة المستقرة الآمنة من الانحرافات كتعاطي المخدرات وغيرها.

رأي الآباء

يحظى المدرب محمد بثقة أبناء الجالية الذي ينظرون إليه باعتزاز وتقدير؛ وانطلاقاً من هذه الثقة يبعث الآباء بأبنائهم للتدريب هنا؛ لأن مُحمّد هو المدرب، وهو ما يؤكده محمد شاجرة – والد أحد المتدربين هنا..يقول: ابني يتدرب هنا لأن محمد هو المدرب، وقد أختار ابني كرة القدم الأوروبية (soccer).

وكما سبقت الإشارة فإن المدرب مُحمّد يحظى بمكانة في جاليته انطلاقًا من دوره المهم فيها، وهو دور مرتبط ببناء الشخصية من خلال عمله مدرسًا ومدربًا ومثالاً للالتزام والتفاني في الخدمة العامة مجانًا، وهذا، كما يقول أحد الآباء: “عمل كبير عندما يقدّم شخص جزءًا من وقته وجهده لخدمة الآخرين”.

فيما يقول رئيس المنظمة محمد التريادي: «نحن استثمرنا في مُحمّد، حيث كان لاعبًا لدينا، وبترشيح من الكابتن ناصر للكابتن مُحمّد أصبح مدربًا بدلاً عنه… مُحمّد لاعب ومعلّم ومدرّب ومتطوع بدون مقابل، وهذا لا تجده إلا في بعض الحالات؛ وهو ملتزم بهذه المهنة وهذا التطوع منذ سنوات، ونحن فخورون به».

في الأخير

يقول الكابتن مُحمّد الرياشي: «لولا أسرتي لما استطعت خدمة جاليتي؛ لأنها علمتني كيف أحترم وأخدم الآخرين… أيضًا أعطوني الوقت الكافي لخدمة جاليتي؛ لهذا أنا محظوظ جدًّا فيما أملكه».

   
 
إعلان

تعليقات