Accessibility links

الكاتب حسين الوادعي لـ “اليمني الأمريكي”: الربيع العربي لم ينجح في تغيير البنية الثقافية التي كانت تحكم عقلية الشارع


إعلان
تحظى المقالات السياسية للكاتب والمفكر (حسين الوادعي) بشعبية كبيرة في أوساط الشباب، وله عدد غفير من القراء والمتابعين في وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي. فهو اليوم نموذج لجيل جديد من المفكرين اليمنيين، ويقف في طليعة الأقلام الجادة التي تناضل لترسيخ قيم الدولة المدنية والحرية والديمقراطية في بلد منكوب بالحرب، ومبتلى بالحقد والكراهية بين أبنائه. اليمني الأمريكي التقت به وحاورته في القضايا التي تشغلنا الآن، وربما ستظل تلقي بظلالها علينا لأزمنة طويلة قادمة: 

 

  • ظهر على السطح مصطلح “الفوضى الخلاقة” فهل ما يحدث في اليمن الآن هو نتيجة لهذا الخط السياسي؟

مصطلح “الفوضى الخلاقة” هو مصطلح تفسيري، واستخدامه ليس دليلاً على أنه موجود في الحقيقة. ولعل جذور هذا المصطلح آتية من فلسفة (هيغل) الذي يرى أن التاريخ مهما دارت فيه من حروب واضطرابات، فإنها ستؤدي إلى تغيير إيجابي، نحو قضايا الديمقراطية والعقلانية وروح الدولة. وبالنسبة لي أعتقد أن هذا المصطلح مستورد من العلوم التطبيقية، وبخاصة الاتجاهات الجديدة في علم الفيزياء، التي ترى أن الطبيعة ليست منظمة وإنما هي فوضوية، ولكنها فوضى تقود إلى النظام. وقد تم استيراد هذا المصطلح من العلوم الطبيعية إلى العلوم الإنسانية، وهذا استيراد خطير، لأنه لا يمكن تطبيق كل شيء طبيعي على ما هو إنساني. ولا أعتقد أن هناك فعلاً سياسة اسمها “الفوضى الخلاقة”. وما يجري حالياً من فوضى هو نتيجة سياسات قصيرة النظر، سواءً من العالم الغربي أو من الداخل أي من العالم العربي والإسلامي، وهذه السياسات القصيرة النظر هي التي أدت إلى كل ما يجري حالياً من حروب وتفكك ومعارك مفتوحة بلا نهاية.

  • ماذا تتوقع أن تكون نهاية كل هذا؟ بحسب هيغل فإن علينا أن ننتظر تغييراً إيجابياً؟

لا أعتقد أن ما يجري سوف يؤدي إلى تغيير إيجابي. هيغل عندما تكلم أن نتيجة الحروب والدمار ستؤدي إلى ظهور الدولة المدنية والعلمانية والديمقراطية كان يتكلم في السياق الأوروبي. لكن بالنسبة للسياق العربي والإسلامي فنحن لم ننجز بعد التنوير الديني، وما زلنا نعيش ضمن الفكر اللاهوتي الذي يعتقد أن وظيفة الدولة هي تطبيق الدين، وأن الدين هو سلوك شامل لكل جوانب الحياة. لم ننجز التنوير السياسي وما زالت الديمقراطية وحقوق الإنسان مفاهيم غريبة ومرفوضة ليس فقط من الأنظمة، وإنما أيضاً من المعارضة ومن جزء كبير من المجتمع. لم ننجز التنوير الاجتماعي لأن الفرد ما يزال جزءً من القبيلة أو الطائفة. وبالتالي لا أعتقد أن هذه الفوضى ستؤدي إلى نتيجة إيجابية، على الأقل على المدى القريب والمتوسط.

  • ما هو برأيك دور الأدب والفن في إيقاف النزاعات والحروب؟

لاشك أن هناك دوراً للأدب والفن في صناعة السلام. لكنهما بالضرورة متأخران عن النزاع، فأثناء النزاع وعقب النزاع يظهر فن سطحي لا يصل ولا ينفذ إلى روح الأزمة، لكن بعد عدة سنوات يظهر الفن الذي يستطيع النفاذ إلى عمق المشكلة. وهذا هو الفن الذي يستطيع أن يفكك الأزمة، ويفكك الحروب، ويساهم في ترسيخ صناعة السلام.

  • الربيع العربي في اليمن آل إلى حرب مدمرة.. أين الخلل؟ وهل ضعف البنية الثقافية والتعليمية هما السبب؟

أعتقد أن هناك سببان: الأول هو الأنظمة الحاكمة، فالأنظمة الحاكمة عند ظهور الربيع العربي كانت ما تزال أنظمة قوية، وكانت قد اخترقت القبيلة واخترقت الجيش، وبالتالي كانت لديها أدوات كثيرة للمقاومة ولإحباط الربيع العربي، أو لتحويله إلى حرب أهلية إذا هي لم تنجح في إخماده. هذا هو السبب الأول. السبب الثاني يتعلق بالثوار الذين تدفقوا إلى الساحات، نعم كان لدى البعض رؤية واضحة لدولة مدنية ديمقراطية عقلانية، إلا أن الأغلبية للأسف الشديد تدفقوا إلى الساحات بعقليات لا تؤمن بالحرية ولا بالديمقراطية ولا تؤمن بالعقلانية، وإنما كانوا يريدون تغيير الأنظمة الحاكمة ربما بأنظمة شبيهة، أو بأنظمة أسوأ منها. وبالتالي البنية الثقافية المتخلفة التي كانت تحكم عقلية الشارع العربي لم ينجح الربيع العربي في تغييرها وتفكيكها. وإذا أخذنا كنموذج ما حصل في ساحات التغيير في اليمن، فأعتقد أنه بعد الشهر الثالث تم اختطاف الساحات من قبل التيار الديني الذي كان التيار الأكثر تنظيماً.

  • هل تتفق مع الرأي القائل إن فشل مشروع اليسار بشقيه القومي والاشتراكي نتج عنه بروز التيارات الدينية التي تسيطر الآن على المشهد السياسي؟

نعم، جزء كبير من بروز التيارات الدينية يعود إلى فشل المشروع اليساري القومي والاشتراكي، لكن هذا لا يعني أن المشروعين كانا يملكان مقومات النجاح. بمعنى أن الكثير جداً من الأشياء التي أدت إلى بروز التيارات الدينية وأسلمة الشارع، كانت كامنة في سياسات المشاريع اليسارية والقومية نفسها. لأنها مشاريع قمعت الحرية، وألغت الديمقراطية، وألغت الأحزاب، واتجهت إلى فرض الرأي الواحد على الشارع العربي. وهذا ما أدى إلى تجريف كل التيارات المعارضة آنذاك، وكانت معظمها تيارات تنتمي إلى اليسار الشيوعي أو القومي أو الاشتراكي، وبسبب انشغال الأنظمة الحاكمة آنذاك بتجريف الليبراليين واليساريين سنحت الفرصة الذهبية للتيارات الدينية لتسيطر على الشارع.

  • لدى الفيلسوف الفرنسي سارتر مقولة مشهورة وهي إن (فلوبير) مسئول عن فشل ثورة 1848 بسبب ابتعاده عن الثورة، وتكريس وقته لمشروعه الأدبي.. كيف تنظر إلى دور المثقف اليمني؟ وهل هو مسئول عمّا يحدث الآن؟

أعتقد أن المثقف ليس مسئولاً وحده عن فشل الثورة إلا في حالة واحدة، إذا خان دوره كمثقف ولم يستمر في دوره التنويري، وفي تصحيح مسار الثورة، وفي تصحيح خياراتها بدلاً من الانسياق وراءها. ومشكلة المثقف في أزمنة التغيير أنه يتحول إلى تابع للسياسي ويتخلى عن رؤيته النقدية، ويتحول إلى مجرد موظف علاقات عامة في خدمة ما تريده الجماهير أو الزعامات السياسية، هذه هي الحالة التي يصبح فيها المثقف مسئولاً عن فشل الثورة. أعتقد أن دور المثقف اليمني الآن هو أن يساهم أكثر وأكثر في تنوير المجتمع، وتوضيح الخيارات الحقيقية للناس، ومساعدة الناس على فهم الصراع على حقيقته، وبالتالي تطوير الخيارات الصحيحة والبديلة.

  • هذا يعني أن المثقف لعب دوراً سلبياً حتى الآن؟

نعم ما عدا استثناءات قليلة، فقد تحول المثقف اليمني إلى تابع للسياسي ويدور مع خياراته، يؤيد سياساته وتصريحاته مهما كانت كارثية. الكثير من المثقفين انحدروا إلى الطرح المناطقي والطائفي والعنصري. كثير منهم وقع في فخ تمجيد الحرب، والإيمان أن الحرب ينبغي أن تستمر مهما طالت، ومهما قتلت، حتى يتم الخلاص من الطرف الآخر. وهذه نزعة فاشية سيطرت مع الأسف على أذهان الكثير من اليمنيين.

  • عرفناك من خلال مقالاتك الأدبية والفكرية، وحالياً اتجهت أكثر إلى كتابة المقالات السياسية.. هل هي أوضاع البلد التي فرضت عليك هذا الاتجاه؟ أم أنك لاحظت تجاوباً أكبر من الناس مع مقالاتك السياسية؟

الكتابة السياسية كتابة طارئة. وفرضها عليّ الوضع الغامض والمرتبك الذي نتج عن تدخل التحالف في مارس 2015 وكان الناس وقتها يبحثون عن أي صوت يقدم رؤية غير انفعالية لما يحدث. بعد ذلك دفعني اهتمام الناس إلى الاستمرار، وتلقيت أسئلة واستفسارات وكان لابد من الإجابة عنها، ولم يكن من العدل ترك الناس في المنتصف. لكن الآن بعد جمود الحرب وجمود الجبهات أعتقد أن المقالات السياسية لم تعد مجدية، وعدت لكتابة المقالات التي تناقش جذور الظواهر، أو تسعى إلى تنوير العقول وزرع طريقة جديدة للتفكير.

  • يتنصل السياسي من المسئولية ويزعم أن جميع مشاكل اليمن هي بسبب تقصير المثقف عن القيام بدوره؟ إلى أي حد هذه المقولة صحيحة؟

أعتقد أنها غير صحيحة لأكثر من سبب. وأهم سبب أن السياسي لا يحترم المثقف ولا يؤمن أن لديه دوراً كبيراً. وبالتالي فالمثقف غير موجود في ذهن السياسي كمؤثر. السياسي عندما يفكر في المؤثرين في المجتمع قد يفكر في شيخ القبيلة أو رجل الدين، قد يفكر في القائد العسكري، قد يفكر في قائد الميليشيا، لأنه يعرف أن لهؤلاء تأثيراً على المجتمع.

  • ربما يرى السياسي أن المثقف هو الذي ينأى بنفسه ولا يؤدي دوره؟

أعتقد أن كثير من المثقفين المبتعدين قد تعسكروا، أي بمعنى أصبحوا جزءً من هذا المعسكر أو ذاك. وأعتقد أن الحرب ساعدت السياسي على استقطاب ما تبقى من مثقفين كانوا يرفضون أن يكونوا تابعين له. والقلة القليلة من المثقفين الذين تمسكوا بدورهم التنويري المستقل عن السياسي أصبحوا ضحايا للطرفين: طرف يتهمهم بالخيانة، وطرف يتهمهم بالعمالة. الحرب حولت المثقف إلى موظف علاقات عامة عند السياسي، وحولت الإعلامي إلى مراسل حربي عند السياسي، وحولت الحقوقي إلى متستر على جرائم السياسي. فأثر الحرب كان مدمراً جداً على المثقف اليمني.

 

  • يبدو أن مشكلة اليمن بالأساس مشكلة ثقافية.. ما هو المشروع الثقافي الذي تقترحه للبلد؟

أعتقد أن أي مشروع ثقافي لابد أن يعيد الاعتبار لأسئلة النهضة وإجاباتها الأولية التي ظهرت على يد الأفغاني ومحمد عبده وطه حسين وعبد الرحمن الكواكبي وسلامة موسى. أسئلة النهضة كانت أسئلة واضحة جداً: العقلانية ضد الخرافة، الديمقراطية ضد الاستبداد، الحرية ضد سلطة القبيلة وسلطة الدولة. مع الأسف هذه القيم الكبرى للنهضة تم القضاء عليها مع سيطرة الأنظمة العسكرية القومية واليسارية على الوطن العربي، وبالتالي تم القضاء على الديمقراطية بحجة أنها مجرد ألعاب برجوازية لا يحتملها الشعب، وتم القضاء على العقلانية بسبب ترسيخ فكر سياسي لا عقلاني يتمحور حول القائد والحزب، وتم القضاء على فردية الشخص بتحويل المجتمعات إلى معسكرات اعتقال كبيرة تحت رحمة الأنظمة.

   
 
إعلان

تعليقات