Accessibility links

القصف الأميركي على الحوثيين: البداية غزة والنهاية غزة!  


إعلان

كانت البداية في الحرب الإسرائيلية على غزة، وانطلاقًا منها بدأ الحوثيون عملياتهم في استهداف السفن في البحر الأحمر، التي تقول الجماعة إنها مقتصرة على السفن المرتبطة بإسرائيل والمتجهة إلى موانئ إسرائيل في سياق ما يقولون أيضًا إنه تضامن مع فلسطين وضغط على إسرائيل لإيقاف حربها على غزة ورفع الحصار عنها.

 يؤكد الإسرائيليون إصرارهم في هذه الحرب على القضاء على حركة حماس جراء ما قامت به في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، لكنهم – أي الإسرائيليين – ارتكبوا في قطاع غزة سلسلة من الجرائم في حق الفلسطينيين طيلة أكثر من مائة يوم. وما زال القصف الإسرائيلي مستمرًا على غزة بوحشية لا يمكن تجاهلها، ونجم عنها قتل الآلاف من الأطفال والنساء، وتشريد مئات الآلاف من منازلهم، مع استمرار القصف الأعمى، الذي يعني استمرار قتل الفلسطينيين والتدمير للأعيان المدنية، بما فيها المستشفيات والمدارس والمساجد والجامعات والطرقات والمباني وغيرها، لدرجة أن أحياء كاملة تم تسويتها بالأرض في غزة.

يمثّل البحر الأحمر ممرًا حيويًا مهمًا للتجارة الدولية، إذ يمر منه 14% من التجارة العالمية، و12% من ناقلات النفط المنقول بحرًا، ويمر منه ثلث ناقلات شحنات الحاويات.. إلخ، وبالتالي فأي مشكلة يشهدها هذا الممر المهم تنعكس على مؤشرات التجارة الدولية وأسعار السلع. 

مما لا شك فيه أن المأساة الفلسطينية هي قضية كل العرب والمسلمين، بل والعالم كله كقضية إنسانية عادلة، قضية شعب قدّم الكثير من التضحيات، شعب يواجه محتلًا غاصبًا لأكثر من ثمانية عقود، ولم يلقَ اعترافًا دوليًا بمظلوميته وحقه في إقامة دولته المستقلة. 

وهنا نؤكد أن لا حل للقضية الفلسطينية إلا بالاعتراف الدولي بقيام دولة فلسطين كدولة مستقلة، وفق حدود عام 1967م، وحل قضية اللاجئين منذ عام 1948، والاعتراف بحق العودة، ومن ثم يمكن مناقشة مقتضيات حل الدولتين المستقلتين، كما يروج لها الجميع. 

نعيش مع أولاد عمنا اليهود منذ قرون من الزمن، وليست مشكلتنا مع اليهود، بل مع الصهيونية العالمية، التي تريد أن تختزل كل شيء في فلسطين لصالح دولة لا تعترف بأيّ اتفاق ولا تقبل بالسلام، وتؤمن بالحرب، مع الاستمرار في استدعاء المظلومية بأثر تاريخي وفق مرجعية (المحرقة)، بينما هي تتجاهل ما تشعله من محارق للشعب الفلسطيني الأعزل منذ عام 1948.

 عودًا على بدء.. الحوثيون هم جزء من محور المقاومة الذي تتزعمه إيران في المنطقة، ومعهم حزب الله في لبنان وفصائل أخرى في سوريا والعراق. كما لا ننسى أن وراء إيران الصين وروسيا، وهؤلاء يمثلون اليوم تحالفًا دوليًا جديدًا لا يمكن تجاهله بأيّ شكل من الأشكال.

الحوثيون أصبحوا الآن قوة لا يُستهان بها داخل اليمن، وأيضًا على المستويين الإقليمي والعربي، وبخاصة على صعيد الشعبية، التي اتسعت دائرتها مؤخرًا منذ تصدرهم التضامن مع غزة من خلال استهداف السفن وإطلاق صواريخ ومسيرات صوب إسرائيل، وهو ما زاد من رصيدهم الشعبي عربيًا، وهو ما لا يمكن تجاهله أيضًا. 

استطاع الحوثيون أن يستفيدوا كثيرًا من حربهم ضد التحالف العربي لدعم الشرعية اليمنية بقيادة السعودية والإمارات خلال ثماني سنوات استمر فيها القصف على اليمن، لكن خرج منها الحوثيون أقوى مما كانوا عليه قبل الحرب.

لكن في ذات الوقت وبنظرة واقعية نقول إن الحوثيين لا يملكون استراتيجية في التعامل مع اليمن بخلفيته الثقافية المتنوعة، وانطلاقًا من رؤية عصرية تستوعب التنوع المحلي وموازين الإقليم والعالم، وتفتح آفاقًا للنهضة والتطور الذي انتظره اليمنيون طويلاً، بمعنى أن مثل هكذا جماعات ما زالوا دون مستوى الدولة، وبالتالي فإن الفجوة في مسار علاقتهم بالدولة ستنعكس سلبًا في إدارة الشأن العام وتحقيق تطلعات المجتمع في الحرية والديمقراطية والمواطنة.

على صعيد استهدافهم للسفن في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن فإن هدفهم كما يعلنون هو تعطيل مصالح إسرائيل وتضامنًا مع القضية الفلسطينية (غزة)، لكن الكثير يعتبرهم بهذه الأعمال مصدرًا لتهديد الملاحة الدولية.

وبما أننا أقررنا أنهم خرجوا من الحرب مع التحالف أكثر قوة مما كانوا عليه، وهم كانوا حينها في حالة الدفاع، فكيف هو وضعهم وقوتهم الآن وقد صاروا في حالة هجوم كما هو حالهم اليوم في البحر الأحمر؟! يطرح البعض هذا التساؤل استغرابًا. 

من المهم استخدام مضيق باب المندب بما يعود على مصالح اليمن الوطنية أولاً، فاليمن يعيش وضعًا اقتصاديًا وإنسانيًا في غاية السوء، وهو في غنى عن تحمل تبعات معركة جديدة. وهو ما لا يقلل من المعاناة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة جراء استمرار الحرب الإسرائيلية عليهم، واستمرار الحصار الخانق، الذي يمثل شكلاً من أشكال الإبادة الجماعية، مما لا يعني عدم الانتصار لمظلوميتهم ومساندتهم. 

يذهب الكثير إلى القول إن موقف الحوثيين وما يمارسوه باسم غزة هو بهدف تحقيق المزيد من المكاسب الشعبية عربيًا وإسلاميًا وتعزيز حضورهم ومكانتهم محليًا، وهو موقف (نقصد موقف الحوثيين من غزة) يمثل مصدر إعجاب لدى المواطن العربي المسلم؛ لأن ما تتعرض له غزة مؤلم وقاس، لاسيما في ظل تخاذل رسمي عربي وإسلامي غير متوقع؛ الأمر الذي يجعل أي موقف عربي آخر محل ترحيب من الشعوب العربية والإسلامية. 

الحوثيون ليسوا وحدهم؛ إذ تقف إيران وراءهم كما يؤكد التحالف الغربي، لكن أيضًا تبقى القضية أكبر بكثير؛ فثمة قوى دولية جديدة وتسابق للسيطرة على الممرات البحرية وقبل ذلك وبعده لابد من حلول غير الحرب، بل ليبدأ الحل من خلال إيقاف الحرب.

وهنا نؤكد أن الممرات البحرية حق عالمي للجميع للاستفادة منها، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال أن تسيطر عليها دولة ما، بل يجب أن تعبر السفن كافة البحار في حالة أمن واستقرار، مع رفضنا الكامل لاستعراض العضلات التي قد تؤدي إلى حرب أكبر من كونها حربًا بين الحوثيين وتحالف إيران ضد دول تحالف “حارس الازدهار” أو التحالف الأوروبي الجديد.

بمعنى لا يمكن أن يستقر أمن باب المندب وكل الممرات البحرية من خلال استعراض القوة؛ إذ لابد من الحوار والدبلوماسية بين كافة الأطراف، انطلاقًا من أن الحل واضح للعيان في المشكلة الراهنة، وذلك من خلال إيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة، والتعامل مع فلسطين كقضية إنسانية عادلة، وليس كقضية مصالح يفرضها القوي.

بتوقف الحرب الإسرائيلية على غزة ستتوقف كافة أشكال الحروب في المنطقة، بل إن استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة قد يتسبب بإشعال المنطقة بحرب أكبر لا يمكن تقدير مآلاتها ونتائجها.   

– صحيفة اليمني الأميركي

   
 
إعلان

تعليقات