Accessibility links

التشكيلي اليمنيّ زكي يافعي وحديث مفتوح عن تقنية الاشتغال بالقلم الرصاص والفحم


إعلان

صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الأغبري
في أعماله بالقلم الرصاص والفحم يبزر التشكيلي اليمنيّ زكي يافعي (1972) متميزًا في نقل أحاسيسه عبر هذا التكنيك والخامة، والتي استطاع، من خلالها، تحدي نفسه وترجمة رؤاه ومشاعره معتمدًا لونًا واحدًا في تجربة مختلفة تُمثل، بلا شك، إضافة للوحته الواقعية والانطباعية التي قدّم فيها عددًا كبيرًا من الأعمال بالألوان الزيتية، وحقق بواسطتها حضورًا جميلاً.

ينتمي زكي يافعي، الذي شارك في عددٍ من المعارض داخل وخارج اليمن، لما يُعرف بجيل الوسط، وهو الجيل الواقع بين الجيل الثاني وجيل الشباب في المُحترف اليمني.

تخرج في كلية الطيران، لكنه اختار احتراف الفن التشكيلي منتقلاً بذلك من بيئة إلى بيئة مختلفة تمامًا، واعتمد في تطوير رؤاه وأدواته على التجريب والاطلاع المستمرين.

خلال تجربته مع الفن التشكيلي، التي تتجاوز عقدين، استطاع أنْ يسجل بصمته ورؤيته، ويمتلكُ أدواته في سياق المدرسة الواقعية، متميزًا، في أعماله الزيتية، برسم الوجوه وما تحمله من ملامح ومعانٍ يُريد لها أن تُقدّم قراءة مختلفة لجمال مدينة صنعاء القديمة التي ما زالت مركزًا لاستلهام أهم أعماله ذات العلاقة بالوجوه، فالوجوه، ووجوه كبار السن تحديدًا، بالنسبة له تُمثل عناوين وتفاصيل لنصوص بصرية تقول الكثير عن تعب الدنيا وجمال الانسان في آن… فيما يمثل المعمار الملمح الثاني لأعماله الزيتية، ومن أبرز أعماله في هذا الجانب بعض اللوحات المعبرة عن جمال المكان في مسقط رأسه (يافع) جنوب البلاد… وبالتالي فجميع أعماله سواءً ذات العلاقة بالوجوه أو المكان تعكس مدى ارتباط زكي بالهُوية كمحمول ثقافي لنصوصه البصرية.

 

“الرسم بالقلم الرصاص والفحم يدرب اليد على النقل وضبط القياسات والقواعد التي تُدرّس في الأكاديميات”.

 

تقنيًّا تتوزع أعمال زكي، بدرجة رئيسة، بين الأعمال بالألوان الزيتية والأعمال التي يستخدم فيها القلم الرصاص والفحم… واشتغالاته بالقلم الرصاص والفحم، التي نحن بصددها، هي تجربة متميزة موضوعيًّا وتقنيًّا على الرغم من أنه اشتغل، في بعضها، على نفس ما سبق واشتغل عليه لونيًّا، إلا أنها مثلت، بلا شك، تحديًا له؛ لأنه يشتغل، من خلالها، على لون واحد، بينما تفرض عليه اللوحة والنص البصري احتياجًا للاشتغال على الضوء والظل والتباين بين التكوينات وغيرها مما تتميز به أعماله اللونية، وبخاصة ذات العلاقة بالوجوه، وما تحمله من معانٍ يمكن قراءتها والتعرف، من خلالها، على جمال وقسوة الحياة في آن، بينما يقول زكي يافعي لـ”اليمني الأميركي” إن أعماله بالقلم الرصاص والفحم مثلت، وتمثل تحديًا على صعيد تجسيد ملامح وتفاصيل جديدة ومختلفة عمّا قدّمته النصوص البصرية اللونية لذات المنظور، مؤكدًا صعوبة الاشتغال على هذا التكنيك، لكنه يمنحه قدرة على التعبير عن رؤى جديدة لمنظوره، «بل إنني أُجيد، من خلال بعض هذه الأعمال، تقديم نفس الإحساس الذي أقدمه في نفس المنظور بالزيتي، بينما اعتمد أسلوبًا آخر، مستخدمًا نفس التكنيك في أعمال أخرى تتجلى، من خلالها، القدرة على منح العمل الفني أبعادًا مختلفة وإحساسًا مختلفًا… بمعنى أن ثمة رؤية مختلفة تحكم علاقتي بهذه الأعمال التي تُمثل إضافة لتجربتي».

كانت بداية تجربته مع هذه التقنية والخامة هي بداية تجربته مع الرسم عمومًا: «بداياتي مع هذه الخامة كانت هي البداية الأولى لشاب، وقبلها لطفل، يعشق الرسم، ولم يكن متاح أمامه غير القلم الرصاص، وأيضًا مع غياب المعلومة والتدريب على التقنيات الأخرى.. ولكن الشغف والحب للرسم هو ما يفك أسرار الخامات من خلال التجارب المستمرة… فكنتُ أرسم بالرصاص وما زلت حتى بعد احترافي الرسم بالزيت؛ لأن الرسم بالقلم الرصاص والفحم ممتع ويدرّب اليد على النقل وضبط القياسات والقواعد التي تُدرّس في الأكاديميات، والتي من سوء حظنا أنها غير موجودة لدينا (في اليمن)».

أما عن الخامات المستخدمة فيستخدم أقلام الرصاص وأقلام الفحم، «وما تحتاجه الخامة من أنواع الورق كالكانسون وغيره».

يتميز الرسم بهذه الخامة عن الرسم بالزيتي بأشياء كثيرة منها، كما يوضح زكي يافعي «أنك في أيّ مكان يمكنك أن ترسم بهذه الخامة؛ فأدواتها سهلة الحمل، وتقدر في أيّ جلسة وفي أيّ وقت ترسم».. «أما ما يميزها من الجانب الفني، فهي ممتعة وتحتاج إحساسًا عاليًا وخبرة فنية، والأهم هو العشق والاستمتاع خلال الرسم؛ لأنك تتحكم بلون واحد فقط، وتشتغل من خلاله على الظل والضوء.. وتصنع منه بروز الكتل، وترسم الشمس على جباه الناس وبلون أسود، معتمدًا على تخفيف حدة اللون حتى تصل إلى أن ترسم الشَّعر الأبيض في الوجوه وبنفس اللون… وهنا تظهر قوة الموهبة ورؤية الفنان المحب العاشق للفن».

 

“ما يميزها من الجانب الفني أنها ممتعة وتحتاج إحساسًا عاليًا وخبرة فنية، والأهم العشق والاستمتاع؛ لأنك تتحكم بلون واحد فقط وتشتغل من خلاله على  الظل والضوء.. وتصنع منه بروز الكتل وترسم الشمس على جباه الناس وبلون أسود، معتمدًا على تخفيف حدة اللون”.

 

زكي باشتغاله على هذه التقنية يستهدف اختبار قدراته باستمرار؛ لأنها بالفعل تقنية ليست سهلة «وبالتالي فهي محك لاختبار تطور التجارب ومحاولة اكتشاف قدراتك كفنان بكل الخامات أيضًا، علاوة على قدرتها على منحك الطاقة الإيجابية ومزيدًا من المتعة والحافز… ومن هنا يعتبر الفضول هو أحد أسباب الاكتشاف… لأنه أحيانًا تصل لحد التشبع من الروتين اليومي، ولكن التغيير يُشعِرك بما تمتلكه من طاقات إضافية للوصول للدهشة وروعة الاكتشاف».

ليس بالضرورة أن يكون كل اشتغال تشكيلي بالقلم الرصاص ينتمي للمدرسة الواقعية؛ فالتكنيك والعمل نفسه هو ما يحكم التصنيف المدرسي للعمل التشكيلي، وبالنسبة لأعمال زكي بالقلم الرصاص فهي تنتمي للمدرسة الواقعية، ويوضح أن بإمكان «الفنان أن يرسم بهذه الخامة العديد من الأعمال متنوعة المدارس… فمثلاً تستطيع استخدام الفحم كالزيت… وممكن تصنع منه شيئًا من الرمزية والتعبيرية وفق اتجاهات مدرسية مختلفة، ولكن جمال هذه الخامة بدرجة رئيسية يتجلى في الواقعية؛ لأن بعض المدارس تستخدم التعبير بالألوان وعلاقتها ببعضها، بينما هنا تغيب الألوان».

 

“جمال هذه الخامة بدرجة رئيسة يتجلى في الواقعية؛ لأن بعض المدارس تستخدم التعبير بالألوان وعلاقتها ببعضها، بينما هنا تغيب الألوان”.

التأهيل الذاتي

ثمة فنانون يمنيون آخرون يشتغلون على هذه التقنية والخامة، وكما يقول زكي، «لكل واحد بصمته الخاصة، وحسب ما يعيشه من إحساس بداخله يوظفه في اللوحة…. مع الفرق أنني اتدرب من ذات نفسي، ولم أحصل على ساعة تدريب واحدة بواسطة شخصيات أكاديمية… وأخذت من هذا الجانب الإيجابي… هو رفع منسوب التحدي داخلي، والإصرار على تقديم الجديد، كل ذلك بحب ومتعة… ولهذا كان انتقالي باليسير من العمل ضابطًا ومهندس طيران، وهي بيئة كلها قسوة وحزم إلى الجانب المعاكس، وهو الفن والثقافة واللون والإحساس… وهذا كلفني جهدًا ليس باليسير، لكن من خلال القراءة والاطلاع والتجريب المستمر استطعتُ تطوير تجربتي… لذلك أنا أعطي للفنانين الشباب ما لديّ من خبرات ومعلومات بمحبة؛ لأنني شخصيًّا عرفتُ الأثر السلبي الناجم عن حجب أيّ معلومات».. ويضيف مستدركًا: «لكن من باب رد الجميل دعني أشكر أسماء كان لهم حضور في مسيرتي كالفنانة الدكتورة آمنة النصيري والفنان عدنان جُمّن والفنان الدكتور عادل الماوري، وكذلك الفنان مظهر نزار… كانوا لا يبخلون علينا بالتقييم والنقد البنّاء».

ويرى أن «أجمل الفنون وأصدقها هي تلك التي تتحرر من الوصاية والرعاية سواء السياسية أو الفكر المتطرف… وهي التي تكون مشحونة بالمشاعر الصادقة وتحمل رسائل إيجابية… كنشر ثقافة السلام والتعبير عن معاناة وأفراح وأتراح وهموم مجتمعية، والمساعدة في تكريس قيم الإنسان».. داعيًا «جميع فناني ومبدعي اليمن لاستخدام لغة الفنون البصرية والسمعية في لملمة الشتات والتذكير بالإرث الحضاري والأخلاقي والجمالي لليمن، وكل ما من شأنه نبذ المناطقية والطائفية واعتزال الصراعات التي تدمر جمال وحضارة ورقي هذا البلد الذي عُرف بقيم المحبة والتسامح».

   
 
إعلان

تعليقات