Accessibility links

إعلان

وجدي الأهدل

لعل أكثر القصص التي وردت في القرآن الكريم مدعاة للتأمل هي قصة “العجل الذهبي” لارتباطها بما يجري الآن في العالمين العربي والإسلامي من فتن وحروب، وحصارات وخطوب، وتفاقم للعداء بين الشعوب.

قال تعالى:  قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي”. وهي قصة عظيمة في معانيها ودلالاتها، فهي ترمز إلى عبادة الذهب. صحيح أن عبادة المال ليست ديانة رسمية، وما سمعنا أحداً يدين بهذا الدين، ولا نبياً يدعونا إليه، ولكن المؤلم أن السواد الأعظم من البشر يعبدون النقود بصورة فاضحة، ويفنون الحياة الثمينة التي وهبتْ لهم من أجل جمعه وتكديسه.

ما الذي فعله (السامري) حتى يذكر اسمه صراحة في القرآن؟ لقد قام بأخطر عملية تزييف للوعي في تاريخ البشرية.. فهو كما اعترف فيما بعد، قد أخذ قبضة من التراب الذي مشى عليه الملاك، وخلطه بالذهب، وصبه على شكل عجل ذهبي، فإذا بهذا المسخ تدب فيه الحياة، ويصدر عنه خوار عجيب! لقد أذهلتْ هذه “الآلة” اليهود وخلبت ألبابهم، فانصرفوا عن عبادة الرب السماوي، وانشغلوا بعبادة الرب الذهبي! أين الخطورة فيما فعله (السامري)؟ وجه الخطورة هو أنه أول إنسان يخلط الدين بالمال، الأخلاق بالرأسمالية، ويربط بينهما ربطاً محكماً، فأنتج وحشاً عظامه الجشع ولحمه الطمع ويستمد قوته من ادعاء التدين والورع!

لم يتلق أيّ نبي على مر التاريخ طعنة غادرة موجعة كتلك التي تلقاها النبي موسى عليه السلام من (السامري). لقد نسف (السامري) في لحظة كل جهود النبي موسى وجهاده ومعاناته، والمعنى الحقيقي لرسالته التوحيدية بما فيها من نبل وكمال أخلاقي، حينما استخف بعقول الناس، وموَّه عليهم، بأن لا تناقض بين عبادة الله وعبادة المال. لقد نجح (السامري) في حرف مسار الرسالة السماوية، فبدلاً من أن تذهب وصايا الله إلى القلوب، إذا بها تذهب إلى الجيوب!

إن هذا الربط الذي ابتكره (السامري) بين الرب والذهب، يتكرر اليوم بصور مختلفة، ونراه رأي العين، وما الدماء التي تسيل هنا وهناك إلا نتيجة حتمية للسعي وراء الذهب، مع الاغترار بأن الله يأمرنا بذلك!

 والعبرة الكبرى من قصة (السامري) هي أن عبادة الله وعبادة المال أمران لا يجتمعان. وهذه علامة لا يمكن أن تخطئ.. ذلك أن الشخص الذي يحاول أن يأخذ قبضة من هذا وقبضة من ذاك ثم يتظاهر بأنه عالم دين، فعلى الأرجح أنه ليس سوى عينة معاصرة من سلفه البعيد (السامري).

لقد عاش الرسول صلى الله عليه وسلم حياة زهد، ومأكله مأكل الفقراء، وعلى نهجه سار الخلفاء الراشدون، واقتدى به الخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز. ولن نجد عالماً من علماء الإسلام إلا وهو على هذا النهج من الزهد والتقشف. إذ كيف يمكن لعالم دين يؤمن بالله حقاً أن تتراكم عنده الثروة فيغدو من الرأسماليين وهو مأمور بالصدقة؟!

إن الدرس المستفاد من قصة العجل الذهبي الواردة في القرآن الكريم هي اليقظة من تحريف الدين، وأن نأخذ “مسافة” كافية للحذر من المتجلببين بجلباب الدين الذين يلمعون كالذهب ويعيشون عيشة الأثرياء.

   
 
إعلان

تعليقات