Accessibility links

الرئيس السلال.. وذاكرة الجمهورية الأولى في شمال اليمن


إعلان
إعلان

صنعاء – “اليمني الأميركي”

ماذا نعرف عن الرئيس الراحل عبدالله السلال، الذي تولى مهام أول رئيس للجمهورية في شمال اليمن في عهد التشطير عقب قيام ثورة 26 أيلول (سبتمبر) 1962 ضد النظام الملكي الإمامي؟

سؤال للأسف ما زالت له حيثياته لبقائه مفتوحًا، لا سيما ونحن نوشكُ أنْ نكملَ العقد السادس من مسيرة الثورة اليمنية 26 سبتمبر، باستثناء سيرة موجزة نشرتها إحدى حفيداته بالإنكليزية في مجلة (نيوزلاين).

لم يصدر عن الرئيس الراحل السلال أيّ كتاب يروي مذكراته أو ذكرياته، بما فيها (وهذا المهم) سيرته في إدارة سنوات الجمهورية الأولى في شمال اليمن.

خلال تلك السنوات قاد السلال البلاد متكئًا على القوى الثورية التي أسهمت بفاعلية في تفجير الثورة السبتمبرية، لتجد هذه القوى نفسها في مواجهة الملكيين بمؤازرة قوى وإمكانات خارجية لامحدودة، بالإضافة إلى ما كان يلقاهُ الصف الجمهوري الثوري من معارضة من داخل الصف الجمهوري نفسه، وتحديدًا ممن كانوا يصفون أنفسهم بالمعتدلين مقابل الجناح الثوري الذي بقي متمسكًا بأهداف ومبادئ الثورة.. وكان يُمثلُ هذا الجناح الرئيس السلال مدعومًا من قوات مصرية.. ونحن هنا لسنا بصدد مناقشة ما كان لهذه القوات وما عليها، وإنْ كانت أسهمت كثيرًا في خدمة الثورة؛ لأننا هنا معنيون بمحاولة التساؤل عن ذاكرة الجمهورية الأولى في شمال اليمن بما فيها ذاكرة رئيسها عبدالله السلال…: لِمَ بقيت سيرة هذا القائد مغيّبة حتى اليوم؟!

بعد خمس سنوات مِن عُمر الثورة كان التيار الجمهوري الموصوف بالمعتدل   والمؤمن بالتصالح مع الطرف الآخر قد تمددَ وأصبح أقوى من خلال أسماء كثيرة من رموز القوى التقليدية (المشيخية القبلية والعسكرية والدينية).. وبمجرد سفر الرئيس السلال للعراق كان انقلاب الخامس من نوفمبر 1967م؛ لتبدأ جمهورية ثانية بشخصيات بعضها جديدة وبعضها غيّرت شكلها وموقفها.. إزاء ذلك لم يتخذ الرئيس السلال أيّ موقف مضاد، بل إنه أعاد الطائرة الرئاسية وملابسه العسكرية ونجوم رتبته وغير ذلك.. مما يُثبت مدى نزاهة الرجل وحكمته.

استمر الرئيس السلال مقيمًا خارج بلاده، ولم يعد إلا عام 1981م بدعوة من الرئيس علي عبدالله صالح حينئذ ليواصل حياته بصنعاء كأيّ مواطن عادي حتى توفّي عام 1994م.

 

مَن هو الرئيس السلال؟

هو عبدالله يحيى السلال (1917- 1994)، رَأس الجمهورية في شمال اليمن خلال الفترة (1962-1967). ولد في قرية شعسان بمديرية سنحان محافظة صنعاء.

فقد السلال والده مبكرًا، والتحق بمدرسة الأيتام بصنعاء عام 1929م، وأتم المرحلة الثانوية، ثم سافر للعراق عام 1936 في أول بعثة عسكرية أرسلها ملك اليمن حينها الإمام يحيى حميد الدين.

في الكلية العسكرية في العراق تخرّج السلال برتبة ملازم ثان عام 1939م.

خلال سفره للدراسة اطّلع على ما كانت عليه مدينة عدن، وكيف كان وضع العراق؛ فحزّ في نفسه استمرار بلاده ترزح تحت نير التخلف، فتشكلت لديه رؤية إزاء معاناة بلاده، ولهذا كان من المشاركين في ثورة 1948، التي قُتِلَ فيها الإمام يحيى حميد الدين، وعلى إثرها تم سجنه حتى أخرجه ولي العهد البدر محمد أحمد حميد الدين، الذي صار، فيما بعد، إمامًا خلفًا لوالده الإمام أحمد. وعيّن ولي العهد البدر (محمد أحمد حميد الدين) السلال رئيسًا للحرس الخاص به عام 1956م، وحصل السلال على رتبة عقيد، والتي كان يطلق على صاحبها قبل الثورة صفة الزعيم.

خلال ترتيبات تنظيم الضباط الأحرار في اليمن لثورة ضد الحكم الإمامي وإعلان قيام الجمهورية، وجد الضباط أنهم معنيون بتعيين قائد للثورة، فوقع الاختيار، بعد اعتذار الجائفي، على السلال باعتباره كان الأعلى رتبة، وخلال مفاتحة السلال بالأمر تقبله؛ وبالتالي شارك في الترتيبات الأخيرة لقيام الثورة، وتولى بعدها دفة الحكم كونه الأعلى رتبة بين الثوار الذين فجروا الثورة في السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م، وكان له إسهامًا كبيرًا في إنجاح الثورة.

خاض الرئيس عبدالله السلال (الذي رُقي إلى رتبة مشير فيما بعد) ومعه القوى الثورية حربًا ضروسًا، كما سبقت الإشارة، ضد القوات والقوى الموالية للملكية، بالإضافة إلى تعامله الحكيم مع معارضيه من داخل الصف الجمهوري والرافضين للتغيير الثوري.. بموازاة ذلك خاض حربًا أخرى في جبهة وضع اللبنات الأولى لبناء دولة جديدة وجيش وطني؛ فما ورثته الجمهورية من دولة الإمامة كان لا يُمثّلُ شيئًا، وبالتالي كان على الرئيس السلال الإسراع في التأسيس لوحدات جيش وطني بموازاة التأسيس لمؤسسات الدولة.. فتم فتح أبواب التجنيد والتطوع العام في القوات المسلحة في كلّ المحافظات.. ولا يمكنُ إنكار دور المصريين في ذلك من خلال إحضار الخبراء وفتح أبواب الكليات والمعاهد ومراكز التدريب وهيئات التخصص العسكرية لمنتسبي القوات المسلحة في اليمن، ووفق أحد المصادر “فقد تم تدريب وإعداد أربعة ألوية مشاة كاملة التشكيل في معسكرات وهيئات الجيش المصري، وهي: لواء الثورة، الكتيبة الأولى من لواء النصر، لواء الوحدة، لواء العروبة)، وبحلول عام 1966 مع عودة آخر لواء مشاة من مصر كانت النواء الأولى للجيش اليمني الثوري المعاصر قد تشكلت”.. “تلى ذلك إيجاد قيادة عسكرية موحدة؛ فتم تشكيل هيئة أركان حرب القوات المسلحة ورئاستها، وإنشاء عددٍ من الهيئات القيادية، وكانت هيئة العمليات الحربية هي أعلى سلطة عسكرية بعد القائد العام للقوات المسلحة”. كما عملت القيادة الجديدة على إعادة فتح الكلية الحربية وكلية الشرطة، وافتتاح معهد عسكري في مدينة تعز.. واستمر بموازاة ذلك إعادة تنظيم مؤسسات الدولة بقدر ما أتيح للدولة الجديدة من إمكانات وما ارتكبته من أخطاء نتيجة ضغوط كثيرة، حتى اُطيح بالرئيس السلال في انقلاب الخامس من نوفمبر عام 1967م. كانت مرحلة استثنائية تلك التي تولى خلالها السلال قيادة دفة سفينة الجمهورية الأولى في شمال اليمن، إلى أنْ سيطرت القوى التقليدية على مقاليد الحكم لتتحول الجمهورية إلى أشبه برداء لدولة متعثرة؛ وهو الوضع الذي استمر حتى اللحظة، باستثناء فترة رئاسة الرئيس الشهيد إبراهيم محمد الحمدي، لكنها كانت فترة قصيرة، عادت بعدها البلاد إلى سياسة تقاسم السلطة والثروة على حساب مصالح وحقوق الشعب، وكانت إعادة تحقيق وحدة شطري البلاد عام 1990 فرصة ثمينة لبناء دولة يمنية مدنية حديثة، لكن ما حصل كان استمرارًا لنهج الاستحواذ؛ فكان من الطبيعي أنْ تصلَ البلاد إلى ما وصلت إليه حاليًّا.

   
 
إعلان

تعليقات