Accessibility links

الدكتور عبدالسلام نور الدين ومحنة الاستبداد 


إعلان

عبدالباري طاهر*
الدكتور عبدالسلام نور الدين يحب أصدقاءه وتلاميذه. مفكر عميق، درس الفلسفة في مراحلها المختلفة، وقرأ تيارات الفكر والحداثة في عصورها المتعددة، كما قرأ الفكر الماركسي والقومي والإسلامي، كما قرأ فكر النهضة ومناهج التجديد والنقد.

قرأ الفكر الإسلامي بعمق وقرأ الماركسية كعلم ومنهج ونسق، وكان للتصوف النصيب الأوفى من كتاباته.

قارن بحذق بين الشريعة والتصوف، واستبطن الاستبداد في الواقع العربي وفي الثقافة والأدب.

مفكر ديمقراطي من طراز رفيع، تخصصه الفلسفي واتساع اطلاعه وعمق تفكيره أكسبه خبرة مدهشة في فهم الحياة وقراءتها ونقدها. وربما لمعاناته الشديدة في موطنه السودان وبلاده اليمن قد حصنه من الانخداع بزيف الدعاوى الثورية الطويلة العريضة، وفتح بصره وبصيرته على واقع الحال وبؤس المآل في الموطنين: الأول، والثاني.

وصل إلى صنعاء في سبعينيات القرن الماضي، درّس في جامعة صنعاء لعدة أعوام. تخرج عليه العشرات والمئات. 

كانت صنعاء الجمهورية العربية اليمنية تعيش غمرة معركة أفغانستان، وكانت منطقة تجييش واستضافة للمجاهدين الآتين من مختلف الأقطار العربية ومن بلدان مختلفة.
استضافت عصام العطار – المرشد العام لإخوان سوريا، ومحمد مرسي – رئيس جمهورية مصر العربية لاحقًا، كما أشيع يومها، بينما كانت الحالة في الجنوب أكثر جنوحًا  للتصارع. 

دفع المفكر والعلامة الجليل الثمن باهظًا في البلدان الثلاثة، السودان واليمن بشطريها.

في جامعة صنعاء رسب أحد طلابه الإسلاميين لعامين متتاليين، فأرسل إلى أستاذه ظرفًا فيه رصاصتين، وحاول الرجل الثاني في الأمن السياسي، الأول في الحزب الإسلامي دهسه بالسيارة. طلب إليه الحكم مغادرة اليمن خلال بضعة أيام. 

تحدث في الجامعة إلى طلابه ومعه زميله الأستاذ المصري المطرود أيضًا، تحدث المصري قال: إن مصر حاربت في اليمن مرتين مرة بالجيش ومرة بالمعلمين. عقّب نور الدين قائلاً: الحمدلله أني لم أحارب في اليمن، وكل ما أعرفه أن الخرطوم لا تبعد عن صنعاء إلا بضع ساعات.

في الجنوب الغارقة قيادتها في الصراع تعرض لمضايقات، خصوصًا بعد الوحدة اليمنية، وإعلان البراءة من اليسار، وإنذار اليسار بمغادرة عدن، ومنهم الدكتور نور الدين. 

الدكتور نور الدين مفكر منير ومستنير. كان في طليعة نقاد التجربة في عدن، وكان يقرأ بؤس الحال وتعاسة المآل من خلال فهمه للماركسية كمنهج وليس كعقيدة دينية، وهو للأسف الشديد ما وصم كتابات الكثير من اليساريين القوميين وبعض الشيوعيين العرب. 

كتابات المفكر التقدمي نور الدين في اليسار المصري ومجلة أدب ونقد والصحف اليمنية: الأمل، والمستقبل، والتجمع، والثوري، تحتاج إلى قراءة وإعادة نشر؛ لأنها أعمق وأصدق قراءة للتجربة الثورية في اليمن شمالاً وجنوبًا.

 بقراءة عجلى لمسيرة العلامة الجليل المفكر والفيلسوف والناقد متعدد المواهب والقدرات، عبدالسلام نور الدين، فهو من مواليد أبو زيد ولاية غرب كردفان، درس الأساسية والثانوية في كردفان والبكالوريوس “فلسفة” في الخرطوم. والماجستير في الفلسفة الإسلامية والأوروبية من جامعة كارولينا شيكوسلفاكيا. درس اللغة الألمانية في هاله بألمانيا، والدكتوراه في معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بكارولينا – براغ. 

حاضَر في العديد من الجامعات السودانية والعربية والعالمية: جامعة الخرطوم، والأحفاد. وفي جامعتي صنعاء وعدن، وفي جامعة هالة ويتنبرج بألمانيا، وجامعة أكستر وجامعة كيتز في المملكة المتحدة. رأَس قسم الدراسات العليا بكلية التربية عدن.

 كما عمل في المنظمة السودانية لحقوق الإنسان في بريطانيا وإيرلندا، ولمركز دراسات البحر الأحمر بجامعة أكستر، ولمؤسسة كردفان للتنمية بالمملكة المتحدة وإيرلندا، كما عمل عضوًا بمنظمة العدالة الأفريقية. 

وفي مهمة التأسيس لمركز دراسات البحر الأحمر زار صنعاء بدعوة من وزارة الخارجية. اعتقل في جهاز الأمن السياسي، وتعرض للتعليق والتعذيب القاسي. 

ولولا تدخّل وزير الخارجية الدكتور المرحوم عبدالكريم الإرياني، والدكتور حسين العمري، والأستاذ حسين الحبيشي، والأستاذ محمود الصغيري، لما أُفرج عنه. 

للباحث المفكر العديد من الدراسات والأبحاث والكتب، منها: 

العقل والحضارة، الهوية، المتنبي وسقوط الحضارة العربية، الحقيقة والشريعة في الفكر الصوفي، قراءة في نصوص الحلاج والغزالي، 

وأبحاثه ومقالاته كاثرة. 

كثيرًا ما تحدث عن كتاب له عن صدام حسين والمتنبي. الدكتور عبدالسلام شديد الحساسية والمقت للاستبداد والعنصرية. كثيرًا ما كتب وحاضر عن الأحزاب السياسية: القومية والماركسية والتيارات الإسلامية. وعلى مدى أكثر من نصف قرن ظل المفكر العربي والإنساني واسع الاطلاع ومنفتحًا على عصره باتجاهاته المختلفة وتياراته المتعددة، فهو شديد التتبع لتيارات الحداثة والتجديد في الفكر الإنساني.

تتلمذتُ على محاضراته وندواته وكتاباته الكثيرة. دقيق الملاحظة، عميق التفكير، محب للحياة والعلم والناس، صاحب نكتة وبداهة، وفيّ لصداقته، فهو بتعبير الصوفية “الإنسان الكامل”. 

يقرأ الفكر الفلسفي وفكر النهضة وتيارات الحداثة بتميّز واجتهاد وفطنة لطبيعة المصطلح. متخففًا من حمولة الاستعارة، وبعيدًا عن الدوغماء والتقليد والجمود.

*نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق.

   
 
إعلان

تعليقات