Accessibility links

إعلان
إعلان

رستم عبدالله*

أخذ شمعون وأسرته يقطعون الفيافي والمدن وقد بلغ بهم التعب مبلغه، سقطت ابنته الكبرى راشيل أرضًا مغشيًّا عليها من شدة التعب والإعياء، انحنى أبواها عليها يستحثانها على الوقوف والصمود ومواصلة السير..

شمعون: تحملي يا ابنتي تبقى القليل ونصل المدينة، إن توقفنا الآن سيلحق بنا صائدو الجراثيم، ويقتلوننا جميعًا.. ارتعبت راشيل عند سماع ذلك ونهضت، داست بكلتا قدميها على تعبها، شارفوا على الوصول، بلغوا المدينة ليلاً، والتي كانت تغفو بهناء وأمن وسلام، طرقوا أبواب عدة  لاستضافتهم، رفض الجميع استقبالهم لا سيما عندما كانوا يعلمون إنهم يهود، صرخت شمعة بصوت متعب يملؤه الأسى والتوسل أرجوكم ارحمونا، قتلوا عائلاتنا فلا تقتلوا آمالنا، رفض أصحاب المنازل الهنود، والأوروبيين، الأفارقة، والآسيويين استضافتهم، بل حذروا الجميع من خطورة استضافة اليهود، ومن مغبة فتح الأبواب لهم، وإن أي رحمة وشفقة بهم ستكون وبالاً على مضيفهم، عاد الحاج كنعان وأسرته من مزرعة الزيتون، أبصر عائلة شمعون وهي بحالة يرثى لها، احتضن الطفل الصغير المصاب بالحمى وأخرج مفتاح داره العريق، الممتد في أعماق التاريخ، فتح لهم الدار الكريمة، ودعاهم للدخول وسط استهجان وممانعة ومقاطعة جيرانه وخصص لهم أوسع غرف الدار ليقيموا فيها ووفر لهم المأكل والمشرب والملبس، تحسنت صحة وحالة شمعون وأسرته وازدادت وجوههم نضارة، وعضلاتهم قوة، وراحوا يتوسعون في أرجاء الدار، أخذوا غرفًا أخرى أرسلوا رسائل لأقاربهم  المشردين في شتى بقاع الأرض للحضور والإقامة معهم  وكفئران مسعورة أخذو يقضمون غرف الدار الواحدة تلو الأخرى، تمددوا كسرطان خبيث، وحاول الشيخ كنعان  وأسرته مقاومتهم واستعادة ما اغتصبوه من غرف إلا إنهم عجزوا أمام قوة شمعون وأسرته الجبارة، حاولوا أن يتشبثوا بما بقي من غرف وأن يتفاوضوا معهم، ويذكروهم بالجميل والمعروف وكيف استضافوهم وقت محنتهم وآووهم وأكرموا وفادتهم لكن لا يوجد في قاموس شمعون اليهودي وأسرته مكان لأخلاق أو ضمير، بل نهبوا ما بقي من مال وأرض ومزارع للحاج كنعان، وحصروه وأسرته في  ديمة مظلمة ملحقة بالدار، ومع هذا لم يسلم من الاعتداءات المتكررة كل يوم هو وأسرته. ذات صباح تشريني دافئ وجميل استيقظ الحاج كنعان على أصوات جلبة.. كان شمعون وزمرته يهدمون الديمة فوق رؤوس ساكنيها بوحشية، مات وأصيب نساء وأطفال كثر، وكان مع كل قتيل يسقط ينتشي الجلاد شمعون، والزبد يتناثر من أشداقه والشرر يتطاير من عيونه ويرعد بصوت قبيح.

– إما إن تغادر أنت وأسرتك لأي مكان، أو نهدم الديمة فوق رؤوسكم.

* قاص يمني.

   
 
إعلان

تعليقات