Accessibility links

اختيرت ضمن قائمة الـ100 امرأة ملهمة للعام 2022. معين العُبيدي.. من النجاح إلى التكريم


إعلان

كانت أول امرأة يمنية تحجز لها مكانًا في مجلس نقابة المحامين اليمنيين.

كما ترأست لجنة الحقوق والحريات في المجلس.

صنعاء – “اليمني الأميركي” – محمد الصباحي: 

رغم انشغالها المستمر، بعيدًا عن الأضواء والإعلام، بالكثير من الملفات المجتمعية والحقوقية والإنسانية منذ أكثر من ثمان سنوات في ظل الحرب في اليمن، إلا أن رسالتها محامية وأمًّا يملأ قلبها الحب والسلام، بالإضافة إلى عملها ناشطًا ووسيطًا لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة في البلاد، قد وصل صداه إلى العالم الخارجي، ليتم تكريمها واختيارها من قِبل شبكة (بي بي سي) ضمن قائمة أفضل 100 امرأة ملهمة في العالم للعام 2022م.

تلقت خبر اختيارها ضمن قائمة الـ100 عبر اتصال من مديرها في العمل.. تقول لـ”اليمني الأميركي”: تم نشر الخبر، وبدأ الناس يتناقلونه بينهم، وأنا لا أعرف إلا عندما اتصل بي مديري في العمل، وهو يقول بصوت عالٍ “والله وعملتيها يا معين، والله وعملتيها يا معين”.. اعتقدت أنني قمت بعمل قد أزعجه، وأن هناك مشكلة، لكن سرعان ما زفّ إليّ بشرى اختياري وتكريمي”.

لحظات سعيدة ومؤثرة في مسيرة الناشطة الحقوقية اليمنية معين العبيدي، عندما تلقت نبأ اختيارها ضمن القائمة.. تقول لـ “اليمني الأميركي”: “لم أتوقع هذا الاختيار الذي أدخل البهجة والسرور إلى قلبي وأسرتي، وأعطاني طاقة إيجابية كبيرة في الاستمرار في عملي، ومواصلة طريق العمل الحقوقي والإنساني الذي تكلل بهذا النجاح والتكريم”.

الجدير بالذكر أنه تم ترشيح اسم معين العبيدي بعد مقابلة مباشرة معها في السابق، وفق معايير تخصهم لم تكن تعرفها.. تؤكد: “تم طرح العديد من الأسئلة حول طبيعة عملي في الماضي والحاضر، والبرامج والأنشطة التي شاركت فيها، وخاصة خلال سنوات الحرب، وسيرتي الذاتية بشكل عام”.

من هي معين العبيدي، وما طبيعة النجاح الذي أهّلها ليتم اختيارها ضمن قائمة الـ100 امرأة؟.. هذا التقرير يجيب عن هذه الأسئلة:

النشأة والتعليم

عاشت معين العبيدي طفولتها بالقرب من والدتها كبنت وحيدة بجانب أربعة أولاد في مسقط رأسها بإحدى قرى مديرية شرعب السلام (شمال محافظة تعز)، منحدرة من أسرة متوسطة الدخل، أضطر والدها للاغتراب لفترات طويلة في المملكة العربية السعودية.

تلقت تعليمها في القرية حتى عام 1994م، عندها انتقلت أسرتها للعيش في مدينة تعز (جنوب غرب) لتكمل دراستها الثانوية بفضل الرعاية والتشجيع من قِبل والديها وإخوتها.

تخرجت العبيدي في الثانوية العامة بتفوق، لتكبر أحلامها وتطرق أبواب الجامعة، تخصص علوم سياسية، لكن هذا التخصص لم يكن متوفرًا في جامعة تعز، ولصعوبة الانتقال إلى العاصمة صنعاء (شمال) بسبب الظروف المادية، والأهم من ذلك خوف أسرتها من بقائها وحيدة في العاصمة، لم تستطع معين الالتحاق بهذا التخصص، لتلتحق بقسم جديد تم افتتاحه (حينها) في كلية الحقوق بجامعة تعز.

تقول: “كان التعليم الشيء الأهم في وعي أسرتي، لذا أتاحت الحصول على فرصتي الكاملة في مواصلة دراستي”.

اشتغلت على الانتهاكات بشكل رسمي أمام النيابة العامة.

لعبت مع زملائها دور الوسيط بين طرفيّ الصراع.

 

تغيير المسار

لم يكن مجال المحاماة ضمن اهتمامات معين العبيدي خلال دراستها الجامعية، بالمقابل لم تكن مهنة المحاماة للنساء معروفة، ولم يكن التخصص يحظى بإقبال كبير.

تقول: “عدد المتقدمين من البنات يكاد يكون معدومًا لدراسة الحقوق حينها”، لتكون العبيدي ضمن أوائل الخريجين للدفعة الثانية بتقدير جيد جدًّا، إلا أن أحلامها تبخرت في أن تبقى مُعيدة، أو تحظى بفرصة للتعاقد أو التطوع في الجامعة، مما جعلها تتجه مباشرة إلى العمل في مجال المحاماة، مستفيدة من روح التحدي التي تملؤها مع دعم والديها وإخوتها، إلا أن وجود معارضة كبيرة من باقي أفراد أسرتها وامتعاضهم من عملها في المحاماة، سبب لها الكثير من المشاكل بداية الأمر، ما قبل 2010 م، وحتى 2011م.

تقول: “انقسمت ردود أفعال عدد من أفراد أسرتي إزاء عملي في مجال المحاماة، فبعضهم ظل محايدًا، والآخر ناصبني العِداء مباشرة من بداية عملي ما قبل 2010م وحتى 2011م”.

لم تكن رحلة العبيدي في مجال المحاماة مفروشة بالورد، فقد صاحبتها الكثير من الصعوبات؛ باعتبارها امرأة في مجتمع ذكوري، لكنها كانت دومًا متسلحة بحب الضعفاء والمساكين من حولها، إضافة إلى تمتعها بكاريزما قوية، وامتلاكها قناعات كبيرة، وإيمانًا راسخًا بقضايا حقوقية وإنسانية لا يمكن أن تتنازل عنها أو تتخلى عن أصحابها.. كانت دومًا متسلحة بالعديد من المعايير التي تؤمن بأنها مثلت عاملاً جوهريًّا لاختيارها.

اشتغلت على عدة ملفات حيوية مثل ملف فتح الطرقات.

 

فلسفتها الخاصة

شكلت معين العبيدي فلسفتها الخاصة في التعامل مع عملها الحقوقي والإنساني، حيث عكفت على خدمة قضايا الناس من حولها، وتذليل جميع الصعاب التي تواجههم، وهو إحساس دائمًا ما تصفه في عدد من تصريحاتها الإعلامية بأنه يشعرها دائمًا بالرضا والاطمئنان، فأغلب أعمالها تقوم بها بشكل طوعي، وهذا يحقق لها راحة نفسية، حد تعبيرها.

ابتدأت الناشطة العبيدي مشوارها في العمل الطوعي الحقوقي والإنساني بمدينة تعز بعد تخرجها في الجامعة، وعملها في المحاماة، فكانت جُلّ قضاياها طوعية، ابتداءً من قضايا النساء الفقيرات والسجينات، في مشروع تبناه اتحاد نساء اليمن في تعز، متعلق بالعنف ضد النساء بشكل عام، حيث أُسند إليها رئاسة الفريق القانوني الذي تم تشكيله مع عدد من زملائها الحقوقيين حتى عام 2011م، لتستمر رحلتها الحقوقية بشكل مكثف ومركز على قضايا النساء، وكل ما يتعلق بحقوقهن المنتهكة، متسلحة بعدد من الدورات التأهيلية حصلت عليها من المرصد اليمني لحقوق الإنسان، لتكمل رحلتها في رصد جميع الانتهاكات، التي يتعرض لها الناس في المحافظة، وخاصة الجوانب الإنسانية حتى عام 2012م.

شكلت الأحداث التي عاشتها العبيدي منعطفات مهمة في مسيرتها بالعمل الإنساني والحقوقي بشكل خاص، حيث عملت على رصد الانتهاكات التي تعرض لها الشباب أثناء المسيرات والمظاهرات في تعز في (أحداث 2011)، أو ما عُرف بثورة الشباب، حيث شكلت العبيدي من وسط تلك الأحداث لجنة قانونية باعتبارها كانت أول امرأة يمنية تحجز لها مكانًا في مجلس نقابة المحامين اليمنيين، وتترأس لجنة الحقوق والحريات في المجلس، لتقدم تلك الانتهاكات بشكل رسمي أمام النيابة العامة، وفتحت فيها ملفات، إذ لم  تترك أسرة تقوم بدفن أحد أبنائها أثناء تلك الأحداث إلا بعد أن توثق بياناته من تصاريح الدفن وشهادات الوفاة في سجلات، لتكون قاعدة بيانات يتم الرجوع إليها من قِبل تلك الأسر، وفق ما شرحته لـ”اليمني الأميركي”.

النجاح الأكبر

استثمرت معين العبيدي عددًا من السمات التي تتصف بها شخصيتها، وعلاقاتها الواسعة، وأفكارها المعتدلة، وحديثها المقنع الذي لاقى القبول والنجاح من عامة الناس، لقربها من أوجاعهم وقضاياهم المصيرية، لتغير أولويات عملها مع فريقها، حيث بدأت تشتغل وتركز في عملها على الجوانب الإنسانية الطارئة في مدينة تعز، فقامت برصد وتوثيق بيانات ومعلومات الموتى منذ العام 2015م، لمدة خمس سنوات، متأثرة بما تشاهده كل صباح من جثث في ثلاجات الموتى في المستشفيات، بعد أن ساهمت الحرب في إقفال العديد من المحاكم في محافظة تعز حتى العام2020م.

وسيط بين المتصارعين

استمرت الناشطة العبيدي في عملها الطوعي بالتعاون مع مفوضية حقوق الإنسان في تعز متناولة العديد من الملفات منذ بداية العام 2020م، حيث لعبت مع زملائها دور الوسيط بين طرفي الصراع، جماعة (أنصار الله) والحكومة (المعترف بها دوليًّا)، وأسهم إيمان الطرفين بقدراتها ونواياها الحسنة وقبولها في إيجاد بيئة إيجابية للتفاهم وسماع صوتها، وكانت دائمًا ما تهمس لنفسها قائلة: لماذا لا يتم استثمار تلك العلاقة مع الأطراف المتصارعة، وقد كانوا من صنّاع القرار، بحكم المعرفة والثقة المتبادلة؟، وكان ذلك الدور بعيدًا عن أي أجندات سياسية ومنافع شخصية لديها وفريقها الوسيط، ليسهم ذلك في الحديث عن ملفات مهمة وحيوية مثل ملف فتح الطرقات، لكن سرعان ما كانت تصطدم تلك الاجتهادات الشخصية بالكثير من القرارات.

استمرت العبيدي مع فريقها في الوساطة في العديد من الملفات الخدمية الحيوية والمهمة، دون يأس، كملف المياه وإعادته إلى المناطق المحرومة التي يسيطر عليها طرفا الصراع، وكانت العبيدي قد قدمت العديد من المقترحات في السابق حول هدنة إنسانية من أجل السماح بدخول المساعدات الغذائية وجميع الاحتياجات الضرورية للناس في الأماكن المنكوبة مع استمرار عملها الدائم في الوساطة من أجل إتاحة فرصة للسلام، وعملت مع فريقها في عمليات تبادل مجموعة من الأسرى، والسعي للإفراج عنهم من سجون الطرفين المتصارعين.

المناصب القيادية

أسست العبيدي في مدينة تعز قبل سنوات الحرب مركزًا للتنمية المجتمعية يحمل اسمها، ليتوقف دعم المركز أثناء الحرب، لتعمل في العديد من المنتديات الخاصة بالتنمية المجتمعية، ومنسقة للكثير من البرامج والأنشطة لمنظمات حقوقية وإنسانية، واستطاعت أن تنال ثقتها حتى الآن، كما شاركت في العديد من الورش والندوات والدورات التدريبية والتأهيلية للشباب في مدينة تعز، ونالت عضوية عدد من المجموعات النسوية كمستشارة في حقوق الإنسان.

سقف طموح معين العبيدي لا حدود له على مستوى عملها الحقوقي والإنساني في خدمة ومناصرة قضايا الآخرين والتخفيف من معاناتهم، تساندها رسالتها المهمة في الحوار من أجل تقريب وجهات النظر المختلفة لخدمة السلام، أما على المستوى العائلي والشخصي كأم لطفلة لا يتجاوز عمرها العام الواحد، فهي تطمح أن تكون في نظر طفلتها نموذجًا تتأثر به، وقدوة لها في حياتها، وكذلك سيرة عطرة لدى الأجيال الحالية، وخاصة الفتيات المقبلات على العمل الحقوقي والإنساني، ليشكل هذا الاختيار والتكريم مسؤولية كبيرة بالنسبة لها.

«بالتأكيد أن هذا الاختيار يعني لي الكثير في مسيرتي الحقوقية والإنسانية، ودافعًا مهمًّا في مواصلة رسالتي المجتمعية والإنسانية، والتحاور البنّاء من أجل وطن يتسع للجميع»، قالت متحدثة لصحيفة (اليمني الأميركي).

   
 
إعلان

تعليقات