Accessibility links

إلى أين يمضي بنا التعصب والدجل باسم الدين؟


إعلان

وضاح عبدالباري طاهر*

لم يُمنَ العالم العربي والإسلامي بمصيبة كمصيبة الحكم. وهذا الانحطاط الذي نعيشه اليوم ليس إلا مآلاً طبيعيًّا، ونتيجة حتمية لفساد هذه السلطة السياسية، وبُعدها عن مصالح الناس وتحصيل سعادتهم.

كان الانقلاب على الشورى والاختيار باغتصاب الحكم عن طريق القوة والغلبة هو البلاء الذي شقي به الناس. لقد تسلط اللص المتغلب على الحكم، وابتز الأمة أمرها، وحقها في أن تختار من يمثلها، وكانت القوة هي اللغة الوحيدة التي يجيدها الحاكم، ويخاطب بها محكوميه. 

ذكر ابن عبد ربه في كتابه (العقد الفريد)، أن معاوية لما قدم المدينة عام الجماعة، تلقّاه رجالُ قريش، فقالوا له: الحمد للهّ الذي أعزَ نصْرَك، وأَعْلى كَعْبك. قال: فواللّه ما ردّ عليهم شيئًا، حتى صَعِد المِنْبر، فَحَمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإِني واللّه ما وَليتُها بمحبة علمتُها منكم، ولا مَسَزَة بولايتي، ولكني جالدتُكم بسيفي هذا مُجالدة”.

وفي الوقت الذي أمسك الولاة المتغلبون بزمام الحكم وشؤون السياسة، كان رجال الدين الأتقياء يبثون قيم الدين الأصيلة بين بسطاء الناس، لتهذيب أخلاقهم، وتزكية بواطنهم، لكن سرعان ما امتدت يد السياسة إلى الدين لتستقوي به، وتستمد شرعيتها منه. وهنا كان الاختلال الثاني؛ إذ صارت الدعوة أيضًا بالقوة والإكراه بدلاً عن الموعظة الحسنة، وعوضًا عن التي هي أحسن.

أليس مما يروى من الحديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله)، بما يخالف نص القرآن الكريم: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، وقوله: (لا إكراه في الدين)، وقوله: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).

لقد أصبح رجل الدين الوجه الآخر لرجل السياسة، وحلت الغلظة والقسوة منه محل اللين والرحمة، ووضعت الأحاديث الكثيرة التي تدعم السلطة السياسية – سلطة الرجل المتغلب، أو سلطة رجل الدين: (من بدل دينه فاقتلوه)، وكأن الدين مصيدة فئران من علق فيها لا يخرج منها.

ولأن التاريخ بالنسبة لنا، نحن العرب والمسلمين، لم يبرح مكانه، ولم يغادر موقعه، فيومنا كأمسنا، وغدنا كيومنا، فـ:

الناس كالناس والأيام واحدة / والدهر كالدهر والدنيا لمن غلبا

ولأننا لمن نعد نتعجب مما يجري حولنا؛ لأن أمرنا قد صار كله عجب. فلنذكر هذه القصة التي ذكرها العلامة محمد رشيد رضا في مجلته (المنار)، بأن الشيخ محمد أبو زيد ذكر في إحدى مذكراته أن رسالة آدم غير ثابتة بنص قطعي، وإنما دليلها ظني، بل القول بها معارض بظواهر الآيات، وبحديث الشفاعة المتفق عليه في البخاري ومسلم، وأن أول رسول هو نوح عليه السلام، فانبرى بعض شبان الأزهر بإيعاز من بعض شيوخهم بتكفيره، والتشهير به، والقيام بالحسبة عليه إلى قاضي دمنهور، فحكم هذا القاضي بردته، والتفريق بينه وبين زوجته. (المجلد 21، جزء 1، ص 49).

فإذا كان أبو زيد الأول يذهب إلى رأي يسنده ظواهر القرآن، وأصح كتبي أهل السنة: البخاري، ومسلم – يتم تكفيره، والحكم بردته، والتفريق بينه وبين زوجه؛ فكيف يكون حال أبو زيد الثاني الذي لا إمام له سوى عقله الذي وهبه الله له ليبحث به ويفكر ويحاكم الأشياء بحسب اجتهاده، لقد تم تكفيره أيضًا والحكم بردته والتفريق بينه وبين زوجته.

بدأت محنة المفكر الدكتور نصر حامد أبو زيد من مسألة ترقيته إلى درجة الأستاذية التي تقدم بها مجلس اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة القاهرة، تقديرًا له على إنجازاته واجتهاداته في الدراسات الدينية والتراثية، لكن اللجنة العلمية، وعلى رأسها الدكتور عبد الصبور شاهين، بدلاً من الاعتراف بجهود هذا المفكر، ردت بأن لاحق لهذا الأستاذ في الترقية، وقامت باتهامه بالإلحاد والكفر والمروق من الدين.

فمن هو عبد الصبور شاهين: إنه عضو الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم ، ومستشار مجموعة الريان لتوظيف الأموال الإسلامية التي اتضح أنها أكبر عملية احتيال على أموال آلاف الملايين من أموال المواطنين المصريين، وهو أيضًا عضو اللجنة الشرعية لواحد من سلسلة البنوك الإسلامية.

والجدير بالذكر أن الدكتور نصر أبو زيد في مقدمة كتابه (نقد الخطاب الديني) أشار إلى ضرورة قراءة الخطاب الديني المعاصر وشعاراته، في سياق المواقف السياسية المباشرة من قضايا التنمية والعدل الاجتماعي، كما يشير في هذا الصدد إلى فضيحة مجموعة الريان لتوظيف الأموال بوصفها عملية نصب كبرى لا مثيل لها أتيح لها أن تتمدد وتستشري تحت يافطات إسلامية منحها إياها مستشارون إسلاميون.ٍ

هذا هو الثمن الذي دفعه الدكتور نصر حامد أبو زيد وتصديه للسلطتين الفاسدتين: السياسية والدينية، وتكريس قلمه لقضايا التنوير والعدالة وحرية التفكير.

*كاتب يمني.

   
 
إعلان

تعليقات