Accessibility links

إسماعيل بن أبي بكر المقري الفقيه والشاعر المُفْلِق


إعلان

وضاح عبدالباري طاهر*

إسماعيل بن أبي بكر بن عبدالله المقري الشغدري الشاوري الشرجي اليماني الحسيني؛ نسبة لأبيات حسين من اليمن، وأصله من الشرجة من سواحل اليمن، كما قال ابن حجر في أنبائه، وقال غيره، مما لا ينافيه: أصله من بني شاور، قبيلة تسكن جبال اليمن شرقي المحالب. 

ولد سنة أربع وخمسين وسبعمائة بأبيات حسين، ونشأ بها، ثم انتقل إلى زبيد، وتفقه بجمال الدين الريمي شارح التنبيه، فقرأ عليه المهذب، وأخذ العربية عن محمد بن زكريا، وعبداللطيف الشرجي، فمهر فيهما وفي غيرهما من العلوم، وأقبل على قرض الشعر، فبرع فيه، وأجاد حتى فضله بعضهم على المتنبي.

أقبل عليه ملوك اليمن، وصار ذا حظ عند الخاصة والعامة، كما ولاه الأشرف تدريس المجاهدية بتعز، والنظامية بزبيد، فعمت فائدته، وانتشر ذكره في سائر البلاد.

ولي أمر المحالب، وعين للسفارة إلى الديار المصرية، ثم تأخر عن ذلك، طمعًا في قضاء الأقضية بعد الفيروزابادي صاحب القاموس، فلم يتم له ذلك، وكانت نفسه تطمح للقضاء في فترة الفيروزابادي، حيث كان الفيروزابادي قد عمل للسلطان الأشرف كتابًا أول كل سطر منه ألف؛ فاستعظمه السلطان، فعمل ابن المقري كتابه الذي لم يسبق إلى مثاله المسمى “عنوان الشرف”، والتزم أن تخرج من أوائله وأواخره وأواسطه علوم غير العلم الذي وُضِع الكتاب له وهو الفقه.

لم يتم الكتاب في حياة الأشرف، فقدم لولده الناصر، فنال حظوة عنده وعند سائر علماء عصره ببلده وغيرهما، وأعجبوا به، وهو مشتمل مع الفقه على نحو وتاريخ وعروض وقوافٍ. 

وفي الفقه اختصر ابن المقري روضة الطالبين للنووي، وسماه الروض، مختصرًا الاسم أيضًا، واختصر الحاوي الصغير، وسماه الإرشاد، وشرحه في مجلدين.

قال عنه العلامة المحدث نفيس الدين العلوي: إنه سمع باليمن كلاًّ من ابن حجر وشعبان الآثاري يقولان: ما نعلم أعلم، ولا أفصح في الشعر منه، وهو يربي على أبي الطيب المتنبي.

 وقال عنه المؤرخ الخزرجي: إنه كان فقيهًا محققًا باحثًا مدققًا، مشاركًا في كثير من العلوم، والاشتغال بالمنثور والمنظوم. إن نظم أعجب وأعجز، وإن نثر أجاد وأوجز؛ فهو المبرز على أترابه، والمقدم على أقرانه وأصحابه.

وذكر أنه كان غاية في الذكاء والفهم لا يوجد له نظير، وله تصانيف في النحو والشرع والأدب وغير ذلك، وأنه قرأ عليه ديوان المتنبي، فاستفاد بفهمه وذكائه أكثر مما استفاد ابن المقري منه.

ووصفه ابن حجر في تاريخه “إنباء الغمر” بعالم الديار اليمنية، وقال عنه: إنه مهر في الفقه والعربية والأدب، وإنه اجتمع به في سنة ثمانمائة، ثم في سنة ست في كل مرة يحصل له منه الود الزائد والإقبال، وذكر تنقل الأحوال به، وولايته إمرة بعض البلاد في دولة الأشرف، وما ناله من الناصر من جائحة تارة، وإقبال تارة أخرى.

كما ذكر أنه كان يتشوق لولاية القضاء في اليمن، فلم يتفق له، وأنه ولي عدة ولايات دون قدره، وله تصانيف، وحذق تام، ونظم مليح إلى الغاية… إلى أن قال عنه: ما رأيت باليمن أذكى منه. 

وذكر ابن قاضي شهبة في طبقاته أنه ناظر أتباع ابن عربي، وله فيهم غرر القصائد، وذكر أن وفاته كانت في سنة سبع وثلاثين وثمانمائة. 

كما ذكر السخاوي أبرز من أخذ عنه، وهو التقي عمر الفتي، وذكر عنه أنه كان يرجح مختصر الروضة للأصفوني على الروض لشيخه؛ لعدم تقيد شيخه ابن المقري بلفظ الأصل الذي قد يؤدي لتباين ظاهر بخلاف الأصفوني، فهو متقيد بلفظ الأصل؛ ولذا عمل الفتى كتابه “الإلهام لما في الروض من الأوهام”.

وقد شرح الروض شرحًا بليغًا شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، كما شرح الإرشاد العلامة الكمال بن أبي شريف المقدسي. 

قال عنه العفيف الناشري، وهو ممن أخذ عنه: مدقق وقته في العلوم، وأشعر أهل زمانه، وذكر أنه كان غاية في التدقيق إذا غاص في مسألة وبحث فيها اطلع فيها على ما لم يدركه غيره؛ لكون فهمه ثاقبًا، ورأيه وبحثه صائبًا، حتى إنه حرر كثيرًا مما اختلف فيه أتم تحرير، ومع ذلك كان غاية في النسيان، قيل إنه لا يذكر ما كان في أول يومه، ومن أعجب ما يُحكى في نسيانه أنه نسي مرة ألف دينار بزنبيل، ثم وقّع عليه بعد مدة اتفاقًا فتذكره.

خاض ابن المقري معارك فكرية وشعرية مع متصوفة زمانه من أتباع الشيخ ابن عربي، ووقع له نظير ما وقع للمتنبي، وهو الحرمان مما كان يطمح إليه، وهو تولي قضاء الأقضية. 

كما وقعت الوحشة بين ابن المقري مع الناصر الرسولي، نظير الوحشة التي وقعت بين المتنبي وسيف الدولة الحمداني، إلا أن ابن المقري لجأ إلى مقام الفقيه الولي الكبير أحمد بن موسى بن عجيل، وأقام ببيت الفقيه سنة، والرسل تتردد بينهما، ولولا خوف الناصر أن ينتقل ابن المقري، فيلحق بإمام عصره أو إلى أحد من الملوك، لما وقع الصلح بينهما، بشفاعة ابن عجيل بحسب اختيار الناصر، ثم إنه لما عاد ابن المقري من بيت الفقيه، أرسل إليه السلطان بهذا المثل: التأم جرح والإساة غيب. ومعناه أتظن أنك لما جانبتنا أنا لا نستغني عنك، فقد استغنينا عنك، فقال ابن المقري مجيبًا له: 

وعاش طفل ما يريبه أب. ومعناه وأنا لم أحتج إليكم. وقد عمل ابن المقري قصيدة فيها هذان المثلان، وكانت آخر قصيدة يقدمها للناصر. 

 

مختارات من شعره 

*خذوا لي من سعدى أمانًا من الهجر/ فمالي على هجر الأحبة من صبر

وما الهجر من سعدى علي بهينٍ / فأسلو، ولا قلبي صفاة من الصخر 

أبيت فلا جفني يكف دموعه/ ولا غلة الأشواق تبرد من صدري

وما غمضت – أستغفر الله – مقلتي/ نعم غمضت لكن على دمعة تجري

لقد كثَّر الواشون عني وزوروا/ علي حديثًا لا ببطني ولا ظهري

وسدوا طريق الصلح بيني وبينها/ فما قبلت مني ولا سمعت عذري 

لئن حجبوها من مسارح ناظري/ فما حجبوها عن خيالي ولا فكري 

وعهدي بسعدى يدرك الصب عطفها/ ويحمل عن مشتاقها نُوَب الصبر 

فوا أسفا مالي هلكت من الأسى/ وفي يدها نفعي وفي يدها ضري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والله ماصدق الواشي الذي نقلا / أن المدامع جفت والفؤاد سلا

إن كنت أطمع في هذا وراءكم / طمعت في أن لي من مهجتي بدلا

وما حُسِدتُ على كوني أحبكم/ لكن على كونه حبًا جرى مثلا

رويدهم فالهوى لي والوصال لهم/ إن الهوى وحده دون الوصال بلا

وما يضيع الهوى فيكم وإن عملت/ فيه الوشاة وفينا ذلك العملا

ولي – وأنتم مرادي – حاجة صعبت/ إذا اقتضيت زماني كونها مطلا

وإن تغفلته يومًا وجاد بها/ أفاق مستقضيًا في قطع ما وصلا

أما الصدود فنفسي لا تصدقه / على الأحبة فيما قال أو فعلا

أنا المحب فإن لم أُجز عن شغفي / حباً بحب فما أجزي عليه قِلا

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

زيادة القول تحكي النقص في العمل / ومنطق المرء قد يهديه للزلل

إن اللسان صغير جِرمه وله / جُرمٌ عظيمٌ كما قد قيل في المثل 

فكم ندمتَ على ما كنت قلت به/ وما ندمت على ما لم تكن تقل

وأضيق الأمر أمر لم تجد معه / فتى يعينك أو يهديك للسبل 

عقل الفتى ليس يغني عن مشاورة / كعفة الخود لا تغني عن الرجل

إن المشاور إما صائبٌ غرضًا/ أو مخطئٌ غير منسوب إلى الخطل

لا تحقر الرأي يأتيك الحقير به / فالنحل وهو ذبابٌ طائر العسل

ولا يغرنك ود من أخي أمل / حتى تجربه في غيبة الأمل

إذا العدو أحاجته الإخا علل/ عادت عداوته عند انقضا العلل

لا تجزعن لخطبٍ ما به حيل/ تغني وإلا فلا تعجز عن الحيل

لا شيء أولى بصبر المرء من قدر/ لا بد منه وخطب غير منتقل

لا تحزنن على ما نلت حيث مضى / ولا على فوت أمر حيث لم تنل

فليس تغني الفتى في الأمر عدته/ إذا تقضت عليه مدة الأجل

لا تفرحن بسقطات الرجال ولا / تهزا بغيرك واحذر صولة الدول

إن تأمن الدهر أن يعلي العدو فلا / تستأمن الدهر أن يلقيك في السفل

وقيمة المرء فيما كان يحسنه/ فاطلب لنفسك ما تعلو به وسل

ظواهر العتب للإخوان أيسر من / بواطن الحقد في التسديد للخلل

والق الأحبة والإخوان إن قطعوا / حبل الوداد بحبل منك متصل

فأعجز الناس حر ضاع من يده / صديق ود فلم يردده بالحيل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من عاش حدث عن أيامه العجبا/ وأدبته ليالٍ تحسن الأدبا

فما يمر به حال ويسخطه/ إلا رآها لما يرضى به سببا

من كان يؤمن أن العسر يتبعه / يسر وضاق رأى المرجو قد قربا 

وفي التجارب ما يلجي اللبيب إلى/ تجنب الحرص في المطلوب إن طلبا

رزق الفتى رزقه والله قاسمه/ لا يأخذ المرء منه فوق ما كتبا

والسعي في الرزق بالإجمال مفترض/ فكن وعرضك تحت الصون مكتسبا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

  • الضوء اللامع، للسخاوي. 
  • ديوان ابن المقري.

*كاتب يمني.

   
 
إعلان

تعليقات