Accessibility links

أكاديمي يمني يتحدى الحرب بالعمل بائعًا للآيسكريم: الوجه الآخر للقصة


إعلان

صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي:

«أطمح أن يتحول عملي في بيع الآيسكريم إلى مصدر دخل أساسي ومستمر لأسرتي المكونة من خمسة أفراد، والتي عانت كثيرًا نتيجة للظروف الصعبة التي فرضتها الحرب»، يوضح لـ”اليمني الأميركي” الأكاديمي والباحث السابق في مركز البحوث والتطوير التربوي بجامعة صنعاء، عبدالله العصيمي (55 عامًا)، الدافع من توجهه لافتتاح مشروعه الخاص المتمثل بمحل صغير لبيع الآيسكريم في مدينة التربة، جنوب غرب محافظة تعز، الواقعة ضمن مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا (حوالي 300 كيلو متر جنوب غرب العاصمة اليمنية صنعاء). 

ويؤكد الأكاديمي العصيمي: «راتبي الحكومي (200 ألف ريال بالعملة الجديدة، نحو 150 دولار وفق سعر الصرف في مناطق الحكومة)، لم يعد يكفي لتلبية المتطلبات الأساسية للحياة جراء انهيار العملة المحلية، والارتفاع الجنوني في الأسعار، ونفقات تعليم الأولاد، وسداد فاتورة الديون المتراكمة، على كاهلي خلال سنوات من انقطاع الراتب بشكل كلي لأكثر من أربعة أعوام مع توقف الرواتب على معظم موظفي البلد، فما بالك أن المرتب لا يُصرف حاليًّا إلا كل ثلاثة أو أربعة أشهر».

 

مسيرة أكاديمية 

الباحث العصيمي الذي شق مسيرته التعليمية في ظروف صعبة ومعقدة كغيره من اليمنيين، تخرج في الثانوية العامة عام 1989م، وعمل مدرسًا ووكيلاً لمدرسة (النجاح – أصابح) بمسقط رأسه في عزلة الأصابح بمديرية الشمايتين – تعز، قبل أن يستأنف تعليمه الجامعي، ويحصل على شهادة البكالوريوس من قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة صنعاء عام 1997، ثم التحق بالدراسات العليا في كلية الآداب بجامعة بغداد، التي نال منها درجة الماجستير في التاريخ الإسلامي، عن رسالته المعنونة بـ(عدن ونشاطها التجاري من القرن الثالث إلى القرن التاسع الهجري)، وفي عام 2010 حصل على درجة الدكتوراه من كلية العلوم الإنسانية بجامعة دمشق عن رسالته الموسومة بـ(تعز ودورها في الحياة العلمية من 628 – 858 هجرية) إبان فترة حكم الدولة الرسولية التي اتخذت من مدينة تعز عاصمة لها.

ويذكر الباحث العصيمي: «بعد نيلي شهادة الدكتوراه، تزامنت عودتي إلى أرض الوطن إبان أحداث 2011، الأمر الذي عقّد من تسوية وضعي الأكاديمي لأكثر من عامين، وأنا أبحث عن وظيفة أكاديمية، حتى كان انضمامي إلى مركز البحوث والتطوير التربوي بجامعة صنعاء أواخر 2013».

ويتابع: «لم يكن الدخل المادي من العمل بالمركز في تلك الفترة بالقدر الذي قد يكون عليه أيّ باحث مقارنة بالدول الأخرى، إلا أنه كان مصدر الدخل الأساسي لأسرتي، وعندما اندلعت الحرب عام 2015، وما ترتب عليها من توقف للمرتبات، وجدت نفسي أقف أعزل أمام مجابهة غير عادلة مع الكثير من الالتزامات المادية كتكاليف الإيجار ونفقات المعيشة المرتفعة بالمدينة، مما دفعني إلى اتخاذ قرار النزوح مع أسرتي إلى مسقط رأسي في الريف عام 2017».

بعد سنوات من معاناة النزوح ومواجهة ظروف الحرب، أطلق الأكاديمي العصيمي مشروعه الخاص (آيسكريم الدكتور).

 

نزوح ومعاناة 

وعن معاناته بعد النزوح من صنعاء وفقده لعمله، يروي العصيمي: «مكثت عامين دون أيّ مصدر دخل، أتابع إلحاقي ضمن كشوفات النازحين لدى وزارة المالية في حكومة عدن، مما ضاعف من التزاماتي للحياة اليومية وتكاليف نفقات تعليم أولادي الذين كان ثلاثة منهم في مسيرة تعليمهم الجامعي، وحتى بعد اعتمادنا في تلك الكشوفات عام 2019، لم يتحسن وضعنا المادي بالشكل الذي يمكن أن تعيش معه حياة طبيعية، بسبب عدم انتظام صرف المرتبات أولاً، واستمرار الوضع الاقتصادي والمعيشي بالتدهور ثانيًا، الأمر الذي دفعني مؤخرًا للذهاب نحو البحث عن مصادر دخل أخرى».

بعد سنوات من معاناة النزوح ومواجهة ظروف الحرب، اختار الأكاديمي العصيمي العمل بمهنة بيع الآيسكريم، وافتتح محله الخاص (آيسكريم الدكتور) في مدينة التربة، مطلع شهر يونيو/ حزيران الماضي.

وعن سبب اختياره العمل في بيع الآيسكريم بالذات، والصعوبات التي واجهها في إطلاق مشروعه الخاص، وسير نشاطه التجاري حاليًّا.. يقول العصيمي: «ظلت فكرة محل الآيسكريم تراودني لأكثر من سنتين، لاعتقادي أنها ممكنة وقليلة التكلفة مقارنة بأيّ مشروع آخر، لكن التمويل كان هو العائق الوحيد أمام تنفيذها، وعندما وجدت تجاوبًا من أحد الأصدقاء الذي أقرضني مبلغ (1500 $)، سارعت إلى افتتاحه بالإمكانيات المتاحة».

الظروف السياسية المعقدة في البلد عرقلت التحاق العصيمي بوظيفته الأكاديمية لأكثر من مرة.

 

“آيسكريم الدكتور”

ويلفت إلى أن مشكلة التمويل التي أعاقت إطلاق مشروعه في السابق، ما زالت قائمة حتى اللحظة، حيث إن «المبلغ لم يكن كافيًا لتجهيز المحل بالشكل المطلوب، وتزويده بمعمل خاص لتصنيع الآيسكريم وآلات وثلاجات وغيرها من المستلزمات التي تتراوح تكلفتها بين 4 إلى 5 آلاف دولار، ومع اعتمادي على شراء الآيسكريم من معامل خارجية (تصل تكلفة الكيلوجرام إلى خمسة آلاف ريال يمني)، ودفع إيجار المحل (40 ألف ريال)، وفاتورة كهرباء بلغت في الشهر الأول فقط (عشرين ألف ريال)، فإن مشروعي ما زال يحتاج إلى تمويل إضافي لكي ينهض ويعبُر إلى بر الأمان».

سطوة الحرب

توجُّه الأكاديميين والباحثين اليمنيين من حملة الشهادات العليا في مختلف المجالات إلى سوق العمل لمواجهة التداعيات التي فرضتها الحرب، أصبح مشهدًا مألوفًا في البلد الذي يرزح تحت سطوة الحرب والحصار لأكثر من تسع سنوات، لكنه ما زال يثير تعاطف وحفيظة المجتمع اليمني الذي يتوجع لهذا المشهد، في الوقت الذي تعكس فيه هذه التجارب مدى قدرة المجتمع على تحدي واقعه من أجل الحفاظ على كرامة الحياة، انطلاقًا من قناعة مفادها أن البذل والعطاء لا يقتصر على مجال دون آخر، فالأهم هو تجاوز الوقوع في دائرة الإحباط واليأس.

ويشير الأكاديمي العصيمي إلى أنه في بداية إطلاق مشروعه، كانت مواجهة المجتمع المتعاطف معه أمرًا يزيد من الضغوط النفسية عليه، لكنه استطاع تجاوزها، وعكس تلك المشاعر من المجتمع إلى رسائل قيمية تُعلي من قيمة الكفاح والعمل ومواجهة التحديات، وتبث الأمل في نفوس الشباب المحبط جراء ارتفاع البطالة مع غياب فرص العمل.

ويضيف: «لستُ أنا الأكاديمي الوحيد الذي يعاني من هذه الظروف، فحتى زملائي الذين ما زالوا يعملون بمختلف الجامعات اليمنية يعيشون في وضع اقتصادي صعب.. الحياة تحتاج إلى كفاح ولا تتوقف عند شهادة ماجستير أو دكتوراه، والظروف أحيانًا تجبرنا على تغيير منحنياتنا العملية والمهنية لنتغلب عليها، ويبقى المهم أن يحمل الإنسان روحًا قادرة على البقاء والبناء والعطاء تحت أي ظروف، ولا يستسلم لليأس والإحباط».

العصيمي: لست الأكاديمي الوحيد الذي يعاني ظروف الحرب، فحتى زملائي الذين ما زالوا يعملون بمختلف الجامعات اليمنية يعيشون في أوضاع اقتصادية صعبة.

 

قبل الانصراف

قصة كفاح الأكاديمي العصيمي لم تنتهِ؛ إذ يطمح إلى تجاوز التحديات المالية التي يمر بها مشروعه، ويعمل على تطويره ليحقق الهدف من إطلاقه، وفي نفس الوقت ما زال لديه الرغبة والشغف للعودة إلى منصات الدرس الجامعي وطاولات البحث العلمي، والمساهمة، من خلال دوره الأكاديمي، بما يخدم وينقذ بلده من تداعيات الحرب على مختلف الأصعدة.

   
 
إعلان

تعليقات