Accessibility links

إعلان

فكري قاسم *
وانا طالب بالابتدائية أتهجى الحروف بصعوبة ماكنتش أعرف أنطق حروف (ص، ض، ط، ظ) سوا، وفي كل درس أنطقهن “صاط، ضاط، طاط، ضاط”.

تعب الأستاذ داخل الفصل وهو يعلمني كيف انطقهن سوا، وقال لي في يوم:

– حاول تصاحب الصاد والضاد والطاء والضاء تمامًا زيما تصاحب أي أربعة إخوة متشابهين، وانت شتعرف تنطقهن صح.

ما افتهمليش كيف أصاحبهن بالضبط، وجلست اتخيل أننا ألعب كل يوم مع “صاط وضاط وطاط وضاط” تمامًا زيما ألعب مع أصحابي المعتادين في الحارة.

وسلك حالي شوية مع حرف الـ”ص” وصاحبته وعرفت كيف أنطقه سوا، عدا “ض وط وظ” بقيت أنطقهن “ضاط طاط وضاط” ولا قدرت اطّمن لصحبتهن أبدًا، ليصبح الأمر عندي بمرور الوقت قياس شخصي لنوعية الأصحاب اللي ممكن يتعرف عليهم الإنسان في حياته.

وبالنسبة لي كبرت على قاعدة تسمية الأصحاب الحبوبين “صاد” وتسمية الأصحاب اللي ما بش عليهم ركان “ضاط”.

وتسمية الأصحاب الغائمين اللي يتغيروا عليك هكذا فجأة من دون أسباب واضحة “طاط”.

ولو أشرت باتجاه أحدهم وقلت بالفم الملان هذا صاحب “صاد” فذلك يعني أنه صاحب صاحبه، ومن جملة ذولاياك الناس الحبوبين والصادقين اللي يشتاق لهم الواحد دائمًا، ويحب أن يقضي الأوقات بصحبتهم.

ولو أشرت باتجاه أحدهم، وقلت هذا صاحب “ضاط” فذلك يعني أنه صاحب ضفط، ومن جملة الناس اللي يضبحوا بك ويضيقوا بك وما منهم غير الضجر وبس.

ولو أشرت باتجاه أحدهم وقلت لك هذا صاحب “طاط”، فذلك يعني أنه صاحب طارىء طول الوقت يهدر ويهرج، ووقت الصدق يطلع من جملة ذولياك الناس اللي يسموهم عندنا “طاط ونص”.

وأنا شخصيًّا إنسان صحوب أقيم للصحبة اعتبار وتقدير، وعرفت طيلة حياتي أصحاب خيرات غرفتهم بلا حساب إلى أوقاتي، وقاسمتهم اللقمة والضحكة والأحلام والتفكير بالمستقبل، وباغتنام بعض التفاهات المسلية لتمضية وقت لا يمكن له أن يمر بسلاسة من دون أصحاب.

صاحبت بسطاء كثر لم يغيرهم الوقت ولا تقلبات الزمن الوسخ، وكانوا على الدوام أصحاب “صاد” بكل ما تحمله الكلمة من معاني الصدق والصفاء والصداقة الصدوقة في الحياة.

وصاحبت أدباء وصحفيين ومفكرين وفنانين وعميقين ضمنت أنهم صفوة المجتمع، وأنهم في الحياة “صاد”، غير أن الكثير منهم طلعوا “ضاط” بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني الضفاطة والضلفعة والضجر اليومي اللي مالوش أي داعي.

وصاحبت ناس طارئين من مسؤولين وتجار وبرلمانيين وشخصيات اجتماعية لطالما اعتقدت بأنهم صفوة الصف الأول في المجتمع، وأنهم خلاصة “صاد”، غير أن الكثير منهم طلعوا “طاط ونص” بكل ما تحمله هذه الكلمة من المعاني المعبرة عن الصحب الطارئة التي يقع المرء فيها بين حين وآخر دون إدراك.

لكن بعمري كله عمومًا ما شفت في الدنيا أصحاب طلعوا “ضاط وطاط” بكل مثابرة واقتدار أكثر من جملة الأصحاب  اللي باضتهم فقاسة 2011 و2014، وأصبحوا بفضل من هاتين النثرتين أصحاب ثانيين ومختلفين غير اللي كنت أعرفهم من قبل.

واحد كان صاحب حبوب ومليح، ولما يكلمك عن المستقبل وانت جالس معه تشعر وانت تسمعه أنك جالس مع حكيم الزمان، وفجأة ما دريت إلا وقده من بين جملة الناس اللي يشوفوا المستقبل بعين الفقاسة، ولازم تكون زيه وشايف المستقبل في دولة الخلافة الإسلامية، ما لم فأنت من الآن وصاعدًا خصمه اللدود.

وواحد ثاني كان صاحب حبوب وجليس لطيف نسير أنا وهو في طريق واحد، نشتي دولة مدنية ونظام وقانون، وفجأة ما دريت إلا وقد الفكر المليشاوي بكله مجفش فوق رأسه، ويشتيني أكون زيه أشوف المستقبل بعيون النطفة المقدسة والحق  الإلهي، ما لم فإني العميل الأخطر لأمريكا وإسرائيل وللعدوان!

هولا الاثنين هم التعبير العملي لجملة الناس اللي يمكن أن نسميهم أصحاب “ضاط” اللي يجيبوا لك الضيق والضجر، وأما أصحاب “طاط” الذي لو حبينا أن ندلعهم، نسميهم طاط ونص فهم كالتالي: صاحب كان موظف عادي أين مالقيني يقول لي والله إنك أحسن صاحب، وفجأة فتحت له نثرتيّ 2011 و2014 أبواب الرزق على مصراعيه، واليوم لو شافني مصادفة في الشارع يعصر ليمشي من الشارع الثاني !

وصاحب تاجر من الأثرياء كان قبل النثرتين طول الوقت يغني لي هندي، وانت مبدع، وانا بابا، وانا ماما، وانا كلي لك، وفجأة قطع صحوبيته بي من دون أسباب، وهو ذاك ذلحين بيغني هندي لناس ثانيين من ضمار النثرتين!

وواحد من المسؤولين المقالين سابقًا من وظيفتهم بأيام “صالح” كان صاحب قوي قوي أين ما سار يشلني معه، ولا يفلتني أبدًا، عاد له الحظى في زمن النثرتين وطلع محافظ، وافدي الوجه الذي قفى!

وصاحب من الصحافيين؛ كان قبل 2011 يسهر للصبح بانتظار إرسال مقالي الأسبوعي للصحيفة اللي يعمل فيها، ودائمًا يقول لي: اسمك هو اللي يمشي الصحيفة، وبمجرد أن طلع وزير في حكومة الشرعية نسي اسمي!

وفي حياتكم الشخصية أنتم أيضًا هناك أصحاب كثر من هذي العينات عليكم أن لا تراهنوا مطلقًا على صحوبية أي واحد فيهم لأنك تكون في تعاملك معهم راكن أنهم “صاد” وهم في حقيقة الحال ضاط وطاااااط ما بوه عليهم ركان.

*كاتب يمني ساخر.

   
 
إعلان

تعليقات