Accessibility links

آثار اليمن بين رحى الحرب ونهْب التنظيمات الإرهابية


إعلان

آثاريون يمنيون يتحدثون لـ”اليمني الأميركي” عن الآثار والمتاحف خلال الحرب

 

صنعاء – “اليمني الأميركي” ـ محمد العلفي

لم يسلَم الإرث التاريخي لليمن من ويلات الحرب المستعرة منذ ست سنوات؛ إذ كشفت الإحصائيات الأخيرة للهيئة العامة للآثار والمتاحف التابعة لحكومة صنعاء (وهي إحصاءات لا تشملُ اليمن كله) عن تدمير (66) معْلمًا تاريخيًّا، منها (33) تدميرًا كليًّا.

وتُشيرُ الإحصائيات، التي تم إعلانها في المؤتمر الوطني الأول للآثار والمتاحف المنعقِد بصنعاء في الـ”20 ـ 21″ من كانون أول (ديسمبر) الجاري، إلى تفجير ونبْش (20) معْلمًا دينيًّا، وآثار إسلامية “أضرِحة، مزارات”، ومنها كنيستي البارودي وحافون بمحافظة عدن، من قِبَل تنظيمات داعش والقاعدة الإرهابية في المحافظات الجنوبية.

 

المتاحف

على الرغم من إغلاق المتاحف أبوابها أمام الزوار بداية الحرب حفاظًا على ما تحتويه من قِطع أثرية، إلا أنَّ عددًا منها تعرض لتدمير ” كلّي، وجزئي”.

يقولُ نائب رئيس الهيئة – عبدالله ثابت لـ”اليمني الأميركي”: «يوجدُ في اليمن أكثر من 22 متحفًا أثريًّا تابعًا للهيئة موزعة في مختلف المحافظات تم إغلاقها بداية الحرب حفاظًا على مقتنياتها، إلا أنّ التدمير طالها، حيث استهدف طيران التحالف متحف ذمار استهدافًا مباشرًا؛ مما أدى إلى تدميره كُليًّا، كما تم تدمير متحف أبين تدميرًا كليًّا».

 

عبدالله ثابت

 

«نعملُ الآن من خلال خبراء وطنيين على استخراج ما تبقّى من القطع الأثرية من بين الأنقاض، كما هو الحال في قلعة القاهرة بمحافظة تعز، ومتحف ذمار، واستطعنا إنقاذ آلاف القِطع، كما تضرر الكثير منه، ونسعى جاهدين لترميمها رغم شحة الإمكانيات المتاحة، وعدم مقدرتنا على الاستعانة بخبراء دوليين نتيجة استمرار الحرب والحصار»، يضيفُ ثابت.

 

يقولُ نائب رئيس الهيئة اليمنية للآثار عبدالله ثابت لـ”اليمني الأميركي”: «يوجدُ في اليمن أكثر من 22 متحفًا أثريًّا تابعًا للهيئة تم إغلاقها بداية الحرب حفاظًا على مقتنياتها، إلا أنّ التدمير طالها، حيث استهدف طيران التحالف متحف ذمار استهدافًا مباشرًا، كما تم تدمير متحف أبين تدميرًا كليًّا»

 

النَّهب والسَّلب

ويرى المدير التنفيذي لمركز الهدهد للدراسات الأثرية بصنعاء – الدكتور فهمي الأغبري، في حديثه لـ”اليمني الأميركي” أنّ الآثار التي سلِمتْ من غارات الطيران تعرضتْ للنهب والسلب والتخريب جراء عمليات النبش والتجريف لها من قِبَل ما وصفهم “أدوات العدوان” من التنظيمات الإرهابية، وضعيفي النفوس الذين يسعون إلى جمع المال بأيّ وسيلة.

ويضيف: «في ظلّ غياب السلطة في المحافظات التي تقع تحت سيطرة ما يسمّى بالشرعية تعرضتْ مواقع أثرية إلى الحفْر العشوائي ونهْب موجوداتها، والقيام بتهريبها من قِبل ضعيفي النفوس، وقد تابعنا بعضًا منها على شبكة الانترنت».

 

د. الأغبري

 

«أقولُ لأولئك الذين يتهافتون على آثار بلادهم لبيعها: مهما بلغت تلك الأموال تظل زهيدة؛ فالآثار كالعِرض لا تُباع ولا تُشترى»، يُتابعُ الأغبري مشيرًا إلى ما تُمثله الآثار من أهمية؛ باعتبارها هوية.

«كلّ قطعة تخرجُ من البلاد تضيعُ علينا معها فترة من الفترات التاريخية لوطننا، لذلك يجبُ أنْ نعِيَ ونستشعرَ المسؤولية تجاه هذه الآثار، فإذا لم نستطع دراستها في الوقت الحاضر على الأقل فلنتركها للأجيال القادمة؛ ربما تكون الظروف لديهم أحسن من الظروف التي نعيشها، وبالتالي سيكتبون تاريخنا كما تركه لنا أجدادنا».

 

منظمات المجتمع المدني

 ويقولُ الدكتور الأغبري: «دور منظمات المجتمع المدني، للأسف، في الفترة السابقة، كان شبه مغيّب؛ فمنهم من يلهثُ وراء الشهرة والمال ما أدى إلى عدم قيامهم بدور حقيقي تجاه الحفاظ على الآثار».

ولفت إلى أنّ تلك المنظمات لم تقُم بدورها في توعية المجتمع بأهمية الآثار، وما يُمثّله تهريبها من جريمة بحقّ الوطن؛ نظرًا لأنّ مَن ينبشُ أو يخرّب يقوم بذلك نتيجة لجهله بقيمة ما وقَعت عليه يديه من موجودات أثرية.

واستطرد: «لو تم توعيته بالقيمة التي تُمثلها تلك القطع الأثرية، وما تحكيه من معلومات تاريخية في حال تركَها في مكانها، واستطاع الباحثون الوصول إليها ودراستها لزادت قيمتها أضعافًا مضاعفة عن الثمن الذي باع به تلك القطعة».

 

كشفتْ الإحصائيات اليمنية الأخيرة للهيئة العامة للآثار والمتاحف التابعة لحكومة صنعاء عن تدمير (66) معْلمًا تاريخيًّا، منها (33) تدميرًا كليًّا

 

عملٌ منظَّم

ويرى مدير عام حماية الآثار والممتلكات الثقافية في الهيئة العامة للآثار بصنعاء – عبدالكريم البركاني أنّ تدمير التراث الثقافي والمواقع الأثرية عمل منظَّم يُرادُ منه تدمير الهُوية الوطنية لليمن، مستدلًّا على ذلك بالقصف المباشر للمدن التاريخية والمواقع الأثرية والدينية والمعالم الإسلامية والمتاحف والبنية الثقافية ونهبها من قِبَل ما أسماهم أدوات التحالف في عدة محافظات.

وذكر أنّ أول استهداف لطيران ما أسماه “العدوان” كان لمسجد عبدالرزاق الصنعاني بمحافظة صنعاء، الذي تم بناؤه سنة 192 هجرية… «والذي معه بدأت الاستهدافات تطالُ كثيرًا من المَعالم الأثرية».

ويشير البركاني إلى الجهود التي بُذِلت في ظل شحة الإمكانيات لرصد ومتابعة ما تتعرضُ له المواقع الأثرية والمعالم التاريخية في اليمن من خلال إنشاء غرفة عمليات بإمكانات بسيطة، معتبِرًا هذه البيانات إحصائيات أولية إلى حين انتهاء الحرب لتتمكن الهيئة من رصد وتسجيل جميع الأضرار التي تعرضتْ لها مختلف المواقع الأثرية بمختلف المحافظات.

«نحن نستشعرُ الخطر الذي تتعرضُ له المواقع الأثرية والمعالم التاريخية، وقد رفعت الهيئة الكثير من النداءات الدولية لطلب العون والمساعدة؛ للحفاظ على التراث الثقافي اليمني، وقد تفاعلت بعض الدول المُحِبة للتراث اليمني، خاصة تلك التي انبثقت منها بعثات أثرية زارت اليمن في السابق، فكانوا عونًا لنا في إيصال رسالتنا للمجتمع الدولي، وكذلك الحال مع منظمة اليونسكو التي أوصلت رسالتنا إلى الأمم المتحدة بإيقاف الحرب على اليمن واستهداف مقدراته الثقافية»، يضيف.

 

الحفاظ على ما تبقّى

فيما يؤكد أستاذ الآثار بجامعة صنعاء – الدكتور غيلان حمود غيلان أهمية وقوف الجميع، ولا سيما علماء الآثار للدفاع عمّا هو موجود، وصيانة وترميم ما تضرر، ومتابعة ورصد ما تم إخراجه ونهبه؛ في سبيل الحفاظ على الحضارة والتاريخ اليمني مما يتعرضُ له من هجوم ونهْب، حدّ قوله.

د.غيلان

«ما تعرضتْ له المواقع الأثرية من اعتداء ونهْب من قِبَل قوات العدوان (قوات الحكومة المعترَف بها دوليًّا مع قوات التحالف السعودي الإماراتي) ظهر جليًّا عندما قامت تلك الدول ببناء تاريخ وهمِي لها من خلال قِطعنا الأثرية المتنوعة التي بدأت تعرضها في متاحفها على أنها من حضارتهم، وهي ليست إلا من الحضارة اليمنية الضاربة في عمق التاريخ»، يضيف.

ويُتابع الدكتور غيلان: «نحن نقوم بالتعاون مع زملائنا الأحرار الأثريين في العالم بمحاولة استرجاع ما يمكن استرجاعه من تلك القطع التي تم تهريبها؛ فعلى سبيل المثال أحد المشاركين عبْر منصة الزوم في أول أيام المؤتمر الوطني، وهو أثري بلجيكي، أفاد أنه تم القبض على قِطع أثرية يمنية مهرَّبة في فرنسا؛ لكن بسبب الأوضاع لم يتمكنوا من إعادتها لليمن».

 

استرجاع الآثار المنهوبة

ويفيدُ الدكتور غيلان بإمكانية استرجاع القطع الأثرية المهرَّبة قائلاً: «هناك اتفاقيات دولية بهذا الخصوص، وأيّ قطعة مسجَّلة سنستعيدها بكلّ سهولة عبْر الانتربول والمنظمات الدولية التي تعرفُ تمامًا أنّ هذه القطع أثرية يمنية مسجلة».

وفيما يتعلق بتلك القطع الأثرية غير المسجلة يؤكد أنّ «آثار اليمن معروفة لدى الأثريين، وبالإمكان استعادتها عبْر المطالبة بها مستقبلاً بعد توقُّف الحرب كما هو الحال مع استعادة الآثار المصرية المهرَّبة».

   
 
إعلان

تعليقات