Accessibility links

إعلان
إعلان

بلقيس محمد علوان*

نحن وأبناؤنا: نكبر ويكبرون، نتغير ويتغيرون، تتغير الأشياء من حولنا، يتغير الزمن، تتغير فينا وفيهم القناعات والرؤى، السمات الشخصية والإدراك، وهذا ينطبق على الجميع من الشباب إلى كبار السن، تمر علينا مع أبنائنا أوقاتاً نشعر أنهم كتاب مفتوح بين أيدينا للحد الذي نجزم بعبارات واثقة من قبيل: أكيد أن ردة فعله ستكون كذا وكذا، أو ابني أو ابنتي مستحيل أن يفعل كذا وكذا، وفي أوقات نشعر أنهم غرباء عنا مختلفون لا نفهمهم، ونشعر أن ثمة فجوة بيننا وبينهم لا نحن قادرون على تفهمهم، ولا هم يتقبلون آراءنا، أو قناعاتنا، وباختصار نشعر بفجوة بيننا وبينهم، تضيق حينًا وتتسع أحيانًا، وقد تكون النتيجة القطيعة، أو الصدام.

إنها فجوة الأجيال ولو عدنا بالزمن إلى المرحلة التي كنا فيها في مثل أعمارهم لتذكرنا أننا كنا نقول: إن أهلنا لا يفهموننا على سبيل المثال علاقاتنا بأصدقائنا، اختياراتنا في المأكل والملبس، لا تروق لهم، بمرور الوقت أصبحنا نقوم بدورهم، ونقرر كلما كنا نعترض عليه من قرارات تصدر عن آبائنا وأمهاتنا، وهكذا من الواضح أن هناك فجوة بين الآباء والأبناء في كل الأجيال، لكنها تزداد اتساعًا في عصرنا الحالي لأن التغير في حياتهم متسارع بشكل كبير، يقابله تمسك من قبلنا بآراء وتفاصيل وقرارات واختيارات نتبناها، والنتيجة أن الفجوة تزداد بمرور الوقت مما يؤثر في علاقتنا بأبنائنا… الآباء غير قادرين على فهم أبنائهم أو بعبارة أخرى غير قادرين على تفهم التغير المتسارع في وتيرة الحياة حاليًا.

إننا كآباء وأمهات يفترض أننا وصلنا إلى مرحلة من الرشد والنضج تؤهلنا لأن نكون أكثر تفهمًا واستيعابًا، بل وقدرة على الإسهام في ردم هذه الفجوة، وباختصار من المهم جدًا أن ينمو الآباء ويتعلمون مع مرور الوقت، ويواكبون ليصبح من السهل إصلاح هذه الفجوة بين الأجيال إذا كانت هناك إرادة للقيام بذلك، وفي هذا السياق يقدم لنا الخبراء مجموعة من النصائح:

  • حافظ على ذهن منفتح: بمعنى ألا نتحكم بكل صغيرة وكبيرة في حياة أبنائنا، وأن نكون منفتحي الذهن على مستويات جديدة للحياة، مستويات فيها خيارات لا تروق لنا، وتفاصيل قد لا نقبلها، وبالتالي لن يكون من المناسب أن نفرض قناعاتنا على أبنائنا، وفي هذه المرحلة نحن وهم بحاجة ماسة لأن نسمعهم، ونفهمهم، ونتفاعل معهم ومع اهتماماتهم التي قد نعتبرها سطحية وتافهة، وليس بالضرورة أنها كذلك، لذلك يجب أن نستمع ونفهم وجهة نظر الأبناء بعقل متفتح دون تشكيل حكم مسبق، أو توقعات جاهزة.
  • تحدث معهم:

هناك بعض القضايا والموضوعات التي لا يشعر الأبناء بالارتياح لمشاركتها مع والديهم، لأن لديهم تعليمات مسبقة وتوجيهات منهم بما يجب وما لا يجب، وهذا هو سبب خوفهم من المجيء إلى الوالدين طلبًا للمساعدة، ويدخل في هذا الجانب ما يتعلق بالدراسة واختيار التخصص، أو الحياة العاطفية والعلاقة بالجنس الآخر، هنا سيذهب الأبناء إلى أشخاص آخرين يسمعونهم ويزودونهم بنصائح وتوجيهات تتناسب مع ما يريدون، وهنا لا بد أن ندرك تمامًا أننا لا يجب أن نرفع سقف توقعاتنا وألا نستبعد منهم الخطأ والعثرات، أو أن يصدر عنهم ما لا نتوقع لأنه وارد فعلًا، ولذلك نحن بحاجة إلى إيجاد رابط من الثقة والتفهم بلا توقع وبلا أحكام مسبقة كي يأتون إلينا للحصول على أي نوع من المساعدة، ولا يمكن القيام بذلك إلا من خلال الحديث المتكرر، وهذا يتطلب أن نكون منفتحين على جميع أنواع المناقشات، وسيساعد ذلك في تقريب المسافات بيننا.

  • كن أذنًا مستمعة: التأنيب الشديد، وردود الفعل السريعة، واللوم الدائم على الأخطاء توسع الفجوة بيننا وبين أبنائنا، وبدلًا منها نحتاج التحدث معهم حول سبب حدوث ذلك، نحتاج منهم أن يشرحوا لنا وأن نستمع إليهم بكل صبر، من المهم جدًا الاستماع فقط وعدم التحدث في بعض الأحيان، لأن الاستماع سيمكننا من فهمهم أكثر.
  • حاول أن تفهم وتتفهم: فالفهم مهم جدًّا لبناء علاقة جيدة، وبدلًا من اللوم والتأنيب لنحفزهم على تقديم الأفضل وعلى أن يكونوا قدوة من خلال التفوق في الحياة، وفي ما يحبون.  
  • أحببهم بدون شروط: فالحب غير المشروط يشعر الأبناء بالأمان، لأنه غير مرتبط بشروط مثل التفوق والسلوك واتباع التعليمات، وهذا يحتم علينا أن نفصل بين حبنا لهم وعدم قبول تصرفات نرفضها منهم، فنحن نحبهم على كل حال.
  • حلول وسط: بدلاً من إجبارهم على طريقة تفكيرنا أو إجبارهم على فعل ما نريد منهم فعله عندما لا يريدون ذلك نحتاج وقتها للوصول لتسوية أو مساحة مشتركة،فهناك أوقات نحتاج فيها إلى وضع أقدامنا على نفس الخط مع أبنائنا لنتوصل إلى حل وسط بدلاً من فرض كل خطوة يقومون بها، هذا سيجعلهم أقرب إلينا، ويجعل فجوة الأجيال أصغر قليلاً.

الفجوة بين الآباء والأبناء في الوقت الراهن تكاد تكون هي الأكبر والأوسع مما كانت عليه في الأجيال السابقة، فقد كان الآباء والأبناء يعيشون في وسط لم يتغير كثيرًا، تحكمه منظومة عقدية واجتماعية وعادات وتقاليد ينضوي تحتها الجميع ويتلقون معلوماتهم وخبراتهم في الوسائط نفسها، لكن الآباء في الوقت الحالي ممن هم من مواليد العقود الأخيرة من القرن الماضي يختلفون في كثير من التفاصيل مع الأبناء، وخصوصًا مواليد الألفية الثالثة، فظروف النشأة والتثقيف والتعليم، ومصادر التعلم والمعلومات تختلف كثيرًا، وهذا وسع الفجوة بشكل واضح، ولكن قد يكون تضييق الفجوة أمرًا أيسر في حال كون الآباء على قدر من العلم والوعي يمكنهم من التعاطي مع هذا الواقع، لكنه أصعب بكثير مع الآباء الذين لم تساعدهم الظروف على أخذ قسط من التعليم يمكنهم إلى حدٍ ما من المواكبة ومحاولة القرب أكثر وأكثر بوعي وتفهم يمكنهم من تضييق الفجوة بينهم وبين أبنائهم، وخصوصًا مع تنامي علاقتهم بالعالم الرقمي، وبشكل عام من المتوقع أن تكون الفجوة بين الآباء والأبناء أضيق في الجيل القادم؛ كونهم يعيشون في ظل مؤثرات متقاربة أهمها معطيات وإمكانيات العالم الرقمي، وبالنسبة لنا آباء نهاية القرن الماضي مع أبناء الألفية الثالثة لا يجب أن نقف مكتوفي الأيدي بل علينا أن نسعى لتضييق الفجوة بيننا وبين أبنائنا، وهذا مقدور عليه إلى حدٍ ما، لكن فجوات أخرى بين الآباء والأبناء من الصعوبة والاتساع بمكان يجعلها أكثر تعقيدًا ومنها الفجوة بين الآباء والأبناء في ظروف الاغتراب والهجرة، ولعل هذا يكون موضوع حديث قادم.

*أكاديمية وكاتبة يمنية.

   
 
إعلان

تعليقات