عبدالله الصعفاني*
لم يعد اليمن “يمنين” ما يحدث، أو ما يُراد لليمن هو أن يكون خمسة، وربما أكثر.. ولك أن تتأمل في المشهد، وتتوقف أمام الصوت الإعلامي.. في صنعاء.. في عدن.. في المكلا.. في تعز.. في المخا.. وفي مأرب.. ويا رعى الله ديار الحبايب.
* ليس في الاستهلال مبالغة أو تهويل.. والدليل ليس “قالوا له” وإنما هذا التشظِّي في الخطاب الإعلامي المشدود إلى تفاصيل أصابع يتداخل فيها الخارج مع الداخل بصور معيقة لن يطل منها الشعب جغرافيًا وناس إلا على ما هو بائس.
* وحتى لا تأخذني العزة بإثم التمترس هنا وهناك أُقسم بأنني لا أصلح أن أكون حزبيًا ولا جهويًا ولا طائفيًا؛ لأنّ اليمن في الأصل لا يصلح لذلك بحسبة التاريخ واللغة والدين.
* وللفرقاء بلا استثناء.. ليكن في العلم والحلم أن الكل أخطأ وأخطأ، وأمعن في الخطأ، حتى سادت القناعة بأنه لم يعد أحد يملك قراره بمنأى عن الحسابات الخارجية والداخلية ضيقة الأفق وسيئة النوايا والموقف.. والارتهان بصورة أو بأخرى، والشواهد أكثر من الهموم على قلوب هي في الاصل مهمومة ومغمومة.
* والسؤال.. هل يسمح الحال والمقال بوقفة وفسحة ندعو فيها بعضنا لِطرق أبواب الانفراج والسعادة..؟ لِمَ لا.. ما دام الجميع لم يكفر تمامًا بالمحفوظ الذي يؤكد أن اليمن هو بلد إيمان وفقه وحكمة، أو هذا ما يجب العودة إليه.. فما هو الحل؟ وهل من مخرج أو مهرب لِما يعيشه اليمنيون من تداعيات التشظي والفُرقة، ومنها أن الجواز اليمني صار عبئًا على حامله.
* الحل أيها الفرقاء يكمن في قرارات شجاعة من دعوات بينية صادقة لحوار هدفه الالتقاء حول فكرة الوطن الباحث عن حياة لا تعبث بها أصابع الغير، ولا الأطماع المرضية لأبناء افتراضيين لهذا البلد..!
* يكفينا خلافات وأزمات ومواجهات.. يكفينا عبثًا ومناكفات.. ويكفينا أننا الوحيدون في هذا العالم نفرح فنذبح الثور.. نحزن فنذبح الثور.. ونسيئ أدبنا على بعض، فنطلب الحلول من دماء الثور.. وحبل السخرية من الدستور والقانون على الغارب..!
* وأما وقد أشرت في السياق إلى الحوار فإن في التفاصيل ما يفرض الإشارة إلى آخر ما قرأته في هذا الجانب، وهي دراسة أسلوبية للدكتور نجيب علي السودي، لفت نظري فيها ماكنت أبحث عنه من فضيلة تأصيلية للحوار، وبأن القرآن الكريم يسجل لنا الكثير من محاورات الأنبياء مع قومهم، بل إن الله جلّت عظمته حاور إبليس رغم أن أمر الله ماضٍ ونافذ بين حرفي “الكاف والنون”.. لكنها التربية الإلهية، فهل من سبيل وطني وديني للاتصال والتواصل والحوار بين فرقاء السياسة في اليمن.
* لقد بسط الله حواره مع خلقه قبل قوته رغم أنه القوي الغني عن مشاورة خلقه.
حدَّث الملائكة بأنه سيجعل في الأرض خليفة، وحاور حتى إبليس عليه اللعنة.. وحاور آدم ونوح وهو ما فعله مع كل الأنبياء، من ذكَرهم الله ومن لم يذكرهم، فهل فاتتنا دلالات حوارات الله مع أنبيائه، إبراهيم وزكريا وشعيب.. إلخ.
حتى فرعون حاول أن يكسب جولاته مع نبي الله موسى في تفاصيل جمع السحرة وجمع الناس.
* الحوار دائمًا فضيلة، وفيه يظهر الأسلوب والإقناع، وليس التمترس حول الأفكار المعلبة الجاهزة.. وفي الحوار احترام لزوايا الرؤية وتوضيح الملتبس.. ويكفي أن يكون في الحوار رغبة في تحقيق العدالة وتجنُّب الظلم، والعدل بين الناس.. وهي عناوين قيم نبيلة تكفي لرجوع أيّ طرف إلى الحق.
* وما نريده ونأمله في اليمن هو حوار تغليب العقل والمنطق.. حوار التراجع عن العصبية الجهوية إلى تغليب منطق الأخوة والمحبة واحترام العقل.. وقبل وبعد ذلك إدراك أن الأوطان لا تُبنى باستحضار فرص القوة الغاشمة التي تدمر نفسها، وإنما في تكريس قيم العدالة والامتثال لفضيلة التصالح والتسامح وقيم الحق والعدل، مستحضرين حسنة الخوف من الله والحياء من خلقه.
* واجبًا وليس فضلاً.. هل إلى سبيل من حوار..؟
* كاتب يمني
تعليقات