Accessibility links

إعلان

عبدالله الصعفاني*

دنيا البحث عن ضروريات الحياة في اليمن دنيا واضحة البؤس.. وكثير من الكتاب والناشطين الذين يتوقفون أمام هذه الظاهرة البائسة لا يصنعونها، وإنما يرصدونها.. بل إن أكثرهم جزء منها.

تطور استجداء المساعدة من الآخرين ليصبح ظاهرة بغيضة، عنوانها موظفون بلا مرتبات، وليس لهم مشاريع خاصة،  وخيارات غالبيتهم مفقودة.. مفقودة يا ولدي..!

والمعذرة.. فالكلام عن معاناة محترمين على قارعة الحاجة  كلام يوقف عمل المخ تجاه حائرين أمام صعوبات توفير القوت الضروري، واحتياجات بنات وأولاد يتنقلون من وإلى مدارس ومصاريف كليات تحرّكها أطماع إدارات جامعات مستنسخة طباع أسماك القرش، فيما ولي الأمر محتار بين العجز في الوفاء بمتطلبات العيش ومصروفات التعليم، يعيش الحرج عندما يقول لأولاده: ذاكروا يا عيالي من أجل المستقبل، فيرمونه بنظرات الحسرة على قعدته في البيت بدون عمل، ولا يبقى إلا أن يقولوا له.. وما الذي قدمه ماضيك لحاضرك..!

والمؤسف أن كثيرين استبسطوا الشكوى ومد اليد  لآخرين طلبًا للنجدة على إيقاع مفردات ذل السؤال التي بدأت خجولة ومحدودة، ثم ارتقت لتصل درجة الظاهرة المكررة المخيفة.. ولا أعرف الرابط أو الدافع السيكولوجي بين كوننا “ميسورين وفقراء” ننهي تماريننا الصباحية بمد أيدينا جميعًا باتجاه الكابتن أحمد إبراهيم الصنعاني ليحصل كل منا على  ثلاثة قرون قرنفل، فأقول من باب خلط الجد بالكوميديا السوداء: توقف يا كابتن عن تقديم القرنفل مهما كانت فوائده الصحية على الريق.. أخشى أن نتعود على مد اليد.. ويضحك الجميع، لكننا نمد أيدينا صباح اليوم التالي.. وهكذا يوم وراء يوم ..!

عودة إلى الجد.. نتابع بين حين وآخر كلامًا يمزق أنياط القلب حول، أديب.. أستاذ جامعي.. فنان.. إعلامي.. نجم رياضي، يطلبون له المساعدة أو يظهر  في وسائل التواصل الاجتماعي وهو يمسك بما يثبت أنه محتاج، فينقسم المتابعون بين مؤيد ومعارض، وفقًا لزاوية الرؤية والقدرة على الاستغلال السياسي المتبادل.

 قبل أيام، ونحن خارجون من مسجد تابع لأحد الأندية الرياضية العسكرية، سمعت ممثلاً يمنيًا مخضرمًا وهو يصب اللعنات على ممثل آخر لأنه كما وصفه مُدَّعٍ تعرضه لكارثة، وأن ممثلاً آخر أحق بالرعاية والدعم، لأنه أسعف أكثر مرة من مرض الجوع وتداعياته.. ثم مات تاركًا لكل من عرفه الكثير من الحسرة والإحساس بالتقصير الذي اختزله أخونا علي سديس وهو يجيب عن سؤالي حول دور رجال المال تجاه مرض نجم رياضي من الحديدة، ففاجأني بقوله: لاتشغل بالك.. لقد مات الحارس ونحن نبحث عمّن يمد يد المساعدة.. يحدث هذا على مرأى ومسمع صندوقين لرعاية الشباب والرياضيين في صنعاء وعدن.

وفي حياتنا اليومية نرى إخوة يشبهوننا وهم يطلبون الناس بطريقة مقبولة أو غيرمحترمة ولا مفهومة.. وبعضهم يطلبون وهم يضحكون على طريقة من قال لنا: اغتنموا فرصة التخفيض.. أشتي فقط خمسمائة ريال، ثم دخل في موجة من الضحك..! 

وغني عن الإعادة التذكير بأدباء ومدرسين وأصحاب ألقاب علمية إما يناشدون الميسورين طلب الدعم، أو يطلبون من آخرين القيام بذلك نيابة عنهم.

موجعة هي فكرة أن نستبسط مد اليد طلبًا للمساعدة على خلفية الأزمات والانقسامات والاتهامات، ومن قبلها الحروب، ويتحول عزيزون بمؤهلات إلى متسولين بعد عقود من التحصيل العلمي والترقي الوظيفي، فيما حكومتا صنعاء وعدن وما بينهما من سلطات الظل خارج أي جاهزية أو حتى نية لمناقشة كيف يعيش الموظفون أصحاب الدخل المفقود، أو ما هي تبعات الحاجة والعوز الطويل على السلامة الاجتماعية والنفسية والأخلاقية لرجال ونساء وشباب الحاجة المزمنة.

ثم ماذا يا بلد الحكمة التي لا أعرف متى جاءت وكيف اختفت..؟

نداء لسلطات اليمن في جهاته الأصلية والفرعية.. رجاء مفخخ بالانتظار المؤلم.. لا تدفعوا الناس للوقوف الطويل على قارعة الحاجة للتسول.. لأن لكل مواطن في هذا البلد نصيبًا افتراضيًا في بلده. أو هذا ما يجب أن يكون..!

* كاتب يمني

 

   
 
إعلان

تعليقات