Accessibility links

إعلان
إعلان

غيّرت الحرب كثيرًا من مظاهر العيد فتراجعت الفرحة.

مقابل الحرب يُصِر اليمنيون على أن يعيشون الفرحة ولو بحدودها الدنيا.

أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز: المعالجة الجذرية لأسباب الانهيار الاقتصادي مرتبطة بإنهاء الحرب وتحقيق السلام.

 

صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي:

يستقبل اليمنيون عيد الفطر المبارك لهذا العام 2025، وهو العيد الأول بعد عقد من أعياد سنوات الحرب غير المنتهية، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة وأزمات معيشية مركبة أثقلت كاهلهم.. وأدت إلى تراجع وهج أفراحهم بمناسبة العيد، إلا أنهم يؤكدون إصرارهم على اقتناص ما استطاعوا إليه من البهجة في المناسبة التي باتت تُمثّل، كما غيرها، من المناسبات الدينية والاجتماعية، فرصة لتنمية الأمل وتبادل أمنيات جديدة لعيد قادم تغيب فيه المعاناة ويسود فيه السلام والأمن والاستقرار.

في شارع جمال وسط العاصمة صنعاء، وجدنا السيدة أم عبدالله (أم لأربعة أطفال، ثلاثة فتيات وشاب) أثناء قيامها بجولة تسوق للمقارنة بين أسعار ملابس العيد بالمحلات التجارية، لكنها لم تكن قد أخذت بعد قرار الشراء، وعند سؤالنا لها عن السبب، أشارت إلى أنها تبحث عن أسعار معقولة تناسب كمية المال التي بحوزتها، والتي تبلغ 22 ألف ريال يمني (حوالي 40 $)، وتكفي لشراء كافة ملابس العيد لأطفالها الأربعة.

توضح أم عبدالله لـ”اليمني الأميركي”، أن “الملابس ذات الجودة الجيدة غالية جدًا، ويصل سعر البدلة الواحدة ما بين 10 إلى 12 ألف كأقل تقدير”، لذلك نلجأ إلى “المبايعة والشراء من محلات العروض التجارية التي تقدم ملابس بسعر مناسب نوعًا ما، بغض النظر عن الجودة”.

من جهته، يؤكد محمد، مالك أحد محلات الملابس، لـ”اليمني الأميركي”، أن “المشكلة لا تكمن بالأسعار نهائيًا، نحن نعرض الملابس بهامش ربح قليل جدًا، وأحيانًا نقبل بيعها للزبون بدون خسارة، لكن كما تلاحظ حركة الشارع ميتة (ضئيلة)، ومقدار ما مشّيناه (بعناه) من كميات هذا الموسم لا تصل إلى نصف الموسم الماضي”، مشيرًا إلى أن موسم “العام الماضي كان هو الآخر موسم ركود مقارنة بحركة السوق الطبيعية قبل الحرب أو حتى في سنواتها الأولى”.

بالنسبة لأم عبدالله فالوضع ما زال نسبيًا “بخير والحمد لله”، حد تعبيرها، مقارنة بمن تعرفهم من بعض جيرانها الذين تؤكد بحسرة أنهم قد لا يستطيعون شراء ملابس العيد لأطفالهم ولو بمبالغ زهيدة، مُرجِعة تيسُّر حالها إلى “كون البيت الذي نسكنه، على تواضعه، ملكًا وليس إيجارًا، وكذلك زوجي بدأ قرابة عامين بالعمل بأعمال يومية، تؤمّن في بعض الأيام صرفة البيت، وأحيانًا لا يوفر منها شيئًا”.

وعند سؤالنا لها عمّا إذا كان زوجها قد شمله صرف نصف الراتب شهريًا من عمله الحكومي الذي أعلنته السلطات في صنعاء منذ بداية العام، ومدى انعكاس ذلك على تحسُّن وضع الأسرة معيشيًا، قالت إنه “ضمن المشمولين فعلاً، وإن الأمر مثَّل لهم بادرة طيبة، بالذات أنه منتظم حتى الآن بشكل شهري، وجاء بعد سنوات من الانقطاع، إلا أنه من حيث مقدار المبلغ والاحتياجات والظروف والأسعار، لا يكفي لشيء!”.

ليست تكلفة الملابس وحدها العامل الوحيد الذي يثقل كاهل الكثير من سكان صنعاء، بالذات ذوي الدخل المحدود والمتوسط خلال استقبالهم عيد الفطر المبارك، بل كذلك تكاليف الطقوس الاحتفالية المتوارثة بالأعياد كالعسيب والعيدية، أو حتى تكاليف الطقوس الطبيعية المألوفة للجميع كالخروج للمتنزهات والحدائق، وتمييز أيام العيد في كل ما يتصل بالمأكولات والعزائم والجلسات الاجتماعية، لذلك بات الكثير يضطر إلى تجاهلها أو ممارستها بالحد الأدنى، ويكتفون بتبادل التهاني والمظاهر المتسمة بالبساطة، والأهم حسب تعبير أم عبدالله، ومأثور عند اليمنيين جميعًا، بأن “العيد عيد العافية، وبالبَرَكة ولمّة الأهل والأصحاب تُصبح أيامه جميلة ومبهجة”.

انعكاسات الوضع الاقتصادي على فرحة اليمنيين بالعيد لا تقتصر على سكان صنعاء فقط، بل تشمل جميع محافظات الجمهورية، ففي مدينة تعز وعدن الواقعتين تحت سيطرة الحكومة اليمنية، المعترف بها دوليًا، يشكو السكان من تداعيات انهيار العملة المحلية والتي وصلت قيمتها بحدود (2330 ريال لـ الدولار الأميركي الواحد)، الأمر الذي يجعل السؤال عن استقبال العيد وطقوسه واحتفالاته شيئًا من رفاهية الحديث، بحسب حديث التربوية أمة الملك، في حديثها لـ”اليمني الأميركي”.. والتي تُلفت إلى أن “القيمة الشرائية لراتبي كانت تعادل قبل الحرب نحو 500 دولار، وكانت مناسبات الأعياد تأتي وقد سددنا الإيجار وأمّنا متطلبات المنزل كاملة، ولدينا القدرة على شراء ملابس العيد للجميع وتوزيع الجعالة لأفراح الأطفال وأحيانًا الادخار منه، أما اليوم وبفعل انهيار العملة، راتبي لا يتجاوز مبلغ 50 $، وهو مبلغ لا يكفي لسداد إيجار البيت أو تسديد نفقات المعيشة، ناهيك عن مستلزمات طقوس العيد”.

ويعبِّر الأكاديمي بجامعة عدن أبو بكر عبدالرحمن البيتي، عن انحسار فرحة العيد عند الناس نتيجة الأوضاع الاقتصادية، قائلاً: “الغلاء الجنوني الحاصل حالَ دون بهجة العيد وزهوتها عند الناس صغارًا وكبارًا، فعلى سبيل المثال احتياجات العيد من ملابس وزينة ومأكولات وجعالة تستلزم مصاريف وأموالًا تُثقل كاهل رب الأسرة، فالسبيل الوحيد أمام هذا العبء هو التقليل أو الإلغاء”.

ويضيف: “الزيارات انحسرت في نطاق ضيق تجنبًا للمصاريف الزائدة، الرحلات ونزهات العيد اقتصرت على الذهاب للبحر فقط، لمن استطاع إليه سبيلاً، السفر لقضاء إجازة العيد لمن ينحدرون من مناطق وقرى خارج المدينة أيضًا انحسر بسبب تكاليف التنقل”.

من جهته، يوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز، محمد قحطان، في حديثه لـ”اليمني الأميركي”، أن “الانعكاسات السلبية للوضع الاقتصادي الذي تمر به البلد على حياة الناس، تبرز من خلال “ارتفاع مستويات البطالة والفقر وارتفاع نسبة المجاعة والمزيد من تردي الوضع المعيشي والإنساني”.

ويرى الأكاديمي قحطان أن أسباب الانهيار الاقتصادي تتمثل في “الصراع السياسي وما تلاه من تدخل خارجي وحرب مستمرة حتى الآن، وانهيار مؤسسات الدولة، وتدمير البنية التحتية للاقتصاد اليمني، وهروب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وكذلك انفلات الأوعية الإيرادية للدولة، وتعاظم مظاهر الفساد، ونهب المال العام، وعدم وجود سلطة مسؤولة لمعالجة هذه الأسباب”، مشيرًا إلى أن تلك الأسباب يحتاج كلٌّ منها إلى مواجهة على حِدة، إلا أن المعالجة الجذرية لجميعها تبدأ من الوصول إلى اتفاق سياسي ينهي الحرب ويحقق السلام.

   
 
إعلان

تعليقات