عبدالله الصعفاني*
من قال بأن الفيروسات شرٌ مطلق؟.. على العكس، فيها منافع مؤقتة للناس، اكتشفتُ جمالياتها عندما توقف هاتفي عن العمل، حيث أخذ الموبايل يكرر بلغة عربية، بلكنة صينية: قم بتنظيف هاتفك فقد هاجمته آلاف الفيروسات..!
وبتخلفي التكنولوجي أتيتُ للهاتف شمالًا.. أتيتُ له يمينًا، واستعنتُ بأصدقاء.. لكن الفيروسات صممتْ على البقاء فيه كشياطين مرَدة، ومهَرة.
* رميتُ الهاتف على الطاولة لتمتد يدي إلى مكتبة الدكتور مروان الخالد، واستقرت عيني على كتاب يتناول القهوة، المنشأ والمشوار والمعارك العالمية حولها.. وبعد القراءة قلتُ بصوت مسموع: شكراً أيتها الفيروسات.. والأعطال في الهاتف السيّار، فلولاه لما قرأتُ شيئًا واكتفيتُ بتحريك أصابع التنقل بين عبث حمقى وسائل التواصل الذين لا نطل من بعضهم إلا على الخيبة والأوجاع.
* في الكتاب وجدتُ بعضًا من أسرار نفسي، وجدتُ نغمات وحروب حملتني إلى عوالم أخرى تقول فيها قصيدة أوروبية مجهولة الهوية “إنها القهوة.. ذلك المشروب الصحي العظيم الذي يشفي المعدة، ويسرّع العبقرية، ويُنعش الذاكرة، ويُنشّط الشخص الحزين، ويبهج الأرواح من دون أن يثير جنونها..”.
* ولا غرابة.. فقد كتب عنها أحد المراقبين الإنجليز عام 1660: “لقد أحدث مشروب القهوة هذا قدْرًا عظيمًا من الرصانة والوفاء بين الأمم، فما هي حكاية القهوة في شقها اليمني والأثيوبي المنشأ..؟
* يبدو أننا شركاء مع الحبشة.. الجار البحري الذي حَكَمه ذات هجرة إسلامية ملك لا يُظلم عنده أحد.. وشركاء مع أثيوبيا من القات إلى البن، وحتى التنازع التاريخي على الملكة بلقيس ذاتها.
* تقول الأسطورة.. إن يمنيًا وأثيوبيًا هما من يمتلكان حق الاكتشاف الحصري للقهوة، كلٌّ على طريقته، ليكون ما كان من أمر البن اليمني وسنينه وأنينه، منذ أن كان الناس يمضغون حبوبه للحصول على تأثيره إلى أن صار مشروبًا ساخنًا محبوبًا في ابتكار يمني خالص.
* ولا أخفيكم.. لقد تحولت جولتي في كتاب يتوقف مؤلفه أمام القهوة.. الكيف والطقس، فأضفتُ من عندي حروب القات على البن فيما يشبه النبش الوجداني في مصر التي يذهب إليها اليمني ولو ترانزيت فيتردد على أماكن الاستشفاء ويزورها من أجل السياحة فيعمل فحوصات بالضرورة، حتى لو سافر بزنس فسيتعالج بنظام الحج والمسابح.. ولا غرابة.
شخصيًا.. اكتشفتُ في القاهرة أنني كنت أتناول في اليمن أدوية للعلاج من أعراض فيما الأسباب ثانية خالص.
لقد جعلوني أهتدي إلى المشكلة الصحية الحقيقية وأشرع في تناول المفيد من الدواء.
* وأرجع إلى موضوع القهوة لأقول بأنني وأنا أقرأ في وجوه اليمنيين في كافتيريا الشجرة وقهوة التيتانيك في شارع العشرين مع فيصل، وقعتُ تحت الكثير من الضغط العاطفي اليمني الباحث عن كيمياء الحب والبن.
البحث عن الحب في زمن الحرب، وهذا الاتجاه الفاجر نحو الكانتونات التمزيقية اليمنية، والبحث أيضًا حتى عن البن الذي يتعرض للاضطهاد من غلبة المجرم القات الذي يستهلك أموال العاقل والمجنون.. الفقير والغني.. الشريف، واللص غير الظريف، بل ويستهلك حصص الأجيال من الماء والصحة.
* وإلى الآن لا أعرف.. هل قراءتي لكتاب يتناول حكاية القهوة كانت فقط بسبب فيروسات الموبايل أم هو لشعور البحث عن كيمياء الحب والبن الضائعة، أم أنه البحث عن وطن يتسرب من أهله كما يتسرب الماء من بين الأصابع.
* وأتوقف هنا على أمل تسجيل وقفة قادمة أمام حروب تاريخية عالمية تعرضت لها القهوة والقهاوي..!
أما الذي أحتاجه الآن وأنا أغلق المقال، وأرى اليمنيين في شتات الاغتراب والهجرة والحيرة وحتى قلة العقل، فإن ما أحتاجه هو الدخول في حلم وطني، ولو بالاقتراب من جمنة القهوة.
وتبقى لحكاية القهوة تكملة حديث في المقال القادم، ما دام في العمر بقية.
* كاتب يمني
تعليقات