جيمس زغبي*
أصبحت الانتخابات الرئاسية هذا العام بين الرئيس جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب رحلة مذهلة، وسنرى المزيد في المستقبل. في الفترة التي سبقت هذه الانتخابات، ارتكب «الديمقراطيون» بعض الأخطاء الجسيمة، فقد فشلوا في إدراك التأثير الذي قد يحدثه جو بايدن الضعيف على الناخبين، وافترضوا أن الخوف من ترامب سيكون كافيًا للفوز.
وفي الأسابيع القليلة الماضية فقط، ظهر عاملان جديدان، وتسببا في إحداث المزيد من الفوضى على أساس هذين الافتراضين: إطلاق النار الجماعي المروع على تجمع حاشد لترامب في بتلر، بنسلفانيا، وازدياد عدد «الديمقراطيين» البارزين الذين يحثون الرئيس بايدن على التنحي كمرشح رئاسي لحزبهم. وحتى قبل محاولة الاغتيال، كان ترامب قد انتصر بالفعل على الحزب «الجمهوري»، وألقى بالمحافظين التقليديين ومعارضيه بين المسؤولين المنتخبين السابقين رفيعي المستوى في الحزب «الجمهوري» في العالم السفلي للسياسة. لقد تم إسكات أو تجاهل حاملي شعار «لا لترامب إطلاقًا» في عامي 2020 و2024.
كان دونالد ترامب في المؤتمر «الجمهوري» لعام 2024 الأسبوع الماضي مختلفًا عن نسخة 2020. لقد حضر كل جلسة تقريبًا، مستمتعًا بالتملق الذي أغدقه عليه كل المتحدثين (حتى خصومه السابقين). وعندما تحدث مساء الخميس، كان ترامب أكثر هدوءًا على المنصة. لكن على الرغم من أن صوته كان أضعف وبدا متواضعًا إلى حد ما بعد نجاته من رصاصة القاتل، إلا أنه لم يستغرق وقتًا طويلاً حتى عاد ليكرر مظالمه القديمة ويعيد خلق الصورة القاتمة الكئيبة للكوابيس التي خلقها الحكم «الديمقراطي».
ربما كان الصوت أكثر نعومة، لكن الرسالة كانت واضحة: لقد اضطهده «الديمقراطيون»، وسرقوا الانتخابات الأخيرة، وهم الآن عازمون على تدمير هذا البلد. وكانت استطلاعات الرأي تظهر بالفعل أن ترامب يحظى بدعم أنصار الحزب.
وفي أعقاب إطلاق النار، زاد الدعم، حيث رأى البعض أن نجاته علامة على التدخل الإلهي. ومن جانب «الديمقراطيين»، كان تأليه ترامب والحماس الجامح الذي أبداه المؤتمر «الجمهوري» سببًا في جعل «الديمقراطيين» أكثر قلقًا بشأن فرصهم الانتخابية وأكثر انزعاجًا إزاء نقاط الضعف الواضحة التي تعيب مرشحهم المفترض. وكان قصور بايدن يمثل مشكلة بالفعل، وقد تم تسليط الضوء عليه بشدة خلال مناظرة 27 يونيو.
ومع إظهار استطلاعات الرأي أن ما يقرب من ثلثي «الديمقراطيين» غير راضين عن مرشح حزبهم المفترض، فإن كبار المسؤولين «الديمقراطيين» المنتخبين يحثون الرئيس علنًا على تمرير الشعلة إلى مرشح أصغر سنًا. ويوميًا، يتقدم المزيد من أعضاء الكونجرس لمطالبة الرئيس بالتنحي.
وها نحن الآن، في الفترة ما بين المؤتمرين وقبل بضعة أسابيع من الاندفاع المجنون بعد عيد العمال إلى موعد إجراء الانتخابات، ونحن على وشك إجراء مسابقة تاريخية بين نفس الرجلين المسنين اللذين تواجها في عام 2020، ولكن مع عكس الأوضاع. في عام 2020، واجه ترامب استياءً «جمهوريًا» داخليًا، بينما تمكن بايدن من إخضاع جناح ساندرز التقدمي في الحزب مؤقتًا.
والآن في عام 2024، أصبح ترامب هو من يقف خلفه الحزب «الجمهوري»، وبايدن هو الذي يواجه ثورة داخلية. إليك ما لم يتغير: لا تزال المخاطر مرتفعة كما كانت. وهذه حقًا، كما يقول أخي جون، «انتخابات هرمجدون». وبغض النظر عمن سيصبح المرشح «الديمقراطي»، فإن هذا سيكون بمثابة منافسة بين رؤيتين مختلفتين جوهريًا لأميركا. وعلى الرغم من تصريح ترامب بأن الوقت قد حان لتوحيد البلاد، فإن مؤتمره واختياره لمن يشغل منصب نائب الرئيس والخطاب، الذي استخدمه العديد من المتحدثين في مؤتمر الحزب «الجمهوري» أوضح أنه لم يتغير. يواصل الحزب «الجمهوري» بقيادة ترامب استغلال مخاوف وغضب الطبقة العاملة البيضاء باستخدام نفس الاستغلال للقضايا الاجتماعية والثقافية وكراهية الأجانب العنصرية والقومية المسيحية والاستياء من «النخب» التي ظلوا يزرعونها منذ سنوات. وهذا من شأنه أن يصرف الانتباه عن سياساتهم التي تفضل الأكثر ثراءً والأكثر استحقاقًا على حساب سلامة وأمن وازدهار الطبقة الوسطى وأولئك الذين يسعون إلى أن يصبحوا من الطبقة المتوسطة.
سيستمر ترامب في عرض رؤيته المخيفة البائسة للحياة الأميركية، مستهدفًا مجموعته المفضلة من الأشرار، سلطات إنفاذ القانون الفيدرالي، ونخب الإعلام، والمهاجرين. وسيستمر استخدامه للسخرية واللغة العدائية في تأجيج المشاعر والتحريض على العنف. وبينما يعاني بايدن من زلاته اللفظية وفقدانه المستمر لتسلسل أفكاره، سيستمر «الديمقراطيون» في الدعوة إلى تحقيق قدر أكبر من العدالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وقد أشار بايدن إلى اتساع فجوة الدخل بين أكثر الأميركيين ثراءً وأولئك الذين يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم.
وسيدعو «الديمقراطيون» إلى نظام ضريبي أكثر عدالة، وزيادة الحد الأدنى للأجور، وحماية النقابات وحقوق العمال. وعلى الرغم من حملتهم لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين، إلا أنهم سيطالبون باتباع نهج إنساني تجاه الفارين من الاضطهاد. وسيدعون إلى توسيع نطاق الرعاية الصحية، وخفض أسعار الأدوية، ودعم حقوق المرأة في اتخاذ قرارات الرعاية الصحية الخاصة بها، ومواصلة التقدم نحو العدالة العرقية.
وأخيرًا، سيواصل «الديمقراطيون» تركيز هذه الانتخابات على ضرورة حماية الديمقراطية وسيادة القانون، محذرين من التهديد الذي تشكله خطط أنصار ترامب لرفض نتيجة هذه الانتخابات باستخدام التكتيكات الإدارية وحتى العنف، كما فعلوا في عام 2020 لتعطيل التداول السلمي للسلطة. وهناك عامل واحد إضافي لن يتغير، وهو التهديد الذي يشكله العنف المسلح وفشل الحزب «الجمهوري» في دعم حتى الإصلاحات المتواضعة للسيطرة على الأسلحة.
لدينا الآن أكثر من حادث إطلاق نار جماعي كل يوم، حيث يفقد عشرات الآلاف حياتهم دون داع في عمليات إطلاق النار هذه وغيرها. ما زلنا لم نعالج هوسنا المريض بالأسلحة. كما أننا لم نواجه حقيقة مفادها أن العنف السياسي ليس انحرافًا، في حين أنه في الواقع يمثل هويتنا.
عندما كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها أن «الهجوم على ترامب يتناقض مع أميركا»، أو عندما يؤكد الرئيس بايدن أن العنف السياسي ليس هو ما نحن عليه أو أنه انحراف، فإنهم يتجاهلون حقيقة أن العنف السياسي «متأصل في أميركا». والعيش في حالة إنكار لا يعني فقط تجاهل العشرات من محاولات الاغتيال التي شهدها تاريخنا، ولكنه يعني أيضًا أننا لسنا مستعدين لتعلم الدروس واتخاذ الخطوات العلاجية التي تشتد الحاجة إليها لإنهاء هذا الوباء.
* رئيس المعهد العربي الأميركي – واشنطن
تعليقات