Accessibility links

الموظفون فيها أغلى الأصول..! حكاية شركة عائلية ترسم دائرةً  للحياة..!


إعلان

عبدالله الصعفاني*  

ذات نقاش حول علاقة العمال بأصحاب العمل، وما تتعرض له جهود عمال كْثر من الشح والإنكار، فوجئت ومعي أطراف النقاش بموظف في إحدى الشركات العائلية اليمنية وهو يؤكد أن التعميم في كل شيء يوقعنا في الخطأ، وأن علينا ألا نكون من الذين يبخسون الناس أشياءهم.

* وللتأكيد على صحة كلامه قال بأنه لا يرى نفسه في الشركة التي يعمل فيها مجرَّد عامل، يشقى ليحصل على راتب نهاية كل شهر، وإنما هو شريك حقيقي بحساب الجهد وعائد العمل والإنتاج على أسرته.

 واعتقدت حينها أنه يبالغ أو يمسرح أو حتى يشبع غريزة النفاق عند الشخص الخطأ.

* وكان وراء عدم أخذي كلام ذلك الموظف على محمل الجد تلك الصورة النمطية للكثير من الشركات وأصحاب العمل، كبارهم والصغار، عندما يأخذون من العمال جهودهم ويسرقون أوقاتهم وعرقهم، ثم لا يعطونهم سوى القليل المغموس بمفردات الأذى والمنّ، والهوان..!

* ومرت أعوام على ما دار بيني وبين ذلك الموظف لأجد نفسي لأول مرة في حفل تكريمي سنوي  تقيمه نفس الشركة التي تحدث الموظف عنها بالكثير من الحماسة.

والحق أن ما رأيته وسمعته في الحفل التكريمي كان من النوع الذي يدعوك من موقع الكاتب لأن تكسر الحاجز المهني بين الإعلام والإعلان.. ولسان حالك قول حكيم “وبضدها تتمايز الأشياء”، فما هي أبرز ملامح حفل  التكريم، وماذا يمكن القول عنه..؟

* حضور لافت من جميع فروع الشركة في المحافظات، وتكريم عدد كبير  منهم.. شهادات ودروع مصحوبة بمكافآت مالية مجزية.. وقد استوقفتني فكرة الإعلان عن أسماء أحد عشر نجمًا وكوكبة من موظفي وموظفات الشركة، استحق كل واحد منهم دعمًا بمبلغ مليون ريال تسهيلاً ومباركة لاقتراب مواعيد دخولهم عش الزوجية السعيد.

* سألت عن  المرتبات فوجدتها محترمة جدًّا قياسًا بشركات مماثلة، وكذلك المكافآت والحوافز المشجعة، فضلاً عن فتح الشركة لحسابات تأمينية لمن يرغب، تحفيزًا لكل موظف على التوفير وبرغبته… ومما اطلعت عليه أن هناك التأمين الصحي والمساعدات، وتوفير الوجبات اليومية الثلاث مجانًا، بل إنه حتى الموظف الذي يغادر الحياة لن تطوى صفحته في عالم  النسيان، وإنما سيتم تكريمه، بل وتسمية جائزة تشجيعية باسمه.

* استفسرت الصديق عبدالقوي العشاري عند فقرة دعم كل عريس أو عروس بمليون ريال، فقال:

هذا التقليد دائم الحدوث، والهدف منه كما أعرف مساعدة عرسان الشركة الجدد انطلاقا من فكرتين:

الأولى تفعيل الواجب الاجتماعي تجاه الموظف من موقع النظرة إليه كشريك، والثاني: الإدراك بأن استقرار العامل هو أحد المحفزات على مضاعفة الإنتاج.. ربما للقناعة بأن الموظف المشتت الذهن هو موظف غير مستقر، محدود الإنتاج.. ولا بد من استكمال مفردات الحوافز تشجيعًا لإنتاج أفضل في معترك العمل.. ثم توالت  مظاهر التكريم الملفتة، حتى لا أقول والمدهشة.

* الكلمة التي ألقاها رئيس تلك الشركة العائلية المفتوح قلبها للعمال والموظفين بصورة دغدغت المشاعر وكانت كافية لأن تجعل موظفين في شركات أْخرى يغبطون، حتى لا أقول ويحسدون أيضًا.. كانت الكلمة ضافية، لافتة ، بل كانت درسًا في التنمية البشرية، والتحفيز على مضاعفة الإنتاج.. ولفت نظري فيها، المباشرة.. الصراحة.. التفاعلية التي جعلت  الموظفين وضيوف الحفل متداخلين في الحديث، وليس مجرد مستمعين وحسب.

* وتأملوا معي كلمة رئيس شركة عائلية، وهو يخاطب موظفيه بالقول:

أنتم من الموظفين الأعلى أجرًا قياسًا بنظرائكم في الشركات الأخرى، ويسعدنا، أنكم لستم عمالاً وإنما شركاء في النجاح.. ثقوا دائمًا بأننا لن نتراجع عن دورنا الاجتماعي تجاهكم، حتى ونحن نستطيع النجاح بمصروفات وعدد موظفين أقل كما تعرفون جيدًا.. لكنكم  تستحقون.

* لقد كان كريمًا وهو يطمئنهم بأن ما يرغب في إيصاله إليهم في تكريم  العام 2022 أن مجال الترقي مفتوح على اللا حدود، ودونما أذىً أو مَنًّا..

وأن شركتهم تؤمن بتشجيع كل مثابرة وكل إبداع، وأن من حق موظف الدرجة الوظيفية السابعة أن يصعد ويترقى ليقف في مكان رئيس مجلس الإدارة نفسه.

* قلت لنفسي.. ما الذي اسمعه من رئيس شركة عائلية وهو يقول بصريح العبارات: تعلمون جيدا أنَّنا نستطيع أن ننجح بكادر أقل منكم، ولكن نحن نعتز بوجودكم.. نخاف عليكم، وإذا لم نجد ما نبحث عنه من التوسع سنغامر لنؤمن حياة الموظفين في معيشتهم.. هذا وعد، لأن الموظف على رأس قائمة اهتمامنا.

سألت نفسي.. هل أنا في علم أم في حلم وأنا أسمع عبارات من نوع.. نحن نرى قوتنا فيكم.. وبكم سنغيِّر المعادلة، فكونوا واثقين من أن الموارد البشرية عندنا أغلى الأصول.

 وللمزيد من التحفيز والمكاشفة والشدة تجاه المتكاسل أو المتخاذل برز  الفخر بما يقدمه العمال والموظفون مع التنبيه بأهمية ان يكون معلومًا ومحل إدراك دائم بأن أي اعوجاج سيتحملون مسؤوليته، لأنهم ببساطة شركاء وعليهم الإجابة عن السؤال.. من يجبر شركتهم على تكريمكم بهذا السخاء.. ومن يفرض عليها أن تكون مرتبات وحوافز عمالها هي الأعلى..؟ إنها فقط القناعة بأن يكون العمال هم الغاية، ويكونوا أيضًا الوسيلة.

* وفعلاً.. المرتب الأعلى للمحظوظين لا يعني عدم المسؤولية، والشفافية تعني التكاملية، وتقويم الاعوجاج واجب، وتثمين الجهود عدالة، وأنه لا دخل للحظ أو القرابة.

ومن روائع ما سمعته في حفل التكريم، نصيحة ذهبية تذكِّر بأن الحافز الكبير لا يجب أن يستهلكه الإنفاق غير العاقل للموظف، وأنك إذا لم تتقدم فأنت تتراجع على الصعيدين الشخصي والعام.

* وأما بعد الشكر للصديق حفظ الله حسن الذي دعاني إلى صباحية تكريمية جددت انتمائي وثقتي المتوارية باحترام من يعمل.. فلقد كانت الفعالية التكريمية من النوع الذي يدفع الموظف للثقة بنفسه، وأن يكرس جهده في التطوير، والتصفيق لنفسه ولشركته بحفاوة، وأنه سيبقى في الحالة الرائعة.. الفعالية أيضًا أكدت أن من الكلام الصادق ما يشغلك عن فقرات واسكتشات فنية تراثية وحضارية رغم ما فيها من شد الانتباه.

* ولا غرابة في ما أبديه هنا من  انبهار.. فأنا في الأساس أحد موظفي  شعب بلا مرتبات منذ سنوات، ثم إنه لا بد من التأكيد على أهمية إبداء التقدير لصاحب حكمة النصف الممتلئ والنصف الفارغ من الكأس  والمتمثل هنا في رفع رصيد التقدير لكل تجربة تحترم الناس وتشيع الأمل والتواصل وقوة الحب، ولا ترى في  الكادر البشري عبئًا وإنما تراه أغلى الأصول.

والحكاية كما وقفت على عناوينها وتفاصيلها تدفعني هنا للدعاء بأن يفتح الله علينا كشعب وتحضر فضيلة شراكة اليمنيين في بلادهم، وبحيث يشعر كل مواطن أن له نصيبًا في بلده.. نعم، ليت كل أصحاب القرار في اليمن يجنحون للسلام والوفاق والاتفاق ويفتحون صفحة جديدة شعارها:  التطوير بالناس.. من أجل الناس، كل الناس.

وحينها فقط يتحقق بمعنى أن يكون اليمني في عيون كل من يحكم وسيلة التنمية وغايتها، ويكون بالفعل أغلى أُصول بلاده..!  

*كاتب يمني.

   
 
إعلان

تعليقات