صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي:
«كان هنالك قلق كبير من عودة الاشتباكات، وبالتالي كان لا يرغب أحد باستئجار مساحات في المول أو فتح محلات جديدة، حيث كان الجميع يتوقع تدهور الوضع واحتمال الفشل»، بهذه الكلمات تتذكر، اليوم، الشابة اليمنية راوية الحمادي (34 عامًا) الظروف التي صاحبت إطلاقها مشروعها الخاص لبيع العطور والساعات في مساحة لا تتعدى المتر مربع (بسطة) في مول تجاري بالعاصمة اليمنية صنعاء، إبان المواجهات التي شهدتها المدينة عام 2017م بين قطبي السلطة حينها (حركة أنصار الله “الحوثيين”، والرئيس الأسبق علي عبدالله صالح)، وكيف تمكنت من اجتياز كل المعوقات خلال سنوات قليلة حققت فيه النجاح المرجو، فتوسعت مساحة مشروعها لأكثر من ثلاثة أضعاف، وأصبح لديها عاملتان، في حين افتتحت محلًّا باسم “راويتي” في مول آخر، وشملت تجارتها، بالإضافة إلى العطور والساعات، كلا من النظارات وأدوات التجميل.
ظروف أسرة راوية لم تساعدها على إكمال الدراسة الجامعية، وبالتالي كانت دافعًا لها للخروج لسوق العمل منذ بداية عام 2016 تقريبًا للعمل في محلات لبيع الملابس والهدايا في مول الكميم، الكائن بحي حدة وسط العاصمة اليمنية صنعاء، بأجر شهري زهيد لا يزيد عن 30 ألف ريال يمني (يساوي خمسين دولارًا أميركيًّا حاليًّا)، إلا أن المحطة البارزة في مشوارها كانت بعد وقوع ما عُرف بأحداث ديسمبر، والتي دارت وتركزت في المربع السكني ذاته الذي يقع فيه المول.
راوية الحمادي لـ “اليمني الأميركي”: تجربة السوق مختلفة جدًّا ومن الطبيعي أن تواجه إشكاليات
تؤكد راوية، لـ “اليمني الأميركي”، أن «القتال الذي دار في تلك الأيام أقلق بعض المستثمرين من احتمال تجدده، ودفعهم إلى نقل استثماراتهم المتضررة من المول إلى أماكن أخرى، عندها وُجدت مساحات متاحة للاستئجار بالمول، وبمبلغ معقول (200 $) شهريًّا لكل متر، مقارنة بتكلفتها حاليًّا التي تصل لِما يقارب الـ 350 $، بل ولم تعد متاحة».
بحكم خبرتها وتجربتها السابقة بالعمل، قدّرت الشابة راوية، التي لم يكن لديها ما تخسره حينها، أن الفرصة مواتية لخوض غمار تجربة جديدة على أمل عودة الحياة الطبيعية كما كانت، إلا أن التمويل كان المشكلة الأولى التي واجهتها قبل أن يتكفل به أحد أقاربها.
توضح الحمادي: «أختي وزوجها يعرفون مدى حاجتي للعمل ومثابرتي وإخلاصي في كل ما يوكل إليّ، لذلك بادروا بالدخول في شراكة معي (المال مقابل العمل)، مع تقديم بعض التسهيلات، فقد كان الاتفاق يتضمن أنه إذا فشل المشروع بعد عام بسبب ظروف أو متغيرات خارجة عن السيطرة، لا أتحمل أيّ مسؤولية، وإذا نجح فالنجاح للجميع».
وتذكر راوية: «عندما بدأت العمل في البسطة كان ما يزال الجو التجاري في المول غير مشجع، وعدد الزوار بأعداد متواضعة مقارنة بما كانت عليه بالسابق.. وبعد مرور أشهر وبالذات مع موسم التسوق (رجب، شعبان، رمضان) كانت الحركة قد عادت لداخل السوق كما هي عليه وأحسن، مع ذلك لم أشعر بتجاوزي عتبة الخطر والفشل إلا بعد مرور عام، حيث مكنتني الأرباح التي جنيتها من توسيع تجارتي ومواصلة مشروعي إلى أن افتتحت محلي “راويتي” بمول العرب بعد عامين من العمل، وحاليًّا لديّ موظفتين تساعداني في العمل، وتقتصر وظيفتي على الإشراف وتوفير البضاعة والحسابات».
وتشير مالكة محل (راويتي) إلى أن سر النجاح في تجربتها يأتي من خلال تبنّيها نهج المصداقية والشفافية بالتعامل مع الزبائن والعملاء، وتوفير الموديلات التي تناسب أذواقهم، كما ترى أن رغبتها العميقة بتغيير واقع حياتها وظروف أسرتها إلى الأحسن كان الدافع الأكبر لتفانيها بالعمل وتصميمها على النجاح.
عن انطباعها كامرأة يمنية حققت نجاحًا بتوجهها للعمل في مهنة لم تكن متاحة للنساء في بلدها، والمعوقات التي واجهتها، وكيف تمكنت من تجاوزها، تتحدث راوية «بالطبع تجربة السوق مختلفة جدًّا عن المكوث في البيت، ومن الطبيعي أن تواجه إشكاليات، لكن الإنسان لا بد أن يكون قويًّا أمامها بالثقة بالله، والإيمان بهدفه، والتعامل بحكمة ومصداقية في جميع أموره».
الشابة الحمادي، التي أصحبت تجربتها بالعمل مصدر إلهام للكثير من النساء في محيطها الاجتماعي، ومثلت مصدر دخل رئيسي للإنفاق على أسرتها (والديها وإخوانها)، ترى أن خروج المرأة اليمنية إلى سوق العمل لم يكن ترفًا، وأن تحولها إلى شخصية منتجة بدلاً من تركها عالة سيسهم في استقرار المجتمع.
بالرغم من تقاليد المجتمع المحبطة هناك الكثير من النساء اليمنيات لديهن إمكانيات كبيرة وأفكار خلاقة تمكنهن من تحقيق النجاحات في مجالات مختلفة في ميدان العمل، التي كانت حكرًا على الرجل، ومن المهن المعيبة للمرأة، وتحديدًا مجالات البيع والشراء، بحسب رئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام – جامعة صنعاء د. سامية الأغبري لـ”اليمني الأميركي”، مشيرة إلى أن المرأة اليمنية، وبالذات اللاتي أطلقن مشاريعهن الخاصة، يحتجن لدعم وتمكين أكبر من جميع النواحي المادية والمعنوية لكي تنجح مشاريعهن ومبادراتهن.
الحرب المفروضة على البلد منذ أكثر من سبعة أعوام، أفقدت معظم اليمنيين مصادر دخلهم، التي يعتمدون عليها في إعالة أسرهم وتوفير متطلبات الحياة، ووضعت أمامهم، وبالذات فئة الشباب، أكوام متراكمة من الإحباط واليأس نتيجة غياب فرص العمل وانسداد الأفق، لكن الشابة راوية الحمادي، جسدت تجربتها شاهدًا على امرأة يمنية اقتنصت فرصتها من فوهة الحرب، وتقدّم رسالة لكل نساء اليمن لكسر المعوقات التي تكبل أيديهن عن العمل وخوض غمار الحياة كشريكات فاعلات في التنمية، بدلًا من الاستسلام لظروف الحرب وما صاحبها من أزمات معيشية وزيادة في نسبتي الفقر والبطالة.
تعليقات