Accessibility links

حِرمان‌ ‌من‌ ‌الحقوق‌ ‌والرعاية..‌ ‌المُسِنون‌ ‌في‌ ‌اليمن‌ ‌الفئة‌ ‌المنسية‌ ‌


إعلان

صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي:
وحيدًا، يمضي أحمد مهدي (يتجاوز عمره السبعين) أيامه طريح فراش المرض والعجز في دكان تفوح منه رائحة الرطوبة في إحدى الأسواق الشعبية بالعاصمة اليمنية صنعاء، دون أن يتلقى أيّ شكل من أشكال الرعاية التي يحتاجها كمريض ومُسن وفقير يمضي معظم أيامه على وجبة واحدة مكونة من رغيف أو رغيفين من الخبز، منسيًّا كغيره من الكثير من فئة كبار السِن باليمن، وهي الفئة التي حُرمت من أدنى حقوقها، كتوفير السكن المناسب والرعاية الصحية والاجتماعية، وغيرها من الحقوق الأساسية.. وهي الفئة التي ضاعفت من معاناتها الحرب التي تعيشها البلد منذ سبع سنوات.

 

دُور المسنين في اليمن

قد يكون اليمن البلد الوحيد الذي لم تهتم حكوماته المتعاقبة بتشييد دُور ومراكز خاصة لرعاية كبار السِن طوال العقود الماضية، أو حتى تقديم الدعم المطلوب للدُور الأربعة، التي أنشئت من قِبل منظمة دولية، وتضم 240 مسنًّا فقط، تسببت الحرب بإغلاق إحداها في تعز، وتعرضت دار عدن لهجوم إرهابي، فيما أثرت سلبًا في عمل دارَي صنعاء والحديدة.

أحمد مهدي، الذي يعيش في دكانه الصغير منذ نحو عشرين عامًا تقريبًا لأسباب لم يرد الإفصاح عنها، وتعرض – مؤخرًا – لاعتداء تسبب له بكسر في مفصل قدمه الأيسر، ليس سوى مثال للحال المأساوي الذي يعيشه كبار السِن في اليمن، وهو الحال الذي ضاعفت من مأساويته الحرب الراهنة، الأمر الذي أصبح معه وضع هذه الفئة مؤلمًا للغاية، لا سيما مع انقطاع الرواتب، بما فيها على معظم المتقاعدين الذين يُعدون من كبار السن، وبالتالي اتساع دائرة العوز داخل هذه الفئة. 

 

1.3 مليون شخص هو عدد المُسنين في اليمن، ويشكلون نسبة 4.4% من إجمالي السكان المقدر بنحو 30 مليونًا، بحسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء.

 

التشريع اليمني

المُسِن هو مَن تجاوز عُمره العقد السادس، وبناء على هذا التوصيف يبلغ عدد هذه الفئة في اليمن 1.3 مليون شخص، ويمثلون ما نسبته 4.4% من إجمالي عدد السكان المقدر بنحو 30 مليونًا، بحسب مؤشرات وتقديرات الجهاز المركزي للإحصاء.  

يحتاج كل مَن لا يستطيع العمل، أو لا يجد احتواء من محيطه الأسري من أفراد هذه الفئة، إلى رعاية خاصة من قِبل الدولة والمجتمع، كحق أوصت به التشريعات السماوية، وكفله الدستور اليمني في المادة (56)، التي تنص على: “تكفل الدولة توفير الضمانات الاجتماعية للمواطنين كافة في حالات المرض أو العجز أو البطالة أو الشيخوخة أو فقدان العمل”.

 

دار الإحسان 

يبلغ عدد نُزلاء “دار الإحسان” بصنعاء 120 نزيلاً، منهم 84 فقط من المسنين، (44 رجلا، و40 امرأة)، فيما بقية النزلاء الـ 36 هم أطفال من ذوي الإعاقة الكلية، الذين تخلى عنهم ذووهم، فيما يبلغ عدد نزلاء الدار بالحديدة 100 نزيل من المُسنين. 

حاول مُعدّ التحقيق زيارة الدار بصنعاء لعكس صورة حية عن أوضاعه، وهي الدار التي تقع ضمن محيط هيئة مستشفى الجمهوري التعليمي، إلا أن إدارة الدار أكدت أنها لا تقابل صحافيين، ولا تسمح بزيارتهم للدار “لأسباب أمنية”، حسب مصدر مسؤول في الدار.

وحول سؤال “اليمني الاميركي” عن عمل الدار في ظل انتشار جائحة كورونا، وأوضاعه واحتياجاته والجهات الداعمة، أكد المصدر المسؤول «أن الدار اتخذت كافة الإجراءات الاحترازية اللازمة، ولم يصب أيٌّ من نزلائها بالوباء… والنزلاء في الدار يتلقون كامل الرعاية الصحية والاهتمام من الغذاء، الأدوية، الملابس، الترفيه، وكل ما يمكن تقديمه لتخفيف معاناتهم، بدعم من البعثة (بعثة الإحسان الكاثوليكية) فقط»، مرجعًا سبب توقف الدار عن استقبال أعداد جديدة من المسنين؛ لاستضافتها 35 نزيلاً من نزلاء دار تعز منذ العام 2016.. فيما ما يزال إلى اليوم مبنى دار المُسنين في تعز، الكائن بمنطقة الضباب – غربي المدينة، يُستخدم مقرًّا عسكريًّا لأحد ألوية قوات الحكومة المعترف بها دوليًّا.

مصادر مطابقة، ضمنها أشخاص لديهم أقارب بالدار، أشادت بالرعاية الإنسانية التي يحظى بها نزلاء دار الإحسان بصنعاء، كما هي كل الدُور التابعة لبعثة الإحسان، التي تدعمها منظمة الأم تريزا، إلا أن دارًا واحدة  بمدينة ذات كثافة سكانية كصنعاء لا تكفي لمعالجة أوضاع المشردين والمعوزين والعاجزين والفقراء من هذه الفئة، لذا كان سيصبح إنجازًا لو نفذت حكومة صنعاء ما أعلنته عام 2019،  بخصوص مشروع إنشاء دار جديدة للمُسنين، لكن ذلك لم يتم حتى اللحظة، وفي هذا لم نتلقّ أي معلومات دقيقة من الجهات المسؤولة عن مصير المشروع، ومتى سيخرج إلى الواقع؟

 

أربعة (دُور) فقط للمُسنين في اليمن، تضم 240 مسنًّا، وتسببت الحرب بإغلاق إحداها في تعز، وتعرضت دار عدن لهجوم إرهابي، فيما أثرت سلبًا في عمل دارَي صنعاء والحديدة.

 

تقصير حكومي

وعزا المدير العام للدفاع الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في حكومة صنعاء الخاضعة لسلطة جماعة “أنصار الله” (الحوثيين)، خطيب السقاف، في حديث لـ “اليمني الأميركي”، غياب الاهتمام بكبار السن في اليمن، إلى تقصير جميع الجهات المعنية، موضحًا «أنه بالرغم من وجود إدارة خاصة برعاية المسنين في الوزارة، إلا أنها لم تُفعّل طوال العقود الماضية، ولم يُعتمد للإدارة ميزانية خاصة».

 و ردًّا على سؤال “اليمني الأميركي”، عن ماهية المعالجات التي اتخذتها الحكومة، يُلفت السقاف إلى أن الوزارة وضعت (الاستراتيجية الوطنية لرعاية المسنين في الجمهورية اليمنية 2021 – 2030)، كخطة تشمل آليات تحسين أوضاع هذه الفئة، والاهتمام بها من خلال إنشاء “البرنامج الوطني لرعاية المسنين”، والذي سيكون من مهامه التنسيق بين الجهات المعنية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية في عملية رعاية وتقديم الخدمات للمُسنين، إلا أن الاستراتيجية لم يتم تدشينها على الواقع حتى اليوم.

 

 مدير عام الدفاع الاجتماعي في وزارة الشؤون الاجتماعية بحكومة صنعاء: غياب الاهتمام بكبار السِّن في اليمن يعود لتقصير جميع الجهات المعنية.

 

عدن

بعد مغادرة بعثة الإحسان مدينة عدن نتيجة ما عُرف بمجزرة (دار الأم تريزا)، التي تعرضت لها دار العجزة والمُسنين في الرابع من مارس/ آذار، عام 2016، وراح ضحيتها 16 شخصًا، بينهم تسعة من المتطوعين الأجانب في البعثة، تعاني الدار، التي ترعى اليوم 56 مسنًّا (40 رجلاً، و16 امرأة)، من مشكلات عديدة، أبرزها: شحة الإمكانيات، والتي لا تكفي لمواجهة احتياجاتها في توفير الغذاء والدواء والرعاية لنزلائها، خاصة في ظل ارتفاع أسعار المواد الأساسية والمتطلبات كتكاليف شراء مادة الديزل لتشغيل مولد كهرباء الدار؛ لتفادي الانقطاع المستمر للكهرباء الحكومية، وتصاعد مديونية الدار للمستشفيات الخاصة، والتي وصلت لملايين الريالات، حسب مدير الدار علي عيدروس، والذي تطوع في الإشراف على الدار بعد رحيل البعثة.

ويوضح عيدروس، في حديث لـ”اليمني الأميركي”، أن «ميزانية الدار التي تتلقاها من الحكومة لا تتجاوز 7 ملايين ريال شهريًّا، يستقطع منها 15% كضريبة، فيما يذهب المبلغ المتبقي في شراء مادة الديزل، وأجور وتوفير متطلبات لا تفي باحتياجات نزلاء الدار الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة؛ كون معظمهم يعاني من أمراض مزمنة»، مشيرًا إلى أن الدار وصلت لمرحلة تقليص بعض الوجبات غير الأساسية بسبب ارتفاع الأسعار، مطالبًا الحكومة برفع ميزانية الدار لمواجهة ارتفاع أسعار صرف العملة، حيث أقرت ميزانية الدار على سعر صرف 220 ريالاً للدولار الواحد، بينما تخطى صرف الدولار اليوم حاجز الألف ريال يمني في عدن.

 

الخدمة الاجتماعية للمُسنين

تلفت رئيس قسم الخدمة الاجتماعية في كلية الآداب بجامعة صنعاء، الدكتورة سكينة هاشم، في حديث لـ”اليمني الأميركي”، أن تقديم الرعاية لفئة المُسنين لا يقتصر على وضع الأفراد الذين لا يجدون احتواء من الأسرة في الدُور، و إنما لا بد أن يشمل جميع أفراد هذه الفئة عبر تقديم الرعاية الطبية والضمان الاجتماعي والأنشطة وتوظيف أخصائيين للتواصل مع أفراد هذه الفئة في أوساط الأسر، والتعرف إلى مشكلاتهم، وتقديم الحلول.

وتوصي  الدكتورة سكينة «بتعزيز سمة التكاتف الاجتماعي التي يتحلى بها المجتمع اليمني، وتجعل كبير السِن يحتل مكانة مميزة في الأسرة والمجتمع». 

 

مدير دار المُسنين في عدن: وصلنا إلى مرحلة تقليص بعض الوجبات غير الأساسية بسبب ارتفاع الأسعار.

 

القول الفصل

في ظل غياب الدور الحكومي، لا يكاد يوجد دورٌ ملموس يُذكر من قِبل المنظمات المدنية والجمعيات الأهلية في تبنّي مشكلات واحتياجات المُسنين ضمن برامجها ومشاريعها، في الوقت الذي تصرف هذه المنظمات ملايين الدولارات في مشاريع لا صدى أو تأثير لكثير منها على الواقع، كما أن ظروف الحرب، وتوقف صرف مرتبات معظم موظفي ومتقاعدي الجهاز الإداري للدولة، أثقلت كاهل الموظفين والمتقاعدين من هذه الفئة، وضاعفت بشكل عام الواقع السيئ الذي يعيشه الكثير من كبار السِن، وهي الفئة التي يتطلب وضعها الحرج في اليمن التعاطي معهم بشكل خاص من الرعاية والاهتمام؛ لتلبية احتياجاتهم، وحفظ كرامتهم، كواجب وطني وإنساني.

   
 
إعلان

تعليقات