Accessibility links

عيد الأضحى.. مِن استفهامية (عيدٌ بأية حالٍ..) إلى رائعة (آنستنا يا عيد!)


إعلان

عبدالله الصعفاني*

يأتي عيد الأضحى المبارك وغالبية اليمنيين في طول اليمن وعرضه حائرين بين استفهاميات أبي الطيب المتنبي، وبين مغناة شاعر الروائع عباس المُطاع.

المتنبي يفرضُ نفسه على المقال والمنشور في وسائل الإعلام التقليدية والسوشيال ميديا من بوابة حيرته المبكّرة أمام العيد (بأية حال)، فيما يُثابر شعر المُطاع في الوصول إلى الأسماع والعقول من أول تباشير العيد حتى جفاف مرقه في دسوت بعض البيوت..!
ولكلٍّ من قصيدة المتنبي ومغنّاة الآنسي حكاية تُظهر شيئًا وتخفي أشياء.


بين شاعرين وأغنية

ذات يوم خرج المتنبي من مصر بالتزامن مع العيد فقال قصيدته الشهيرة  الحائرة:
عيد بأية حال عدت يا عيد    بما مضى أم لأمر فيه تجديد
ليرد عليه المطاع والآنسي بأغنيةٍ عيدية لسان حالها درس في التنمية البشرية

(نحن ما نعتقده)، وفي العبارة تطويع للذائقة والذاكرة واستدعاء الأُنس والسماحة، ليكون العيد موعدًا مع تجديد الروابط  بين الأهل وبين الجيران، بين الصديق وحتى العدو.

(اِضحك على الأيام.. وابرد من الأوهام.. عدوك اضحك له.. وإنْ كان عديم دِلِّه.. ودائمًا.. آنستنا ياعيد..)، وغير ذلك من الصور العيدية المشْبعة بجمال إنساني ينشد السعادة، ويبحثُ عن الفرح والحياة الملونة، ولو داخل كومة من القش..!

هذا هو العيد كما يراه شاعران في زمنين مختلفين، فكيف تكون الوقفة أمام عيدٍ يُجدِّد حيرة السؤال.. (عيد بأية حال) بعد ما كان ويكون من قصف اليمن وتمزيقه وحصاره، وتحويله إلى ملعبٍ يتكاثرُ فيه الباحثون عن كلّ فرصة وفسحة لسرقة اللقمة من أفواه الفقراء والجياع.

ورغم العيد ومعانيه تبقى مشكلتي الدائمة أن عيني سريعة الوقوع على الخطأ؛ فأتميزُ ضيقًا بمشهد متسولين أو نائمين على أرصفة الضياع صباح يوم العيد.
أما من يتوجعون في بيوت التعفف فحدِّث وتألَّم، فكيف السبيل لاستنكار الدهشة وإخمادها وأمورنا كمسلمين من اليمن إلى الحرم المكي إلى أماكن قصية في العالم الإسلامي تُبارك الخطأ وتُصفّق للعدوان البيني وللصراعات الدامية، وتغتالُ مستقبل الأجيال بصفاقة تعصُّبٍ مقيتٍ نراه في صورة تقلُّب فقراء اليمن والعالم بين العسر وبين العسر أيضًا..!

والذي يقهرُ كلّ راصد يخافُ الله هو عدم ظهور توجهات حقيقية لدى أطراف الصراع، تؤكد تحت أيّ نسبة إدراك أنّ الصراع الذي يطول لا مستقبل له، وأنّ التجارة بالحروب بين الإخوة بضغطات زر من وراء البحار هي فتنة كبيرة لا تُلقي بالاً لقوله تعالى: (واتقوا فتنة لا تُصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة)

فبأيّة حال عدت يا عيد الأضحى، وبأيّة حال عاد سلفك عيد الفطر.. والمؤسف أنه لا مؤشرات على تصالح وسلام ينطفئ به أوار الحرب.

ويا للهول.. حتى الحج لم يعُد الحج، ولم تعُد العمرة هي العمرة، لا من حيث أرقام الحُجّاج والمعتمرين، ولا من حيث التكلفة، ولا من حيث المناخ المشجع،  فالأحجار والأشواك والزجاجات المكسورة تعيق الحركة، وتملأ الطريق في المسافة الممتدة من الفكرة إلى الكعبة، وزيارة قبر من حرَّم علينا الدماء والأعراض والأموال، فجعلناها مُباحة لكلّ قادر على السفك وعلى السرقة والاعتداء.

كيف لم يعُد الركن الخامس من أركان الإسلام عبادة بدنية وذهنية ومالية سهلة في تزكيتها للنفس بما في الحج من معاني الاجتماع والألفة..؟ ولماذا لم نعُد نراه  يكرّس التواضع والمساواة والألفة والمحبة بين الناس، بمناسكه وصوره المتكاملة كعبادة تستشرفُ النفس الإنسانية بها حقيقة الوجود.
ويا للغباء عندما نُكرر في اليمن وقوعنا في براثن صراع وتجويع لبعضنا، غير عابئين بتحذيرات قرآنية صريحة.
وفي الحديث القدسي كما رواه (البزار):
(إنما أقبل الصلاة ممن تواضع ولم يستطل (تطاول واعتدى) على خَلْقي ولم يبِتْ مُصِرًّا على معصيتي، وقَطَع النهار في ذكري، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة ورحمَ المصاب).

فأين نحن من هذا الحديث القدسي، وأين نحن من الإحساس الوطني والإنساني بمن حولنا..؟

يأتي العيد وليس لنا من الأمل غير التواصي بالحق والتواصي بالصبر، وما تيسّر من مفردات تذكير كلّ مَن يتحكمُ برقاب الناس وأرزاقهم بأهمية تهذيب سلوكه المتوحش وعدم نسيان أنّ للضمير إشراقته التي لا يجوز التمادي في اغتيالها.

والسؤال.. ما الذي علينا عمله كمواطنين على أعتاب عيدٍ، القليل فيه يعيشون الرفاهية المحاصرة بعلامات الاستفهام حول أسرار لم تعُد أسرارًا، فيما الغالبية يعانون تعاسة هذا الفساد المحلي بأصابع كونية تُتاجر حتى بجحافل التسول والتشرد في الشارع العام وسط اجتماع الفقر مع غياب العدالة وتَواري فضيلة التكافل الاجتماعي، وارتفاع منسوب من يهبرون حصص الناس من الحق في الحياة الكريمة..؟

نحن كيمنيين في مواجهةٍ مع العيد بأمر حركة الزمن وعقارب الساعة في أوضاع إنسانية صعبة، ولا غنى عن التغافل عن استفهامية المتنبي في شقها السلبي والاقتراب من مغناة (آنستنا يا عيد) ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.

ولن نقتربَ من ذلك دون استدعاء ما اندثر من قِيم التسامح والإيثار، وعدم الانتقام، ومغادرة كلّ قفص يشيع الكراهية ويتبنى الغضب والبغضاء.

ويا أخي اليمني المستهلك الحريص على خوض غمار زحمة الأسواق الجشعة، ليس لك من أمر الشطط الاستهلاكي لا ناقة ولا بعير، فاسأل نفسك.. ما الذي سيحدث لو استغنيت عن بعض مستلزمات هذا العيد تحت ضغط الواقع الصعب..؟

أعرف أنّ المهمة صعبة، ولكن لا بُد من حماية نفسك من التهور بجيوبك الفارغة.

افتح خطًّا وأسرارًا مع الله الذي يعلم السر وأخفى، واطلب منه الانتقام من كلّ فاجر وظالم.

لا تنظر بعدم الاحترام إلى ملابس عيد الفطر الماضي، وغَطِّ بها موقفك، متسلحًا بالمثل الذي يقول: (يا صائمين رمضان تعويدكم الأضحى).

ابتعدوا عن دوخة الدخان وهلوسات “قات” مجرم على مدار العام، ومجرم أكبر في العيد، إنه يسرق من البسطاء كلّ شيء.. ولن ينتصر في معركة أسواق الملابس والجعالة ومن قبلهما وبعدهما القات إلا من يرى الزينة في النظافة وليس في مزاحمة لصوص الثروة، وأنّ الوقار هو في السكينة والحلال وتحدي توحّش الأسواق.

تنفسوا الكثير من الهواء النقي عند الفجر.. تذكروا أنّ المتصالح والمتسامح، ومن ينسى مشاعر الغضب تجاه الآخرين، يتمتعُ بصحة أفضل.

أما الذين ينتجون للشعب كلّ هذه الأحزان فليس هناك ما هو أكبر من تذكيرهم بالموت الذي لو تذكروه لعمَّت الفضيلة، كما قال حكيم.

ولا بأس في الختام من استحضار حكمة (لو دامت لغيرك ما وصلت إليك).

وحسب كل متفرعن تَذكر أنّ جثة فرعون تحولت إلى آية، فيما خرج حاكم عربي ذات يوم من الأندلس مطرودًا؛ لأنه باختصار لم يتمسك بأدوات الحضارة ومفردات العزة وأبجديات المسؤولية، فكيف بيمنيين يرون في السلطة اقتتالًا وتجويعًا بلا سقفٍ أو حدود..!

كلّ عام وأنتم بخير.. ولليمن السلام.

*كاتب يمني

   
 
إعلان

تعليقات