Accessibility links

إعلان

وجدي الأهدل*

في كل مكان نسمع التحذيرات من أن الذكاء الاصطناعي سيتحكم في البشر ويسيطر على العالم.. يا للهول الآلة تزيح الإنسان عن عرشه، وتصبح الممثل رقم واحد لكوكب الأرض!

لهم الحق في ذلك، خصوصًا بالنسبة للدول المتقدمة التي وصل مستوى جودة الحياة فيها إلى ذرىً عالية، فهم يخشون أن ينقلب العلمُ على العالم، ويضعهم الذكاء الاصطناعي في طور من أطوار العبودية عفا عليها الزمن، وربما حدّ كثيرًا من حريتهم الفردية والفكرية والإبداعية.

بالنسبة لليمن، فإنني أرحب أشد ترحيب بغزو الذكاء الاصطناعي لليمن واحتلاله لها، لينقذنا من الغباء الاصطناعي الذي اُبتلينا به، فمنذ سنوات يخضع اليمني لغسيل دماغ عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لجعله غبيًّا، وأعتقد أنهم نجحوا في ذلك، مع الأسف.

من باب الافتراض، إذا ترشح الذكاء الاصطناعي لمنصب رئيس الجمهورية في بلادنا، فإنني أول من سينتخبه رئيسًا إلى الأبد!

هل ينفع أن يكون الذكاء الاصطناعي رئيسًا لليمن؟ نعم إنه ينفع 200%، وينفع أن يكون رئيسًا للوزراء، وأن يمسك جميع الحقائب الوزارية، أيّ أن يجمع ويحتكر كل السلطة التنفيذية في اليمن، وأن يُحرم اليمنيون من شغل هذه المناصب، ويكتفوا بتنفيذ الأوامر التي يمليها عليهم فخامة الرئيس الذكاء الاصطناعي.

ربما يوجد بين اليمنيين أفراد قلائل يمتلكون ميزات أخلاقية وإنسانية تجعل كفتهم أرجح من كفة الذكاء الاصطناعي، ولكن قطيع الغباء الاصطناعي الذي يعمل بكفاءة في اليمن، لن يسمح لهم باعتلاء المواقع القيادية العليا التي تتناسب مع عظمتهم الفكرية والأخلاقية، ولذلك ليس أمامنا للخروج من دوامة الحرب وتبعاتها سوى الاحتكام إلى الذكاء الاصطناعي ليحكمنا، ونمنحه حق إصدار الأوامر والتعيينات، وحل المشاكل الاستراتيجية، وحتى تلك المشاكل اليومية وفقًا لِما يراه في صالحنا.

اليمنيون شعب قاصر، لم يبلغ الرشد بعد، ولذلك سيكون الذكاء الاصطناعي هدية من السماء لنا ليقوم بدور الوصي علينا، ريثما نكبر عن الصغائر، ونتعقل ونكف عن العراك مثل عيال الشوارع، ونصل إلى مرحلة التفاهم والاحترام المتبادل فيما بيننا.

إذا أصبح الذكاء الاصطناعي رئيسًا لليمن سيحكم بالعدل، سيقرر بالعقل، سيعيّن مسؤولين في الدولة بحسب مؤهلاتهم، ولن يلتفت إلى الحسابات المناطقية والحزبية والصلات بحكومات أجنبية في اتخاذ قراراته.

لدى الذكاء الاصطناعي إذا صار رئيسًا ميزات هائلة، تجعله قادرًا على معالجة مشاكل اليمن دون أن يكون عرضة للضغوط من قطيع الغباء الاصطناعي، هذا القطيع الذي أعاق مشروع القاضي عبدالرحمن الأرياني في بناء الدولة اليمنية الحديثة، وتآمر على الرئيس الحمدي الذي كاد يحول اليمن إلى معجزة اقتصادية، سابقًا دول شرق آسيا، وفرض على كل رئيس جمهورية يمني شمالًا وجنوبًا الخيار بين الفرار أو القتل.. لم يحدث في تاريخ اليمن الحديث أن أكمل قائد سياسي عمله دون أن يتعرض للقتل أو العزل أو الفرار إلى المنفى.. نحن البلد الوحيد في العالم تقريبًا الذي فعل ذلك بحكامه، راجعوا تاريخ رؤساء اليمن لتتأكدوا من هذه الحقيقة الموجعة.

لذلك، الذكاء الاصطناعي هو الأصلح للحكم، فلن يستطيع قطيع الغباء الاصطناعي العريق في اليمن أن يهدده بالسحل في شوارع صنعاء إذا لم يستجب لمطالبه، فهو لا يملك جسدًا ماديًّا، ولن يستطيع قطيع الغباء الاصطناعي دعوته للغداء، ومن ثم قتله غدرًا لأنه لحسن الحظ لا يأكل، ولن يضع له قطيع الغباء الاصطناعي قنابل في المسجد أثناء صلاة الجمعة لأنه لا يصلي وليس مكلفًا من الله بأداء الصلاة، ولن ينجح المنافقون في التزلف إليه ليفوزوا بالمناصب الهامّة في الدولة لأنه بلا عاطفة، ولا يغره المديح الزائف، ولن يرهبه التهديد والتخويف للرضوخ لابتزازهم، فهو لا يخاف لأنه بلا روح، ولن يتمكنوا ولا بأيّ طريقة من الطرق الملتوية من التأثير على قراراته وأحكامه، لأنه محايد كليًّا.

إذا صار الذكاء الاصطناعي رئيسًا لليمن، فلا يمكن اتهامه بأنه شمالي أو جنوبي، أو سني أو شيعي، أو من منطقة كذا أو من سلالة كذا، فهو وسيط نزيه لحكم اليمنيين، ومن المحال أن يكون منحازًا لطرف من أطراف النزاع.

إذا افترضنا جدلًا أن اليمنيين قبلوا بالذكاء الاصطناعي رئيسًا للجمهورية، وبدأ صاحبنا يصدر القرارات والتوجيهات والتعليمات الصائبة، التي يقرها العقل دون شائبة من ميل أو عاطفة، فإن قطيع الغباء الاصطناعي إذا وجد في هذه القرارات مسًّا بمصالحه، وضرًّا بمنافعه، سيشن حملة تكفير وتخوين وتحقير وتسفيه على الذكاء الاصطناعي، واتهامه بأوسخ التهم، وربما خرجوا في مظاهرات ضده، وطالبوا بقطع رأسه، مع أن الذكاء الاصطناعي لا رأس له، وقد يقودون حملة إعلامية شرسة لتشويه سمعته، مع أن الذكاء الاصطناعي لا يملك مشاعر لكي يأبه بنباحهم.

إذا كان رئيس الجمهورية من لحم ودم، فإن بإمكان قطيع الغباء الاصطناعي النيل من سمعته، وعرقلته، وإزعاجه، والتشويش عليه، ومحاصرته، وتقييده، وشلّ قدرته على التغيير، وإرهابه وتهديده، وأخيرًا قتله إذا لم يسايرهم، ويصبح كالخاتم في أصابعهم.

قبل أكثر من نصف قرن نجح رجل يمني حكيم في وقف الحرب الأهلية بين الجمهوريين والملكيين وأرسى السلام والاستقرار، ولكن في وقتنا الحاضر، قد لا نجد بين صفوفنا رجلًا بمثل هذه المواصفات لينهض بمهمة السلام في اليمن.. لن ينجح مبعوث أممي أو أمريكي أو خليجي أو حتى من موزامبيق في إحلال السلام العادل بين اليمنيين وبناء الثقة بين أبناء الشعب الواحد، ولن يكون إلا عن طريق واحد يظهر من بيننا.

إذا كنا نشمخ بأنوفنا ونأبى أن يحكمنا الذكاء الاصطناعي، فالحل الآخر هو أن نطلب من الذكاء الاصطناعي أن يختار الأكثر حكمة بين اليمنيين واليمنيات ويرشحه لمنصب رئيس الجمهورية.

في الأخير أشير إلى أن قطيع الغباء الاصطناعي لن يوافق على أيّ حل، لن يوافق على أيّ شخص، لن يوافق على أيّ فكرة جديدة مغايرة كليًّا لطريقة تفكيره، وبالتأكيد لن يفقه الأفكار الواردة في هذه المقالة.

*روائي يمني.

   
 
إعلان

تعليقات