Accessibility links

إعلان
إعلان

وجدي الأهدل*

قبل خمسة ملايين عام حدث الافتراق بين سلالتي القرود وأشباه البشر. بحسب العلماء، فإن الساعة البيولوجية تشير إلى أننا احتجنا كل تلك الملايين من السنين لنصبح ما نحن عليه اليوم.

ظهرت ثماني سلالات بشرية، انقرضت سبع منها، ولم تبقَ سوى سلالة واحدة، ينتمي إليها جميع البشر الأحياء على الأرض، هي سلالة الإنسان العاقل “هومو سابينس”.

تطرح نظرية دارون “الانتقاء الطبيعي”، أن السلالات غير القادرة على التكيف، الأقل ذكاءً، انقرضت تباعًا الواحدة تلو الأخرى.

يبدو أن سلالاتنا “الإنسان العاقل” التي ظهرت في أفريقيا منذ حوالى 200 ألف عام، ثم اجتاحت العالم كله، هي المتهمة بإبادة تلك السلالات السبع المنقرضة.

هذا بتلخيص مخل هو رأي العلم في تاريخ هذا الكائن الفريد من نوعه المسمى الإنسان.

فما هو رأي الدين؟ سوف نُفاجأ أن الأديان السماوية ترسخ السياق نفسه فيما يتعلق بتاريخ الكائن البشري.

قصة النبي نوح وحدوث الطوفان، وانتقاء سلالة بشرية واحدة للبقاء، وإبادة السلالات الأخرى، هي قصة يؤمن بها أتباع الديانات الثلاث – اليهود والمسيحيون والمسلمون – بيقين تام.

لكن هناك فارقًا جوهريًّا بين الرؤيتين العلمية والدينية.. الرؤية العلمية تركز على المزايا الجسدية، مثل حجم الدماغ، وطول القامة، وحجم البنية الجسدية ككل، وأما الرؤية الدينية فتركز على السجايا الأخلاقية، أي على حجم الضمير، وهو – أي الضمير – ليس شيئًا قابلاً للقياس بأدوات العلم.

متى نشأ الضمير في وجدان “الإنسان العاقل”؟ من المحتمل أنّ نشوء الضمير هو السبب الحاسم في انفصال سلالتنا عن سلالة القرود.

لكن كيف نشأ الضمير؟ الإجابة لن تكون موجودة لدى العلماء، ولكنها موجودة لدى السماء فقط.

وفقًا لنظرية “الانتقاء الطبيعي” فإن البشر الحاليين المنتشرين على كوكب الأرض، هم السلالة الأجدر بالبقاء، لأنهم الأكثر ذكاءً، وأجسامهم تمتلكُ مناعة أفضل ضد الأمراض وتقلبات المناخ.

وفقًا للرؤية الدينية، فإن البشر الحاليين هم الأفضل أخلاقيًّا، وأما البشر الأكثر شرًّا ودموية وفسقًا فقد جرت إبادتهم واستئصالهم عبر أزمنة تاريخية متدرجة، كما هو مذكور في الكتب المقدسة، وكأن يد الله ظلت تتدخل من حين لآخر لفرز النسخ البشرية الرديئة وإتلافها.

وماذا بشأننا نحن العرب؟ يورد المؤرخون القدامى أخبارًا تشبه الأساطير عن عرب بائدة، ظهروا على وجه الأرض لحقبة من الزمن ثم اندثروا: عاد وثمود والعماليق وجُرهم وطسم وجديس وأميم وعبيل ووبار.

وفي القرآن الكريم آيات تذكر بعضًا من هذه الجماعات البشرية التي حلَّ عليها غضب الله، فأبيدت برجالها ونسائها وأطفالها دون استثناء.

هل يستحق العرب المعاصرون البقاء؟ إنه سؤال يدور في رأسي منذ مدة، وأظنه يدور في رؤوس الأمم والشعوب المجاورة لنا، وربما حتى البعيدة عنا، ولعله لا شيء يمنعهم من الضغط على أزرار الصواريخ النووية لإبادتنا سوى هذا الوازع الأخلاقي الذي نشأ حديثًا، واتفق على تسميته بـ”الضمير العالمي”.

الدول العربية هي خزّان بشري يُصدِّر للعالم المتطرفين الدمويين تحت أسماء وشعارات ورايات مختلفة في الشكل ومتفقة في المضمون، وهي مرتعٌ للفقر والأمية والاستبداد السياسي، وهي بلدان تعاني من اختلالات عميقة في تطبيق العدالة، فهي أقرب للغابة من كونها دولاً متحضرة يخضع فيها الجميع لسلطة القانون دون تمييز.

وحتى الإنسان في دول الخليج الغنية، ليس في نظر الأوروبيين والأمريكان والآسيويين مستحقًّا للثروة التي ينعم بها، ولعلهم يتساءلون في أنفسهم “ما فائدة هؤلاء البشر؟ نحن نحتاج النفط فقط!!”.

وأكثر من عبّر عن هذا التمني بطريقة غير مباشرة، هو وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر، الذي صرح قائلاً: “إن الله وضع النفط في المكان الخطأ”.

لكن حقًّا ماذا فعلت دول الخليج بثرواتها الضخمة؟ ما هي الأهداف السامية التي تسعى إليها من أجل خير البشرية؟ ما هو دورها في هذا العالم؟

هل نحن فعلاً نستحق الإبادة كما يفكر جيراننا الإيرانيون والأتراك في قرارة أنفسهم؟ هل نحن أمة مكروهة ومُزدراة كما ينظر إلينا الأوروبيون والأمريكان؟ هل توجد أمة من أمم الأرض تُكِنُّ لنا التقدير والاحترام؟ هل نحن محبوبون أصلاً من الشعوب الأخرى؟ مع الأسف، أتوقع أن الإجابات كلها لن تكون مدعاة لسرورنا.

في المصانع المملوكة للقطاع العام، عندما يحدث خطأ في التصنيع، يتم فرز المنتجات التالفة جانبًا، وإبلاغ الجهات المختصة بذلك، وتتولى لجنة الإتلاف الفحص والحصر وكتابة المحضر، ثم يتم إحراق الكمية التالفة من المنتج.

نحن العرب بسبب عنصريتنا ضد بعضنا، بسبب ازدرائنا للعلم والثقافة، بسبب تعصبنا لأفكارنا ومعتقداتنا، بسبب صمتنا عن الظلم، بسبب أن إزهاق الأرواح البشرية لا يثير حفظتنا، نستحق أن يهوي علينا الختم الذي يحمل القرار الذي نستحقه: “نسخة تالفة” لتباشر لجنة الإتلاف عملها.

*روائي وكاتب يمني

   
 
إعلان

تعليقات