Accessibility links

ليلة القبض على (الإنترنت..!) نقاش وأجوبة على (السؤال الغلط..!)


إعلان
إعلان

عبدالله الصعفاني*
هل كنتَ في حالة سهرٍ لحظة عودة الإنترنت بعد منتصف الليل..؟ ماذا كنت تفعل..؟

صفِّ النّية، ولا تتهم سؤالي بارتكاب جريمة اقتحام الخصوصية؛ فالذي أقصده: هل كنت نائمًا.. تقرأ كتابًا.. تُتابع التليفزيون..؟

سألت بعض أصدقائي هذا السؤال.. البعض قال:

كنتُ أقرأ في كتاب، ولم يُسمِّ الكتاب.. فهل تراه عاد إلى قراءة (100 عام من العزلة)، أم تناول كتاب (الأمير) الذي تقدمه الحاشية لكلّ من يصل إلى كرسي الحكم..؟ من يدري لعل أحدكم وقع في إغراء الكتاب الذي يحذّر في عنوانه من المرأة ذات القدمين الكبيرتين، لعله يقصد مَن مقاس حذائهن 45..؟

* مهما كان حالك بعد منتصف ليل عودة النت فأنت معذور؛ لأنك باختصار لم تكن سوى جزء من أحوال بلد لا يعرف أبناؤه عدد الجهات الدولية والإقليمية والمحلية التي تكيل له كوارث لا تفرّق بين ما هو هدف عسكري وما هو مدني، ولا تدرك خطورة استبدال الحوار والنقاش بالتفاني في الجمع بين قطْع الرأس وقطْع المعاش.

* والآن سأقول لكم أين كنت شخصيًّا في آخر ساعات القطع..

كنتُ أتابعُ فيلمًا من سلسلة أفلام لم أعد أتذكر منها سوى مشاهد يؤكد أحدها (أنك عدوك الذي تبحث عنه، وأن بمقدور الوقت أن يفعل الكثير إنْ نحن عرفنا كيف نستخدمه)، ويؤكد الثاني أنْ لا شيء يعمّق حياتك التعيسة أكبر من أن يبقى اليمنيون في حالة إحصاء للضحايا، فيما الآخرون يجمعون بين مناقشة سُبل تطوير الأمان في الدراجة النارية، وبين تعميق صور الخيال العلمي الذي تتحول معه السيارة الى رَجُلٍ آلي، كان في الحقيقة حصاد الحوار التالي بين رجل وامرأة: طلبت منه أن يعيرها سيارته لظرف عائلي طارئ، فرفض حتى بعد أن قالت له بأنها ستقدّم له بعض الخدمات، ومنها خدمة تنظيف حمَّامه الذي يثير الاشمئزاز حسب وصفها، ولكن.. قبل أن تغادر المرأة غاضبة، فاجأها بقرار منحها السيارة على سبيل الهدية.. هكذا مرَّة واحدة.

وفيما هي تغادر المكان وبيدها مفتاح السيارة، قال لها بلغة المنتصر الوغد: مراحيضي رائعة.. فكان سكوتها علامة رضا ما قبل تحوّل السيارة إلى رجل آلي محارب في أحداث قيامة افتراضية.

* وأما الآن.. فإذا كنتُ أحزنْتكم بذكر تفاصيل المشهد الانتهازي فالمعذرة، وإن ضحكتم له أو عليه، فنحن في عالم صداقات افتراضية، والذين يمتلكون القدرة على الضحك أو الإضحاك لهم أصدقاء أكثر في واقع الحياة، واسألوا مصطفى المومري ورفاقه من الذين يحصدون ملايين اللايكات مع أول مراكضة لجدار الإسمنت.

وحتى لا أذهب بعيدًا، أعود إلى انقطاع الانترنت عن الشعب اليمني بقصف غبي وقاتل لمنشأة مدنية.

* لقد وجدنا خلال أيام انقطاع اليمن عن العالم مَن يقول: والله إنها فترة حلوة.. تعرّفنا فيها على الأولاد وأمَّهم المصون، وكانوا في الحقيقة طيبين وحلوين واجتماعيين داخل البيت.

وهذا قال: لقد رجعنا إلى قراءة الكتب بعد انقطاع، وثالث تحدّث عن مزايا الانقطاع في القضية التربوية في زمن النت، وألعابه القاتلة، ولقطاته الخادشة للحياء، وما إلى ذلك من تدنّي طُرق الحوار… إلخ.

* وهذا الكلام، مع كبير التقدير وعظيم الاحترام، نظر إلى سلبيات، وقَفَز على الإيجابيات، بل وأغفل أن أضرار الانقطاع عن الشبكات العنكبوتية أشد وأخطر من سلبيات استخدام الإنترنت دون وعي؛ لأنه باختصار قفزة إلى بئر لم يعُد نافعًا للاستخدام.

وكلاَّ.. الحياة دون انترنت ليست أجمل.. ولن يكون حديثي مُرسلاً؛ لأنّ النت أكبر من كونه وسيلة نتغلب بواسطتها على الرتابة والملل، ونستعرض فيها علمنا أو حلمنا أو حماقاتنا.

* إنه عالم من التواصل السهل بين الأهل، خاصة بعد أن تفرقت أيدي سبأ اليمانية وصرنا مراجم الأرض.. إنه عالم من المعرفة ومحركات البحث.. عالم تتعطل من دونه أعمال الكتابة للمواقع والصحف، حجوزات الطيران، مؤتمرات وندوات علمية، واختبارات واستذكار دروس، وحتى التجارة البينية.

* قد يشير بعضنا إلى مساوئ حوارات جنون البقر، وانحدار الأخلاق، وبثّ مقرف لأشخاص صاروا في الحقيقة حمالة حطب، ومشعلي حرائق، ولكن هذا هو عالمك، ولا مجال لأنْ تعزل نفسك في سجن خاص بك.

* وإذا كان منا مَن وصف عودة الإنترنت بأنبوبة الأكسجين وفقًا لاحتياجاته، ورأى آخرون في عودته عودة للروح، وشعر آخرون بأنه صار وسيلة إنجاز أعمال، وبوابة كبيرة وسريعة ندخل منها إلى دنيا المعرفة وجديدها، فلن أضيف على ما قالوه إلا هذا الاستشهاد الحزين.. إن أبرز ما اكتشفته، ودون مبالغة، هو أنه حتى الذين ماتوا في أيام انقطاع الإنترنت عن اليمن لم يموتوا في نظر الكثيرين؛ لأنهم بصريح العبارة لم يعرفوا بالوفاة، ما يشير أيضًا إلى أن الإنسان في البلدان المتقدمة والمتخلفة يعتمد على الإنترنت في حياته.. أفراح وأتراح.. إبداع وإمتاع.. وقبل وبعد ذلك (العمل).

ومهما تعددت مساوئ استخدام الإنترنت، فالحل بالنسبة لنا في اليمن هو ترشيد الاستخدام وتقنينه، وتحويل الخدمة إلى وسيلة لتقوية مصابيح المعرفة بعيدًا عن السؤال المندفع: هل النت ضروري..؟ وهو بالمناسبة صار السؤال الغلط الذي لا يقود إلا إلى الإجابات الغلط..!

*كاتب يمني

   
 
إعلان

تعليقات