Accessibility links

إعلان
إعلان

د. بدر حيدرة:

من غرائب “كورونا” أنْ يُطلّ علينا (المولعي) اليمني، من مجلس القات، ماضغًا قاته، شاربًا زَنجبيله، ماسكًا شيشته بيمينه، وتليفونه بشماله، وسيجارته بين شفتيه، غاضبًا مستنكرًا، متوعدًا ومهددًا، ليُرسل رسائل شديدة اللهجة، ويُعلِن حالة الطوارئ في كلّ أرجاء المعمورة، ويحثّ الناس على الحجر الصحي واعتزال التجمعات في الوقت الذي يقضي وقته مع أصدقائه في ديوان مزدحم أشبه بمعتقل اختياري موبوء.

هذه المجالس التي تُشكّل أكبر تجمعات لمسببات الموت، التدخين في مجالس مغلقة تنعدم فيها التهوية، وإذا فتحت الشباك صرخ عليك الجميع؛ لأنّ الهواء يُعكّر المزاج والكيف، والجلوس دون حركة لساعات طويلة، وكم سمعنا من حالات موتٍ مفاجئة بسبب تكوّن جلطة في أوردة الرِّجلين وسفرها إلى الرئة، فينام الرّجُل ولا يصحو، ويموت ولا يعرف الناس لماذا وكيف مات، أو بواسطة ذبحة صدرية بنفس الطريقة، وفي الديوان – أيضًا – المشروبات الغازية، والقات وسمومه، وإهدار المال والوقت وهمومه.

تلك العوامل التي تُسبّب وتُفاقِم مشاكل الأمراض المزمنة مثل الضغط والقلب والأوعية الدموية والجلطات والالتهابات الرئوية والحالات النفسية.. وفي مجالس القات سيجد “كورونا” متنزهات راقية وفنادق سبعة نجوم يتكاثر فيها، ومحطات عبور يسافر عبرها إلى كل رئة سليمة وعليلة.

في مجالس القات يخالف اليمني كلّ شروط السلامة والوقاية من كورونا، ففيها الازدحام والدخان والسلام بالأحضان والتنفس إلى حيز صغير مغلق من كلّ مكان، واستخدام حمام مشترك لكلّ الضيوف، وسعال من كلّ جانب، لا تدري هل أثاره الدخان أو الانفلونزا أو السلّ الرئوي أو الزائر الجديد، المرعب العنيد سريع الانتشار فايروس كورونا.

وكل ما ذُكر هنا من مخاطر ومسببات للأمراض المزمنة التي تُساهم في إكثارها مجالس القات، تُعدّ من فئة المخاطر القابلة للتعديل.

بمعنى أن بالإمكان تفاديها أو إصلاحها أو العودة إلى الحالات الطبيعية بتركها.

على عكس فيما لو كانت المخاطر غير قابلة للتعديل مثل الأمراض الوراثية أو  الأمراض التي تأتي في سنّ معيّن، أو تُصيب الرجال فقط، أو النساء فقط، حيث من الصعب تعديل الجينات أو العمر أو الجندر.

أما كورونا فلن يمنحك وقتًا طويلًا لتتخذ قرارك بترك هذه التجمعات الضارة، وعليك اتخاذ القرار الآن، وليس غدًا.

فهل ستكون حقبة كورونا فرصة للإقلاع عن تناول القات والتدخين لدى الكثير من الشباب؟..

بالمناسبة، كان زمن الطاعون في القرن الرابع عشر هو الفترة الفاصلة بين عصور التخلف الوسطى وعصر النهضة في أوروبا، حيث كانت القذارة قبل ذلك الزمن من أهم صفات المجتمع الأوروبي، وقد تمرّ أشهر دون أن يغسل الشخص يداه، وسنوات دون أن يتحمم.

وسبب آخر لعدم انتشار الطاعون، أو الموت الأسود في تلك الفترة بكثرة بين اليهود إلى جانب مجتمعاتهم المنعزلة كان تمسكهم بتعاليم دينهم الذي يحثهم على النظافة بطقوس تُشبه إلى حدّ كبير تعاليم الإسلام، من اغتسال قبل الصلاة، وبعد الجماع، وغسل اليدين قبل الأكل وبعده، وغسل الموتى، وما إلى ذلك..!

فليكن عصر كورونا فاصلًا بين زمنين بالنسبة لليمنيين، كما كان الطاعون بالنسبة للأوروبيين، بين تناول القات وتركه، وبين تعاطي التدخين والإقلاع عنه، وبين إهدار الوقت واستغلاله بما ينفع من عمل وتعليم ورياضة وغيرها، وبين عهد المماحكات ونشر الألفة والمحبة، وبين ارتكاب المعاصي والعودة إلى طاعة الله.

   
 
إعلان

تعليقات